بلا انحناء يظل خليل إبراهيم رمزاً دارفورياً ومغامراً شجاعا فاطمة غزالي [email protected] اتفقنا أو اختلفنا مع الراحل الدكتور خليل إبراهيم زعيم العدل والمساواة الذي قتل ليلة الأحد الماضي بمحلية وبندة بولاية شمال كردفان، يظل خليل رمز دارفوري وقائد من قادة دارفور الذين حملوا السلاح و اختاروا البندقية طريقاً لثورة الحقوق بعد أن تعذر نيلها بالوسائل المدنية ، وإن كان للربيع العربي تأريخ في هذه الألفية نقولها بثقة إن الربيع العربي بدأ في السودان بثورات دارفور الرافضة للتهميش والمطالبة برد المظالم والشاهد على ذلك المكاسب التي حظي بها ابناء دارفور خاصة في المؤتمر الوطني فإذا نظرنا إلى التشكيلة الجديدة للحكومة تجد دارفور واضحة كالشمس في كبد السماء بفضل الحركات المسلحة ،وتولى المهندس الحاج آدم يوسف لمنصب نائب رئيس الجمهورية بجانب وجود عدد الوزاراء الدارفوريين ضمن منظومة الجمهورية الثانية للإنقاذ خير دليل ،كما ظل خليل إبراهيم رمز من رموز الحركة الإسلامية الذين صنعوا لها درع الحماية من الحركة الشعبية ،وحينما حمى الوطيس وبلغت القلوب الحناجر كان خليل ضمن قائمة ما أطلق عليهم الدبابيين وأمراء الجهاد. الفرح الذي أظهرته الحكومة فور إعلانها مقتل خليل لا يشبه قيمنا السودانية ولا يوحى بأن للموت قداسة تفرض علينا الدعاء بالرحمة على الميت وذكر محاسنه، والأعتداء على سرداق العزاء بمنزله بمنطقة \"عد حسين\" أمر جلل يستحق التأمل في مسيرة أخلاقنا السودانية التي أعتدت عليها السياسة وأفسدت سماحتها، السياسة تلكم اللعبة القذرة التي لم تحترم معنى الرحيل من دار الفناء إلى دار البقاء ولم تتفهم بعد أن الكل إلى زوال ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام. الاختلاف مع نهج خليل إبراهيم ومنطقه في كيفية إدارة الأزمة في دارفور ورؤيته في مسيرة السلام لا يعطي مبرراً لأن نواجه مقتله بالشماتة لأن موت الأشخاص لا يعني موت القضايا وإذا كان هناك شامتين فهناك أيضاً حزانى وأنصار متحسرون على مقتله لأنه شكل رمزية للنضال شئنا أم أبينا، وقبل أن يفرح الذين فرحوا لمقتله عليهم أن يفكروا في أن مظاهر الفرح ربما تعمق فكرة الانتقام من أنصاره، ما هكذا تُدار البلاد، لم يكن خليل ذات يوماً الرجل قدم أبناء دارفور قربان للحركة الإسلامية لتهزم الحركة الشعبية ؟ فكيف لأحد أزرعها ينسى ما قدمه خليل بجرة قلم ويمنع أسرته من نصب سرداق للعزاء ويمتد الأمر إلى ما أكبر مواجهة المعزين بالغاز المسيل للدموع لا المناسبة تسمح ولا الظروف تتطلب صناعة المزيد من الاحتقان. للأسف الحركة الإسلامية في السودان فشلت في أن تقدم نموذج إسلامي في أبسط حقوق الموتى حتى لمن كان في منظومة الأخوان، ويبدو أن تدين خليل الذي شهد به أهل الإنقاذ لم يشفع لأسرته كيما تقيم عزاءً مبرأً من المصادمات مع الشرطة. صحيح منطق الحرب يفقد المرء بعض من سماحته ، ولكن يظل خليل الرجل الذي رسم الخارطة التنموية التي حددت مواطن الفراغ التنموي في دارفور وكردفان والشرق والجنوب والشمال النوبي، وحاول سد تلك الفراغات برؤية موضوعية لتحقيق التنمية بيد أن رؤيته لم تجد قبولاً عند صناع القرار، فكانت البندقية بدلاً من الفكرة. مع اختلافنا مع نهج خليل في طريقة إدارة المعركة مع نظام الإنقاذ، وركوبه سفينة العناد ، والاصرار على المواجهة حد المغامرة، والتمسك بالبقاء في محطة الحرب بدلاً من الدخول في عملية السلام التي بإمكانها أن تفتح مجالاً لمواصلة النضال السلمي المدني لإنتزاع المزيد من الحقوق التي عجزت أن تأتي بها بالندقية التي حصدت أرواحاً ليست بالقليلة من أهل الإقليم المنكوب وأرست قواعد للخيام المكتنزة بالنازحين واللاجئين خارج أسوار الوطن، ولكن مع هذا الاختلاف يظل خليل الرجل الذي صمد حد النهاية ..نهاية رجل لا نستطيع أن نقول غير أنه مغامر شجاع، ونأمل في أن لا يكون مقتله بداية حريق جديد في دارفور، بل نأمل في أن يكون بداية لعهد جديد تدرك فيه الحكومة أهمية السلام وتتفهم فيه العدل والمساواة بأن البندقية تحصد خيارنا من المهمشين