[email protected] لم يكن للقرية من حديث صباح ذاك اليوم الشاتي سوى ما يمكن أن يكون قد شاهده الصبية الثلاثة في خرابة التكروني.. لم يقل أي من الثلاثة هؤلاء شيئاً يشبع فضول أهل القرية.. كل الذي قالوه أنّهم كانوا عائدين من حلة فوق تصطك أسنانهم من شدة البرد.. وحين مرّوا بجوار الخرابة التقطت أسماعهم (شيئاً) خلاف الذي تصدره أسنانهم من أصوات.. شيئاً أشبه بالحشرجة.. ولم يجرؤ أحد منهم بادئ الأمر على الاقتراب من الخرابة لما يثار حولها من أقاويل لا علاقة لها بمنطق الأشياء.. وآخر الأقاويل هذه ما نُسب إلى حليمة المجنونة قبل نحو شهر مضى.. ورغم أنّ حليمة لم تقل شيئاً خلال رؤية البعض لها وهي تهرول من جهة الخرابة سوى عبارة (الليلة وووب.. الليلة وووب) إلا أنّ كثيراً من أهل القرية قالوا إنّها قالت كل شيء.. وفي اليوم الثاني أُخذت حليمة إلى شفخانة القرية بعد أن شوهدت الدماء تسيل على فخذيها وهي تتجول داخل السوق تجمع من الجزارين كعادتها الشحم لتصنع منه (الربيت).. لم يجرؤ أحد من الصبية الثلاثة كما ذكرنا على الاقتراب من الخرابة لحظة تناهي الحشرجة المكتومة إلى أسماعهم إلا أنّهم بعد ذلك فعلوا.. فعلوا بعد أن بدت لهم الأصوات المنبعثة من الخراب مألوفة وفقاً لمنطق الأشياء.. مخيفة نعم، ولكنها مألوفة.. وما أن ألقى ثلاثتهم نظرة خاطفة داخل الخرابة من إحدى نوافذها المترَّمة بفعل التقادم حتى أطلقوا سيقانهم للريح نحو القرية وهم يلهثون.. وبعد أن سكت عنهم (الانفعال) تعاهدوا قبل أن يتوجه كل منهم نحو داره على أن يسكتوا.. ولكنهم لم يسكتوا إلا عن الذي أثار فضول أهل القرية ذاك الصباح.. ثم الصباحات التي تلته.. فما أن يوشك أحدهم على أن يحكي ما رآه داخل الخرابة قبل أن تطبق عتمة ذلك المساء بقبضتها على القرية حتى يلّوح بسبابة مرتجفة يمنة ويسرى وهو يدمدم :( لا، لا،لا).. ثم جاء صباح لم تتحدث فيه القرية عما يمكن أن يكون قد شاهده الصبية الثلاثة داخل الخرابة.. لم تتحدث حتى بحديث خفّت وتيرته مع الأيام.. بل تحدثت القرية عن شيء أكثر إثارة للحيرة.. فقد وجد الثلاثة جثثا هامدة تحت دومة المقابر.. والثلاثة على أعناقهم آثار خنق بفعل يدين غليظتين.. أمّا العيون فقد كانت جاحظةً وقد تجمّد الرعب مع مائها المنطفئ.. وبدأ مشوار البحث عن الجاني،أو الجناة.. وطفقت حليمة المجنونة تردد ولولتها القديمة يوم أن شوهدت وهي تهرول من جهة الخرابة :( الليلة وووب، الليلة وووب).. وبعد أيام كانت القرية تشيّع حليمة ولما تيبس بعد (جرائد) النخل المغروسة في حواف قبور الصبية الثلاثة.. وقُيَّدت القضيتان ضد (مجهول).. ومات (السر)الكبير - أو المخيف - بموت أصحابه.. أما الخرابة نفسها فقد سّويت بالأرض رغم اعتراض لم يدر له أهل القرية سببا من جانب شخص واحد فقط من بينهم .. و الشخص هذا كان هو صاحب (المواعظ!!!!!)المشهور .