[email protected] لم يكن فوز حزب النهضة في تونس معجزة من المعجزات أو جاء بعصا سحرية رغم أن هذا الحزب كان محظورا لا يمارس أي نشاط ولم يكن له المؤسسات والأتباع إلا سرا منذ عشرات السنين. رغم ذلك رأيناه حصد الأصوات الكثيرة التي أهلته للفوز ولم يكن له أن يظهر نفسه علنا في تونس إلا بضعة أشهر بعد هرب الرئيس السابق فما هي مؤشرات فوزه وحصده هذا الكم من الأصوات رغم غيابه عن الساحة التونسية ردحا من الزمن ؟ الشيء الوحيد الذي جعل حزب النهضة في مقدمة الأحزاب التونسية هو أن هذا الحزب يعلن شعار الإسلام , فهو حزب إسلامي له بجماعة الإخوان المسلمين العالمية صلة ومرشده \"راشد الغنوشي\" من كبار المفكرين الإسلاميين, والشعب التونسي مثله كمثل باقي الشعوب العربية والإسلامية غالبيته مسلم والتدين عنده بالفطرة فلا تعقيد في الفكر ولا تعدد في الديانات فكان من الطبيعي فوزه وبهذه النسبة في زمن أفلست فيه المبادئ والأفكار والنظريات الأخرى , فما عادت تجدي الاشتراكية ، ولا تلبي رغبات الشعب العلمانية ، وما أفلحت الشيوعية حتى في ،منبتها والقومية العربية لم تكن تروي غليل الشعب المتعطش للحرية والإصلاح، فليس ثمة شيء يملأ هذا الفراغ عند الشعب إلا دينه ....... إلا الإسلام, ومبادئ هذا الدين موجودة عند جميع الناس, المثقف, و العالم والجاهل والحضري والريفي ........ جميعهم على حد سواء. فهذا التدين كان بمثابة التأطير والدعاية والدعوة لحزب النهضة, أضف إليه إفلاس النظريات والدعوات الأخرى ولم يبق إلا الإسلام وهو الوحيد الذي يتمشى مع جميع أفراد الشعب وهو الذي لم يجربه الشعب من قبل ولم يتعرف على دعاته وأنصاره لغيابه الطويل عن الساحة... أذا لم يبق إلا الإسلام نظرية ومبدأ وفكر يملا هذا الفراغ هذا الشعب ، ولم يوجد إلا الدعاة إليه .... وهم حزب النهضة ، وبهذا فاز في الانتخابات. إن فوز حزب النهضة وتوليه مقاليد الأمور في الساحة التونسية فيما بعد إن شاء الله ليس بالأمر الهين والبسيط ، فأول شي يحتاجه \" إثبات الذات \" واقتناع الناس بأنه الأفضل ، فإثبات الذات ليس امرأ سهلا في ظل وجود منافسين كثر من الداخل لا يروق لهم أن يتبوأ الإسلام هذه المكانة ، وفي الخارج إجماع الشرق والغرب على إقصاءه وإعادة تاريخه المجيد الذي فيه مكمن الخطورة بالنسبة لهم ، فليس عندهم إلا مكر الليل والنهار لإفشال هذا المشروع عن طريق الإقصاء أو التفريغ من المضمون ..... أو بأي شي أخر . ولعل الشي الأهم لإثبات الذات وإقناع الناس هو كون الدعاة والأنصار على قدر المسؤولية الملقاة على الكاهل ، فالدين ليس كلاما يقال في الاذعات أو يكتب في الصحف او خطب تلقى على المنابر ، ولا طقوس ولا شعائر تودي في المساجد ، ولا احتفالات ومظاهر..... ولا .. ولا ... بل هو تطبيق عملي على ارض الواقع ، يحتاج لبذل الجهد والتضحيات ت الجسام وأولها الاقتناع الكامل بالفكرة والزهد في الدنيا وزخارفها والتقلل منها قدر المستطاع ، والعمل الدوؤب والاستعداد التام لمواجهة التحديات . ولو رجعنا للتاريخ...... إلى بني اسرئيل بعد أن نصرهم الله عز وجل على فرعون وأبدلهم بعد خوفهم أمنا وأورثهم مشارق الأرض ومغاربها .... لم يفلحوا في بداية الأمر في إثبات الذات فأول شي لم يكن عندهم الإيمان الكامل بالفكرة فما كادت نجف أقدامهم من الماء بعد النجاة من فرعون حتى رأوا أناسا يعبدون أصناما لهم فسريعا قالوا لموسى \" اجعل لنا إلها كما لهم إلهة \"، وعبدوا العجل، وقالوا أرنا الله جهرة ........ ولم يكن عندهم الزهد في الدنيا والتقلل من متاعها حيث قالوا لموسى .. \" لن نصبر على طعام واحد .......\" ولم يكن عندهم التضحية الكافية حتى يرثوا الأرض ويقودا الأمم فلقد قالوا لموسى عندما دعاهم لدخول الأرض المقدسة التي كتبها الله لهم : \"اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون \" وما ذلك إلا لطغيان الجبن والخور عندهم الذي هو بمثابة عدم الاستعداد لتقديم التضحيات من اجل التمكين . كان هذا حالهم بعد عيشهم سنين من الظلم والظلام زمن فرعون ، وأراد الله عز وجل أن يرفع عنهم الأغلال ويريهم النور بعد الظلام .... لكنهم لم يكونوا مؤهلين لذلك رغم أن الذي كان يقودهم نبي ومن أولي العزم من الرسل .... فكانت النتيجة أن كتب الله عليهم التيه وحرم عليهم الأرض أربعين سنة . فهل الإسلاميين مؤهلين للتمكين ........... أم لمًا بعد ؟