حديث المدينة في 60 ! عثمان ميرغني من هول المفاجأة.. اختارت صحيفة \"التيار\" أمس في عنوانها الرئيسي خبر صيانة وإعادة تأهيل مسجد الخرطوم الكبير بتكلفة (60) مليار جنيه سوداني.. أي حوالى (25) مليون دولار (بالسعر الرسمي).. وطبعاً.. عندما كشف مولانا إمام المسجد هذه المعلومة لم يكن الأمر من باب الشفافية بقدر ما هو زهو وافتخار بحجم المبلغ و(الغالي.. بي غلاتو).. وأمس قبل كتابة هذا العمود سألت الإخوة في \"ديسك\" الأخبار.. هل وصلكم أي نفي لهذه التصريحات الصريحة؟ وهل اتصل بكم خطيب المسجد ليقول إن الرقم كان زلة لسان، أضاف صفراً للمليارات؟ بل هل تراجع عن الرقم وأبدله بأي رقم آخر (يدخل الدماغ!!).. لكنهم أكدوا لي أن شيئاً من ذلك لم يحدث.. وليس من الحكمة السؤال، من أين للمسؤولين عن هذا المشروع كل هذه الأموال.. فهم محصنون بقاعدة (يرزق من يشاء بغير حساب..) وهناك كثير من الخزائن المدججة بأموال الشعب المسكين.. والتي (لا تُسأل عما تفعل).. ليس أقلها.. هيئة الحج والعمرة.. والتي وصلت تخمتها بأموال الفقراء من الحجاج أن تتبرع ب(المرابحات) على شركة يملكها أجانب.. كما ظهر في التحقيق الصحفي الذي نشرته \"التيار\" قبل بضع شهور.. لكن السؤال.. من هو صاحب القرار في خزينة الدولة؟ من يقرر أولوية الصرف ويحدد مبلغ الصرف؟ بالله أبحثوا في أضابير مثل هذه القرارات.. ستكتشفوا الحقيقة المرة.. أن أحقية وأولوية الصرف ترتبط دائماً بالجهة أو الشخص أو ربما حتى قوة (زوجة) المسؤول.. بينما تنزوي المؤسسات والقرارات المدعومة بالحيثيات.. والأمثلة على ذلك لا حصر لها.. حكى لي أحد التنفيذيين في مؤسسة حكومية معروفة.. قال إن طلب علاج لأحد العاملين في المؤسسة بكلفة لا تزيد عن (250) جنيهاً قد تستغرق الموافقة عليه أسبوعاً كاملاً، وزحمة توقيعات.. لكن طلب تشييد مبنى من عدة طوابق جديدة في المؤسسة لا يستغرق عدة ساعات.. وربما يبدأ المقاول عمله في اليوم التالي مباشرة.. قدمت من قبل اقتراحاً أن يطور أداء ودور المجلس الوطني (البرلمان) بحيث تخول له سلطة المصادقة على صرف المال العام (الاتحادي).. وليس مجرد الموازنة السنوية.. حكاية إجازة البرلمان لموازنة الدولة -في شهر ديسمبر من كل عام- اتضح أنها صورية وهمية لأبعد مدى.. مجرد إجراء روتنيني تعودنا عليه في برلماناتنا، لكنه لا يكسر خاطر وزارة المالية ولا يجبرها على الالتزام ببنود الصرف المجازة في الموازنة. تصبح الموازنة السنوية مجرد (خطة عمل) للحكومة تجيزها في مجلس الوزراء.. وترفع للبرلمان لإجازتها تحت مسمى (خطة العمل الإطارية للحكومة) بدلاً عن إجازتها كما هو عليه الحال في شكل (قانون).. ثم يتولى المجلس الوطني (البرلمان) بعد ذلك اعتماد الصرف من الموازنة بصورة شهرية أو فصلية (كل ثلاثة أشهر) وفق (قانون).. هذا الوضع يمنح البرلمان سيطرة أكبر على المال العام.. ويحجم احتكار السلطة التنفيذية لإدارة المال العام.. ويجعل الرقابة أقرب وأكثر تأثيراً.. وعلى نفس السياق.. تسير الأجهزة التنفيذية والتشريعية الولائية.. التيار