مشهد الدراويش الزاهدين في الحياة الذين لا يحلمون بامتطاء عربيات الهامر والبرادو وبقية الرفاهيات الأخرى من السمات البارزة والمشتركة في الكثير من القرى في السودان ، حيث تجد هؤلاء اقصد الدراويش يعيشون حياة التوحد في الخرائب وردهات الاسواق والبعض منهم ( يساسق) من قرية الى اخرى ، من اغرب الأشياء ان معظم الأهالي يعتقدون ان أمثال هؤلاء لهم كرامات ويقومون بأشياء خارقة وخارجة عن المألوف ، وعلى ذكر الدراويش تحضرني هنا حكايات درويش من قريتنا كان لا يحادث أحدا ودائما تجده يمشي بجوار الحيطان في الليالي المظلمة ، كما كان الدرويش يرتاد شاطئ النيل في أنصاف الليالي ليسبح و(يبلبط) عريان ملط دون ان تهاجمه التماسيح ، وكان البعض يتحدث بانبهار ان صاحبنا الدرويش يتسلق أطول نخلة في القرية بسرعة فائقة ، اسمعوني الرجل الدرويش كان يقطع المسافة بين قريتنا وبلدة الخندق في الناحية الشمالية بصورة شبه يومية ، حيث كنت تجده يوما هنا ويومان هناك ، الغريب ان بعض أصحاب العربات كانوا يبالغون في خوارق هذا الرجل العجيب ويؤكدون ان له القدرة على الطيران وكثيرا ما يسبقهم أقصد يسبق السيارة حتى وان كانت تسير بسرعة أطواف عربات الفورملا ، طبعا كل هذه أوهام خلقتها الطبيعة الغامضة للرجل الذي كان حسب العارفين بطبيعته يشم رائحة المناسبات والعزائم من عدة كيلومترات وتجده يحضرها ويجلس بعيدا متلفعا بثوبه فيما كان بعض الصبية العفاريت يحاولون ممازحته واستفزازه ليغني لهم أغنية (جدادة العرضي ) ،وفي حينها اذكر ان الرجل كان يستفيق من تهويماته ويبدأ ينشد بصوته المشروخ : يا جدادة العرضي قدمينا وصدي الرجال طردونا شربوا الشاي احمونا وكسروا الكسرونه رغم عدم تصديقي للخرافات والأشياء الخارقة التي يقول البعض ان أصحابنا الدراويش يقومون بها الا ان مشهد درويش قريتنا اطل في ذاكرتي المجهدة ونحن نعيش في ماراثون حراك الانتخابات بكل ما فيها من جدل وشد وجذب ، عموما لان الأمور وصلت بنا إلى حد التراشق والاتهامات بين قادة الأحزاب وناس المؤتمر الوطني ومحاولة كل حزب إخراج ( الكدايس الفطسة ) في الحزب الآخر فان الأمور تتطلب منا وقفة واخذ نفس طويل ، نعم نفس طويل والبحث عن سودانيين خارقين ، رجال ونساء من اجل لملمة اللحمة السودانية المشتتة ، فالخوف كل الخوف ان تظهر خلال صاحبتنا الانتخابات مصائب ما انزل الله بها من سلطان ، إذن نحن في حاجة ماسة إلى ناس دراويش لا يهشون ولا ينشون أو ناس سوبر لهم كاريزما وقوة خارجة عن المألوف لتخليص السودان من مآسيه المتلتلة ، طبعا لن أقول من ( محنته ) ، لان المحنة يا جماعة الخير كلمة خارجة عن المألوف في سياق الخطاب العامي لبعض الأخوة العرب .