إليكم الطاهر ساتي [email protected] عيوني وعيونك .. أسباب لوعتي ..(2) ** نشرت بزاوية البارحة نص قرار مجلس الوزراء الخاص ببيع مستشفى العيون التعليمي المقابل النيل بالخرطوم..والغاية من البيع - حسب القرار - بناء مشافي عيون ببعض ولايات السودان، ثم بالقرار شروط - شبه تفصيلية – حول كيفية عرض العقار وكيفية بيعه، ومن يكون الشارئ؟، وكيف ومتى يستلم العقار؟.. فحواها : يتم الاعلان عن العقار بشفافية وتنافسية في وسائل الإعلان، ثم الحصول - والقبول - على اعلى سعر، وأن يستلم الشاري عقاره بعد عام، أي بعد بناء مستشفى عيون بالخرطوم ومشافي أخرى ببعض الولايات..تلك هي الشروط - شبه التفصيلية - الموثقة في قرار مجلس الوزراء، ولقد إستوقفتني تلك التفاصيل، وأدهشتني..نعم، قرارات مجلس الوزراء، خاصة ذات الصلة بالبيع، لم تكن تغرق في بحر التفاصيل التي من شاكلة (الشفافية، المنافسة، أعلى سعر) وغيرها من المفقودات السودانية، بل ظل المجلس يكتفي بإصدار قرار البيع ثم يكلف لجنة عبد الرحمن نور الدين - المسماة بلجنة التخلص من المرافق الحكومية - بتلك التفاصيل (المصارف وأشياء أخرى نماذجا)، وأحيانا يصدر المجلس قرار البيع ثم يكلف فئة ما - من البدريين طبعا - بالتصرف كما تشاء( سودانير وآخريات نماذجا)..!! ** ومن وحي محتوى قرار التخلص من مستشفى العيون، كنت أحسب بأن المواطن وحده هو من فقد الثقة في أجهزة وشخوص الدولة عند عمليات بيع المؤسسات والأراضي العامة، ولكن محتوى هذا القرار يشير - تلميحا - بأن مجلس الوزراء أيضا، كما المواطن، متوجس من نوايا تلك الأجهزة والشخوص وتجاربها الفاشلة التي أفقدتنا الكثير من المرافق والأراضي بلا عائد يذكر، وكذلك كبدتنا الكثير من الخسائر عند الإسترجاع .. وربما لذلك، أي لعدم توفر الثقة، جاء قرار بيع المستشفى مصطحبا حزم شروط البيع بكل توجساتها، ومنها الشفافية والمنافسة وكيفية الإستفادة من عائد البيع..وعليه ، ثمة حقائق يجب تثبيتها عند تناول موضوع مستشفى العيون، منها أن هناك قرار وزاري - في مرحلة التنفيذ - بإخلاء شارع النيل من كل الوزارات والمرافق العامة - بما فيها القصر الرئاسي - حسب الخارطة الهندسية الجديدة لولاية الخرطوم، علما بأن هناك وزارات نفذت القرار، منها العدل و التربية والتعليم الولائية، وهناك وزارات ومرافق أخرى في مرحلة التنفيذ، بل حتى القصر الرئاسي قاب قوسين أو أدنى من أن يصبح متحفا بعد إكتمال مباني القصر البعيدة عن النيل ولا واجهتها تطل عليه..وكان - ولايزال - أمرا مزعجا للناس بأن يتنعم الوزراء فقط بالنيل في العاصمة وكأنهم شعراء، بيد أن الفنادق والحدائق تنشأ في الفيافي كما السجون..فالخارطة الهندسية - بل طبيعة الأشياء- مختلة في جغرافية العاصمة وتوزيع مرافقها وفنادقها وحدائقها ومشافيها، ولذلك رحيل جميع السادة - بقصورهم ووزاراتهم ومرافقهم - من شاطئ النيل كان ولايزال بعض الحلم الشعبي..وعليه،هذا القرار - إخلاء شارع النيل، بحيث يصبح النيل متنفسا ومتاحا للناس في إطار الخارطة الهندسية الجديدة لولاية الخرطوم - يضعف إحتمال بقاء مستشفى العيون في مكانه الحالي، بل سيرحل عاجلا أو آجلا ..!! ** ثم الحقيقة المرة - التي لامفر منها - هي أن الوضع الإقتصادي الراهن لا يشجع وزارة المالية على بناء مركز صحي - ناهيك عن مستشفى عيون - بأي ولاية من ولايات السودان، فالوضع الإقتصادي بائس جدا (والله يجازي اللي كانوا السبب)، والكل يعرفهم .. ثم ليس من العدل أن تحظى الخرطوم والجزيرة فقط بمشافي عيون في ظل إحصائيات عالمية ومحلية تشير بأن هناك الكثير من ولايات السودان - غير الخرطوم والجزيرة - أصبحت بؤرا لأمراض العيون التي تؤدي إلى العمى، وخاصة النيل الأزرق (عمى الأنهار، التراكوما ) والقضارف (عمى الأنهار) ونهر النيل ( عمى الأنهار)، وجنوب دارفور (عمى الأنهار والمياه البيضاء)، وشمال وغرب دارفور ( التراكوما)، وولاية كسلا ( المياه البيضاء)، وغرب درافور ( المياه البيضاء)، والشمالية (التراكوما)، حسب إحصائيات مركز كارتر والبرنامج القومي لمكافحة العمى، والأرقام المزعجة متاحة - بموقعي هذا وذاك - لمن يشاء من القراء الأفاضل أو لمن يهمهم الأمر - إن وجد - من ولاة الأمر ..علما بأن مركز كارتر - الذي يلعب دورا كبيرا في مكافحة التراكوما وعمى الأنهار منذ عقد ونصفه - خاطب وزارة الصحة قبل شهرين مطالبا الحكومة بأن تلتزم بدفع مستحقاتها - 25% - في مكافحة تلك الأمراض، وهددها بالتوقف عن المكافحة في حال عدم إلتزام الحكومة، علما بأن الحكومة لم تلتزم طوال سنوات المكافحة السابقة - 15 سنة - بمستحقاتها، لقد ظل يتحملها مركز كارتر، ولكن (نفذ صبره) أمام (ثقالة دم) وزارة المالية..هذا بعض الواقع المرير بالولايات والمركز، وبيع مستشفى العيون مراد به - حسب نص القرار وشروطه - تحسين هذا الواقع..ولكن هل كل خواتيم مشاريع البيع السابقة في بلادي تحقق غايات المواطنين؟..للأسف (لا)، هي تحقق فقط غايات (الفئة البدرية) التي تبيع وتشتري وتحتكر كما تشاء بلارقابة أو محاسبة، وعليه يصبح التوجس في بيع كهذا مشروع ، ولذلك يتواصل الحديث ..!! ............... نقلا عن السوداني