توسدت شمس ذلك اليوم منتصف السماء.. وبدت كملكة تراقب رعاياها في تلك القرية الصغيرة التي هدت قواها جحافل فيضانات النيل.. التي كانت تزورها باستمرار وتطرق جدرانها في زيارة غير ودودة. العم «بهانس» حكيم تلك القرية التي يطلق عليها اهاليها «تبرية» تشبيهاً لها بالذهب.. كان غارقاً في تفكير عميق حتى انه لم يلحظ ذلك الشاب رث الثياب الذي وقف امامه مطاطئاً رأسه في بلاهة.. دقائق معدودة مرت لم يلبث بعدها ان رفع الحكيم «بهانس» عينيه الى الشاب قائلاً في صوت عميق ارتعشت له اوصال «تمبو» وهو اسم ذلك الشاب: ماذا تريد؟ مارس «تمبو» في تلك الاثناء هوايته المحببة في فرك رأسه المتسخ قبل ان يقول بتلعثم واضح: «هناك موجة قادمة..» اعاد الحكيم عينيه المحمرتين الى تلك النقطة التي اقتلعهما منها.. قبل ان يصنع ابتسامة هادئة على شفتيه ويقول: «لن تأتي موجة قبل ثلاثة اشهر.. اطمئن». مط «تمبو» شفتيه في ضيق.. وكأنه احس بالحكيم يستخف به.. فقال بصوت عال منحته تلك الحشرجة التي ولد بها ابعاداً من الصدق: « أقسم انها قادمة.. وستقضي علينا». ادار الحكيم رأسه في ضيق باتجاه ذلك الرجل الذي كان منشغلاً بربط دابته الوحيدة على وتد تلك الخيمة.. وناداه في لهجة آمرة: « اوتيوس.. تعال الى هنا». ترك «اوتيوس» الحبل.. وهرع الى الحكيم قبل ان يقبل يده في احترام ويسأله: « بما تأمرني»؟. اشار الحكيم «بهانس» الى «تمبو» قائلاً: «تمبو يقول ان هناك موجة فيضان قادمة». اتسعت ابتسامة «اوتيوس» قبل ان يجيب: «سيدي.. انت تعلم انه مجنون.. و.. «لست مجنوناً.. لست مجنوناً». اطلقها «تمبو» في غضب وهو يتكوم في ذلك الركن وعينياه تدوران في المكان بجزع. ليعقد «اوتيوس» حاجبيه في غضب وكأنه سئم تراهات ذلك المجنون الذي يعتقد ان قريته ابتليت به.. في حين هز الحكيم رأسه علامة التعجب قبل ان يسأله: «من اخبرك بهذا؟؟» فرك «تمبو» رأسه في عصبية وقال: «ناتاهارا..» اطلق «أتيوس» ضحكة عالية في حين بقيت ملامح الحكيم كما هي عليه.. وهو يستمع لذلك الاسم ف«ناتاهارا» هي عشيقة «تمبو» التي اختطفتها تلك الموجة الكبيرة.. وجعلته يفقد عقله. دقائق أخرى مرت.. ساد بعدها صمت رهيب على المكان لم تقطعه إلا خطوات «تمبو» وهو يهرول خارجاً.. في حين همس الحكيم ل«اوتيوس» في هدوء: «هل تظن انه صادق؟؟». اشاح «اوتيوس» بيده في عصبية قائلاً: «احترامي أيها الحكيم. فهذا الرجل مصاب بمس شيطاني». هز الحيكم رأسه علامة الايجاب بالرغم من ان شيئاً ما في عقله الباطن كان يتنازعه في قوة و«انه الطوفاااااااان» صرخة شفت سكون تلك الليلة.. وشقت معها امواج الهلاك طريقها لقلب القرية.. لتبتلع كل ما في وجهها بلا هوادة.. الخيام.. والاجساد.. وحتى الاحلام. ضاعت وسط الامواج.. في حين بقى «تمبو» يراقب ما يحدث من اعلى تلك الصخرة.. وهو يمارس هوايته المحببة في فرك رأسه.. في حين جلست بجانبه تلك الفتاة التي يعرفها كل اهالي تلك القرية..والتي يطلقون عليها اسم «ناتاهارا».