حديث المدينة المذبحة!! عثمان ميرغني يعتصرني الألم.. إنني مضطر لكتابة هذه السطور.. في الوقت الذي وصل فيه إلى البلاد عشرات رجال الأعمال من الشقيقة دولة قطر للمشاركة في ملتقى الاستثمار السوداني القطري \"الثاني\".. وأقول مضطراً.. لأن الحقيقة وحدها في النهاية هي التي يمكن أن تجمل وجه الاستثمار في بلادي.. والفجيعة دائماً في تجميل الصور في المؤتمرات ثم يصطدم المستثمرون بعد ذلك بالواقع المر الأليم الذي يكابده الاستثمار.. تحت سمع وبصر الحكومة نفسها.. نهار أمس الأول الخميس.. ظل حوالي (8) من مديري المصانع في المنطقة الصناعية بالباقير قيد الإجراءات البوليسية.. صدرت في حق المصانع في المنطقة الصناعية أوامر بالقبض.. لعدم سداد العوائد المحلية.. وفي الحال هرعت \"كتائب القذافي\" تهاجم المصانع وتلقي القبض على من فيها.. لا يشترط أن يكون صاحب المصنع أو مديره.. المهم أي رهينة والسلام.. هل تصدقوا حجم المبالغ المطلوبة من هذه المصانع.. سأضع أمامكم مثالاً واحداً منها.. مصنع كانت العوائد المطلوبة منه في العام 2010 في حدود (10) ملايين جنيه. أتعلمون كم بلغت الزيادة في العام الحالي.. مطلوب منه (400) مليون جنيه تقريباً.. أي زيادة أكثر من 4000%.. أكرر أربعة آلاف في المائة.. وكأني بهذه المصانع تحولت إلى بيع الأفيون.. فهي السلعة الوحيدة في العالم التي يجوز في حقها هذه القفزة الهائلة في العوائد. المصانع ظلت تصرخ منذ شهور من هول هذا الإجراء التعسفي.. لكن لا حياة لمن تنادي.. وطبعاً النتيجة ستكون واضحة للعيان.. انهيار كامل في الصناعة.. ستغلق المصانع أبوابها إن لم يكن اليوم فغداً.. أكثر من عشرة آلاف عامل سيفقدون وظائفهم.. وسيركب رجال الأعمال السودانيين الطائرة الإثيوبية إلى بلاد أخرى الاستثمار فيها محفوف بكل التجلة والتقدير..ولا يتعرض لمثل هذه المهانة والنهب الحكومي الرسمي الصريح. أما موظفو الحكومة الذين يشرعون مثل هذه الجبايات القاصمة للظهر.. فهم آمنون في مكاتبهم، سيقبضون الحوافز وتنهمر عليهم أموال الجبايات.. ولا عزاء للبلاد وشعبها في ما تفقده من فرص عمل واستثمار وطرد للمستثمرين الأجانب.. عقلية شعارها (أنا.. والطوفان من بعدي).. مصالح تقاس بأقصر نظر لتملأ جيوب العاملين عليها ثم.. الباقي في (60).. وأمس حملت بعض الصحف تصريحات للدكتور مصطفى عثمان إسماعيل اتهم فيها بعض المصالح الحكومية بأنها تتشدد لتحقيق مصالح (شخصية) وذكر منها الضرائب والجمارك.. وهو اكتشاف متأخر جداً للمشرف على الاستثمار في البلاد.. فالواقع أن الوضع أكثر سوءاً مما ذكر.. لأن الاستثمار تحول إلى (استثمار) حكومي في المستثمرين.. ينتهي دائماً إلى فواجع وقصص تراجيدية يحكيها المستثمرون. بعض المستثمرين الأجانب قالوا لي إن سفارات بلادهم في الخرطوم باتت تنصحهم بالمغادرة فوراً والهروب من بلاد لا تقدر الاستثمار والمستثمرين.. بل أن قنصل بلد عربي قال لبعض المستثمرين من بلادهم عند وصولهم الخرطوم. (انتظروا قليلاً ريثما أتمكن من الإفراج عن إخوانكم في السجون السودانية).. البروفسير الزبير بشير طه والي الجزيرة.. أنقذوا المنطقة الصناعية في الباقير من مذبحة الاستثمار التي تتعرض لها.. الأمر في يدكم. التيار