تصاعد الحركة الجماهيرية .. العافية درجات (2/2) محمد صادق العوض الحركة الجماهيرية هي المجموعات البشرية المنظمة والغير منظمة التي تعبر عن أرأيها بالأشكال الديمقراطية ( مظاهرات ، اعتصامات ، مواكب .. الخ ) ، وبالتالي يكون تأثيرها فاعل علي الأنظمة الحاكمة ديمقراطية كانت أم ديكتاتورية . ففي ظل الأنظمة الديمقراطية يسهل تجميع الحركة الجماهيرية وتنظميها ومخاطبتها وتحريكها من أجل مناهضة القرارات والسياسات وبالتالي يحسب لها ألف حساب قبل وبعد إصدار القرارات التي لها علاقة بها ، واقرب مثال انتفاضة السكر في الديمقراطية الثانية التي أجبرت حكومة السيد الصادق المهدي لإلغاء الزيادة التي تمت في سلعة السكر . وفي ظل الأنظمة الديكتاتورية تسن لها القوانين والإجراءات التي تصعب من تجميعها وتنظيمها ومخاطبتها وتحريكها . فالحركة الجماهيرية في ظل الأنظمة الديكتاتورية تتأثر بكثير من العوامل التي تصعب من التنبؤ بحركتها صعودا وهبوطا ، فنجد انحسارا لها يعقبه تصاعد ثم هدوء حذر يعقبه تصاعد دون الانتقال لمرحلة النهوض الجماهيري الذي يصل قمته بالانتفاضة التي تغير الأنظمة الحاكمة . استخدام الوسائل العسكرية في الحياة السياسية السودانية متجزر وله أسبابه التي جعلته أحد الوسائل المستخدمة لتغيير الأنظمة ، فإذا أردنا له الخروج النهائي فلابد أن يكون البديل الوسائل الديمقراطية الحقيقية ، التي لتجويدها لابد من ممارستها ، فهي كتعلم ركوب الدراجة التي يصاحبها الكثير من الوقوع والجروح ، ولا يمكن أن تتعلم ركوب الدراجة وأنت تمتطي حمار وتكثر من التبديل . واستخدام الوسائل الديمقراطية من قبل الجماهير يتطلب من النظام الحاكم أن يتمتع بالروح الديمقراطية ويتقبل احتجاجاتهم من دون أزوجية فإذا أخرجت الجماهير لغرض يتماشي معها تركتهم وحمتهم ، وإذا خرجوا ساخطين ضد سياساتها تصدت لهم الأجهزة الأمنية وضربتهم بقسوة وفرقتهم واعتقلت البعض منهم . فلابد من إقناع من يحمل السلاح عمليا بإمكانية التغيير من دون اللجوء للعنف . ويجب أن تبتعد قيادة النظام الحاكم عن العنف اللفظي في مواجهة المواطنين حتى وان كانوا معارضين لها ، فلا توجد دولة في العالم قيادتها تسب وتنعت مواطنيها بألفاظ نابية غير النظام السوداني ، فهو رحيم رءوف علي مواطني وحكومات الدول الأجنبية ، يجدون منه كل تقدير واحترام ، بينما مواطنيه المعارضين يعتبرهم أعداء يجب سحقهم ، وبالتالي يدفع بعضهم لحمل السلاح حيث يعتبرونها اللغة الوحيدة التي يفهمها النظام الحاكم . نيفاشا وأثرها الايجابي علي حركة الجماهير :- استفادت الحركة الجماهيرية من هامش الحريات التي أتاحتها الاتفاقية ، ووصلت الاستفادة ذروتها عند وصول الاتفاقية لا ستحقاق الانتخابات التي أتاحت للقوي السياسية مخاطبة الجماهير ، وعرض برامجها لها ، عبر جميع مراحل العملية الانتخابية ، وفي نفس الوقت أتاحت للمواطنين الاستماع لأول مرة للوعود الانتخابية من الحزب الحاكم الذي كان سخيا في وعوده . انتهت الانتخابات بفوز ساحق للمؤتمر الوطني لم يشهد له الوطن مثيل في جميع فتراته الديمقراطية ، ولكن النتائج شابهت نتائج الأنظمة الدكتاتورية التي مرت علي الوطن ، وشككت القوي المعارضة علي صحتها مستندة علي ضبطها لكثير من الخروقات والتجاوزات ،كان أشهرها ما عرف بخج الصناديق الذي حدث في الشرق وتم تصويره وشاهده العالم أجمع . واكبر دليل علي عدم صحة نتائج الانتخابات هي أن جميع مقاعد التمثيل النسبي فاز بها المؤتمر الوطني ومن المعلوم أن الدول تسعي لدمج التمثيل النسبي مع الحر حتى تكون برلماناتها ممثلة لجميع أحزابها الصغيرة والكبيرة منها ، وبالتالي يصبح البرلمان معبر عن جميع قوي المعارضة ، ولكن الذي حدث خلي البرلمان حتى من الأحزاب الكبيرة ، وبالتالي أصبح بوق للحكومة ، ولم يعد للمعارضة من خيار سوي الشارع . والادهي بعد ثمانية أشهر فقط من الانتخابات ، ومن دون خجل أصبح الحزب الحاكم يستجدي الأحزاب التي أسقطها في الانتخابات ، (وسخر منها واعتبرها فاقدة للسند الجماهيري) لمشاركته في السلطة !!! . والمواطنين الذين كانوا في انتظار المؤتمر الوطني أن يفي بعهوده الانتخابية لم يفعل ، بل زاد عليها بعدم محافظته علي وحدة السودان ، وادخل الوطن في أزمة اقتصادية خانقة مظهرها ضائقة معيشية مستحكمة ومتصاعدة تواجه الجماهير ، وتجددت الصراعات المسلحة مع الهامش وما افرزه من مخاطر مزيد من التفتت ...الخ . وبالتالي وصل كثير من المواطنين لقناعة تامة بأن السكوت يغري النظام في مواصلة تنفيذ مزيد من السياسات المعادية لمصالحهم ، وبدأت احتجاجاتهم وأصواتهم ترتفع . تصاعد الحركة الجماهيرية نماذج :- في يوم 8 أغسطس المنصرم أغلق أهالي قرية ودالترابي طريق الخرطوم – مدني وأضرموا النيران في الإطارات احتجاجا علي انقطاع التيار الكهربائي ، في الساعات الأولي من صباح اليوم التالي عادت خدمات الكهرباء للقرية . في يوم 26 سبتمبر الماضي تظاهر سكان حي بري بالخرطوم محتجين علي الزيادة في أسعار السلع . وفي الأول من أكتوبر تجمهر أهالي منطقة كيلك بالقطاع الغربي لولاية جنوب كردفان مطالبين بالعدالة في تقسيم عائدات النفط المستخرج من المنطقة وتوظيف شباب المنطقة في الشركات العاملة في النفط . وفي نفس اليوم تظاهرات ببابنوسة احتجاجا علي تذبذب الكهرباء . وفي التاسع من أكتوبر المسرحون بجنوب دارفور من القوات المسلحة والدفاع الشعبي والحركات المسلحة الموقعة علي سلام دارفور يتظاهرون أمام مفوضية الدمج والتسريح مطالبين بمستحقاتهم التي ظلت عالقة أكثر من سنتين . وفي الحادي عشر من أكتوبر اندلعت مظاهرات بسبب ندرة وسائل المواصلات في موقف جاكسون وإستاد الخرطوم مع مظاهرات شبابية في أمدرمان . وفي نفس اليوم اندلعت احتجاجات بالقولد تطالب بإقالة المعتمد والوالي قام بها المتأثرين بنزع أراضي غرب القولد . في الثاني عشر من أكتوبر احتجاجات من مواطنين ببوردسودان لإزالة منازلهم بالحي العشوائي بمربع سبعة القادسية . وفي نفس اليوم مظاهرات بالقضارف احتجاجا علي مصرع أربعة فتيات بعد مطاردة من مفتشي الغابات . وفي يوم السادس عشر من أكتوبر مظاهرات بالعبيدية تطالب بنصيب المنطقة من عائدات الجمارك والرسوم المفروضة علي المنقبين علي الذهب بالمنطقة . وفي الرابع والعشرين من أكتوبر طلاب جامعة كسلا يتظاهرون من أجل تغيير اللوائح الجامعية والغلاء . وفي يوم الخامس والعشرين من أكتوبر تظاهر مواطني كسلا تضامنا مع طلاب جامعة كسلا . و في نفس اليوم تظاهر مجموعة من الباعة المتجولين بمنطقة السوق العربي احتجاجا علي الرسوم التي فرضتها عليهم المحلية . وفي يوم سبعة وعشرين من أكتوبر تظاهر طلاب كلية الزراعة بشمبات احتجاجا علي تردي الخدمات في الكلية . وفي يوم الثامن والعشرين من أكتوبر الحجاج يتظاهرون ويغلقون شارع المطار احتجاجا علي تأخر تسفيرهم للأراضي المقدسة . وفي يوم الثلاثين من أكتوبر تظاهر طلاب جامعة كسلا مرة أخري بسبب الغلاء . وفي نفس اليوم تظاهر الطلاب بسنار تضامنا مع المعتقل حامد هاشم . وفي الرابع من ديسمبر مئات من المواطنين الغاضبين يغلقون جسر (الإنقاذ) احتجاجا علي انعدام المواصلات . وفي نفس اليوم تظاهر طلاب مجمع داخليات مصعب بن عمير بالكلاكلة احتجاجا علي تدني مستوي الخدمات بالمجمع . ونختم النماذج باعتصام المناصير الذي مازال مستمرا بمدينة الدامر والذي يعتبر علامة بارزة تحكي عن الإمكانيات التي تختزنها الجماهير وتخرجها عند الحاجة لانتزاع حقوقها . المارد يستيقظ ويسبب الهلع للنظام :- الرفض والمقاومة لسياسات النظام التي انتهجتها الجماهير مؤخرا ، استفادت منها هي في المقام الأول ، فالنظام أصبح يتحسس مقاعده قبل إصدار أي قرارات تمس معيشة المواطنين ، والجميع يعايش حالة الهلع التي أصابته من زيادة أسعار البنزين المقترحة في ميزانية2012م وهذا مهم جدا فنظام الرأسمالية الطفيلية ظل ينفذ سياساته المعادية لمصالح الأغلبية من الجماهير دون اعتراضات تذكر منها . وليكن شعارنا القادم لا لتمرير أي قرارات ضد مصالح الجماهير من دون إبداء الجماهير لرائها فيه عن طريق المظاهرات . حتى نحجم السلطة ونربك سياساتها ومن ثم يتم إسقاطها . الميدان