صدي «التيبي» السل... السل؟؟ أمال عباس ٭ زارتني في المكتب شابة الا انها تحمل ملامح عجوز تخطت الستين.. حكت لي مأساة.. بكل معايير المآسي التي غرق فيها انسان السودان.. انسان السودان متروك له مجال الاختيار.. اختيار نوع المعاناة.. ولا اختيار الا لمعاناة.. معاناة عطالة.. معاناة مرض.. معاناة تعليم.. معاناة.. معاناة ولا شيء غيرها. ٭ حكت لي الشابة العجوز عن الداء الذي حصد الاسرة.. اسرتها الصغيرة.. اخواتها الثلاث ووالدها.. بقيت هي وامها واخ صغير.. قالت انه «التيبي».. زحف على الصدور وذهب بها وباصحابها. ٭ ظللت استمع اليها في صمت ابله وما اقسى ان يصاب الصمت بالبله.. في مرات متقطعة كنت امسح دمعة خجلى تغافلني وتجد طريقها.. استطعت ان اساعدها في ايجاد عمل خفيف.. هي ايضا كانت مصابة لكن جهود مكافحة الدرن امنت لها العلاج وهي ما زالت تحت برنامجه. ٭ اذكر جيداً في عام 8991 وفي شهر ديسمبر قام راديو ولاية الخرطوم بتحقيق حول ظهور بعض حالات السل الرئوي باحدى مدارس الاساس بمحافظة كرري.. ً٭ التحقيق كان مكتملاً وجريئاً وعميقاً.. المذيعة ذهبت الى المدرسة وذهبت الى السلطات الصحية التي اثبتت المعلومات وبالصدفة اكتشف طفلا بمرحلة الاساس يعاني من داء الصدر اللعين ومن خلال الحالة تم اكتشاف ست حالات اخرى واتسعت الدائرة لتشمل ستين حالة مشتبه فيها. ٭ والمحزن وقتها كان موقف مدير المستشفي الذي ذهبت اليه المذيعة فهو لم ينف او يؤكد وانما لزم الصمت كأن الصمت يعالج الواقع الاسود. وكأن الصمت يلعب دورا في التوعية. ٭ يومها تألمت وحزنت وبكيت ولكن لم استغرب لظهور هذا الداء الذي اختفى من العالم منذ وقت طويل.. اختفى بفعل التغذية السليمة والتوعية بخلق البيئة المعافاة فالسل ابن شرعي للفقر ولسوء التغذية ومع ذلك فهو مرض لعين ينتقل بالهواء ويسلب الحيوية والنشاط والقدرة على العمل وعلى التحصيل.. هو الموت بالاقساط المتعبة.. و التخلف والاهمال.. ونحن نعاني من كل هذا. ٭ لا اريد ان ابث الذعر لكن تخيلوا معي ان الاشتباه في مدرسة واحدة يبلغ الستين في عام 8991م.. ومع تقدمنا الى الخلف كيف اصبح الحال اليوم.. والسل إلتقى برفيق درب هو الايدز؟ ٭ فهل هذا يعني ان جحافل السل تهاجم بانتظام الحياة في عاصمة المشروع الحضاري وان كانت الملاريا تدمر الادمغة فالسل يدمر الحاضر والمستقبل.. فكيف نتصور الغد وبماذا نفسر للعالم وللحضارة وللضمير ان تصبح عاصمة السودان مكانا آمنا لهذا الداء اللعين. ٭ ارأيتم الى اي عمق تتجذر مأساة الانسان السوداني، هلا اعلنا حالة طوارئ لمحاربة الفقر.. ودعونا من الاهتمام بالمظهريات والسياسات الاقتصادية التي قادتنا الى ما نحن فيه الآن وتقودنا الى الجحيم.. قلبي على اطفال بلادي وشباب بلادي وانسان بلادي. هذا مع تحياتي وشكري الصحافة