[email protected] اولا قطع شك ليست غلطة املائية أوانا كنت أريد كلمة بالمناسبة كما هو مألوف وأخطأت في حرف السين .. ولا اقصد بها تبادل المناصب الوزارية الذي تتحفنا به الحكومة كلما اعلنت عن تغييرا وزاريا جديدا فيتضح انه فلان من الداخلية سيتحول للخارجية وعلان من البترول للمالية وهكذا .. وكما لا اقصد به موجة النصب والتحايل على المال العام وتبادل فرص النصب على وزن حبيبي انصب لي وانا انصب ليك مع الاعتذار للكاشف . انما المناصبة هي صيغة تعاقد شرعية تحدد العلاقة بين صاحب الارض وراس المال والمزارع بصورة تحفظ الحق للجميع .. قد يكون هنالك رجل ثري يمتلك الارض ورأس المال لكنه غير قادر جسديا وحتى ذهنيا على فلاحة الارض فيضطر أن يستعين بفلاحين ترابلة يزروعون ويحصدون وكل واحد يأخذ المحصول حسب نصيبه من الاسهام ..كما توجد صيغ اخرى كالمزارعة والمساقاة ..كمثال واحد يمتلك الارض فقط وليس لديه رأس المال او آخر يمتلك مصدر الماء فقط ولكن ليس لديه ارض .. ولكن كلها تتفق في شئ واحد يجب ان تكون مرتبطة بفترة محددة قد تكون دورة زراعية واحدة .. قام مشروع الجزيرة على مبدأ اشبه بالمناصبة بحيث انه الدولة توفر الارض والماء والتقاوي والسماد للمزارعين .. اضافة الى المعلومات والارشاد الزراعي والتفتيش الدوري في نظام دقيق مخطط بعناية .. ليتطور المشروع بعد ذلك اجتماعيا قبل ان يكون اقتصاديا ليصبح هو اسلوب للحياة اكثر من مجرد مشروع عملاق .ونظام ديمقرافي كاد يكون دولة داخل دولة.ويتخطى مرحلة المناصبة .. مشروع الجزيرة بمساحته يفوق كثير من الدول الافريقية حجما بل حتى اقتصاديا .. ونظام ري مدهش ساحر .. تخيل لو وضعت قطعة خشبية في الترعة الرئيسية الخارجة من بحيرة خزان سنار ممكن تستقبلها بحواشة في المسعودية او الكاملين قرب الخرطوم .. اي بعد مسافة قد تصل لالف كيلومتر .. هذا النظام المدهش والذي يجعل هذه المساحة العملاقة ان تكون كلها مروية في ذات الوقت وفي ذات الموسم لتنتج نفس المحاصيل وبنفس الجودة . كما كان يخضع لنظام صيانة دقيق جدا من خبرات هندسية توراثت هذا العمل منذ الاستعمار الانجليزي .... بحيث تتم نظافة الترع بوتيرة ونسب معينة لا تمنع انسيابية المياة من اقصى الجنوب الشرقي حتى اقصى شمال المشروع .. اتيحت لنا مشاهدة حيه لهذا المشروع العملاق عندما كنا طلابا بجامعة الجزيرة .. وبزيارة مع بعض الزملاء من سكان قرى ومدن المشروع .. كنا نشاهد الترع في خطوط مستقيمة وخضرة على مد البصر .. ونقاط التفتيش والابحاث الزراعية والمختبرات ... بل مشروع الجزيرة كان فيه ما يتيح لك التدريب في اي تخصص تدرسه .. بدءا من الزراعة بالتأكيد والاقتصاد والمحاسبة والادارة والطب والهندسة وان شئت حتى التربية والتاريخ والجغرافيا .. فهي بقعة غنية بكل ذلك كما هي غنية بأهل طيبين يعاملون الطلاب كأبنائهم بل يكرمونهم اكثر من ذلك كأنهم ضيوف اعزاء .. اعتقد انه بدأ انهيار المشروع عندما بدأ تقميحه اذا جاز الاصطلاح .. أي تحويله من زراعة القطن الى زراعة القمح . وتحديدا بعدما رفعت الانقاذ شعارها (نأكل مما نزرع). واي شخص له علاقة بالزراعة كان يعلم تماما ان منطقة الجزيرة غير ملائمة لزراعة القمح مناخيا وحتى ديمقرافيا .. لان سكان المنطقة انفسهم لايعرفون عن القمح ولا يشكل جزء من غذائهم الرئيسي لانهم يعتمدون على الزرة الرفيعة ..حتى قال احد اساتذتنا وقتها ان فدان واحد في الولاية الشمالية ينتج اربعة عشر اردبا من القمح بينما في مشروع الجزيرة ينتج اربعة فقط .. بالتأكيد التحول لزراعة للقمح تطلب ان تعمل تعديلات في نظام الري الدقيق ليتناسب مع حوجة القمح .. وبالتاكيد ايضا تم الامر دون دراسة .مما ادى الى تخريب نظام الري .. ومن كانوا به خبراء ويمكن ان يعيدوه الى عهده الاول تمت احالتهم للصالح العام .. ليتحول المشروع تدريجيا الى خراب يوشك ان ينعق فيه البوم .. أصبحت معالجة الامر معقدة جدا وكما اشيع عن العزم على توطين فلاحين مصريين لانعاش المشروع هذا امرا مستحيلا لانه كما ذكرنا ان المشروع تخطى مرحلة المناصبة منذ عهد الانجليز ليتحول الى نظام اجتماعي ديمقرافي متوارث جيل بعد جيل .. سينظرون الى اي غريب كمستعمر اجنبي .. ولن يستطيع ان ينتج شيئا لانه سيواجه حربا تحريرية لا احد يستطيع ان يخمن كنهها حتى الآن .. لذلك مشروع الجزيرة يحتاج الى حلول عملية وعلمية تبدأ بمؤتمر جامع من ذوي الاختصاص بابحاث المشروع وجامعة الجزيرة .. ومن ثم العمل التام بما تسفر عنه هذه التوصيات .. على ان يكون المحرك الرئيسي لهذه النهضة الجديدة المزارع الاصلي صاحب الحل والعقد .