الخارجية السودانية ترفض ما ورد في الوسائط الاجتماعية من إساءات بالغة للقيادة السعودية    العطا في استقبال كباشي .. بعد زيارة لدولة جنوب السودان    الرئيس التركي "اردوغان" يستقبل رئيس مجلس السيادة "البرهان" بأنقرة    الدعم السريع يقتل 4 مواطنين في حوادث متفرقة بالحصاحيصا    زيادة كبيرة في أسعار الغاز بالخرطوم    قرار من "فيفا" يُشعل نهائي الأهلي والترجي| مفاجأة تحدث لأول مرة.. تفاصيل    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    كاميرا على رأس حكم إنكليزي بالبريميرليغ    الأحمر يتدرب بجدية وابراهومة يركز على التهديف    عملية منظار لكردمان وإصابة لجبريل    بيانٌ من الاتحاد السودانى لكرة القدم    الكتلة الديمقراطية تقبل عضوية تنظيمات جديدة    ردًا على "تهديدات" غربية لموسكو.. بوتين يأمر بإجراء مناورات نووية    لحظة فارقة    «غوغل» توقف تطبيق بودكاستس 23 يونيو    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يحوم كالفراشة ويلدغ كالنحلة.. هل يقتل أنشيلوتي بايرن بسلاحه المعتاد؟    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    تشاد : مخاوف من احتمال اندلاع أعمال عنف خلال العملية الانتخابية"    دول عربية تؤيد قوة حفظ سلام دولية بغزة والضفة    صلاح العائد يقود ليفربول إلى فوز عريض على توتنهام    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    وزيرالخارجية يقدم خطاب السودان امام مؤتمر القمة الإسلامية ببانجول    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    برشلونة ينهار أمام جيرونا.. ويهدي الليجا لريال مدريد    وداعاً «مهندس الكلمة»    وفاة بايدن وحرب نووية.. ما صحة تنبؤات منسوبة لمسلسل سيمبسون؟    الجنرال كباشي فرس رهان أم فريسة للكيزان؟    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة لها مع زوجها وهما يتسامران في لحظة صفاء وساخرون: (دي محادثات جدة ولا شنو)    شاهد بالصور والفيديو.. رحلة سيدة سودانية من خبيرة تجميل في الخرطوم إلى صاحبة مقهى بلدي بالقاهرة والجمهور المصري يتعاطف معها    الأمعاء ب2.5 مليون جنيه والرئة ب3″.. تفاصيل اعترافات المتهم بقتل طفل شبرا بمصر    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    مستشار سلفاكير يكشف تفاصيل بشأن زيارة" كباشي"    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    العقاد والمسيح والحب    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نبكيك ألماً دكتور خليل
نشر في السودان اليوم يوم 27 - 12 - 2011


قال تعالى:
(من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدَّلوا تبديلاً) صدق الله العظيم
* " نحن نعرف بأنّكم شموعاً تُضيئُ ظلامات الهامش نوراً وتبصيراً، وتحترقون فداءً وتكريماً من أجل أجيالٍ سبقت وأُخري بَقِيت. فالشموع لا تَخلِد ولكنها تُخلَّد والشموع لا تبقى مضيئة أبد الدهر ولكن يبقى نورها مضيئة في القلوب ما دام الدهر".
فإن فاضت روحك، فقد فاضت في ميادين البطولة من أجل المهمًّشين وإن زُهِقت روحك فقد زُهِقت فداءً لأولئك المحرومين المكتويين بنيران الظلم يوماً بعد يوم في سودان الشتات.
* نبكيك ألماً دكتور خليل ونحن على علمٍ بأن دموعنا لن تغسل عار إغتيالك ولكنها حتماً ستنفس ما بالنفوس من ضيق وحنق. فمن لم يمت من عيلة فقد يموت من غيلة وها نحن نُترك بعدك كما تُرِكنا من قبل هامشاً نذرف الدمع دماً سخيناً وألماً.
* نبكيك خليلاً كما بكينا أخلّاءً من قبلك؛ جاد بهم المولى عطاءً لعبادٍ لم يَرضَى لهم غيرهم بالمساواة درجةً ولم يرضوا لهم بالخلق قسمةً.
* نبكيك مجاهداً وإن خوَّنك أعداؤك؛ فهل يَعرِف قيمة الدواء إلّا المرضاء!! فكم من مهمشٍ لم يعرف له قيمة إلّا حديثاً ، ساعة أن توالت نداءات أمثالكم بالجهر حيناً وبالنضال مثله في ساحات الحقوق ليعيش ذلك المهمش حراً مكرَّماً!! فالشعوب هي من تملك الحق في تقييم أبطالها وهي من تمتلك الحق في تمجيد شهدائها وستكونون منارات تستهدئ بها الأجيال التوَّاقة للعدل والمساواة ما دامتا مفقودتان في سودان اليوم.
* نبكيك مناضلاً ومناهضاً، فلم تُغمِض عينيك عن الحق لتستمرئ دروب النفاق والإختلاق، ولم يُغمض لك جفن كغيرك عندما تبيًّن زيف المشروع الحضاري فقد سطعت حينه شمس الحق بازغةً عاليةً فإهتديت إلى نورها وركلت الدنيا وبريقها ولفظت الحياة وشهواتها وعدلت لربك مهتدياً تذرف دموع الندم على ما إقترفت يداك من مظلمة لأحدٍ.
* نبكيك زعيماً فالزعامة إكليل لا يُوشَّح به إلّا قلة من أوفياء الرجال بمآثرهم ومواقفهم وثباتهم على البِلى والمكاره؛ فلم تثنِ عودك من محنة ولم تنل من عزيمتك مصيبة بل كنتَ صخراً تكسرت حوله أمواج الغدر مرات ومرات، وكنت سداً منيعاً لم يستطع أعداؤك من إختراقها والتغلغل من خلالها للوصول لمآربهم. فهل من عظمة تضاهي عظمتك وروحك تسمو لبارئها وهي مغتالة!؟
* نبكيك أخاً وأباً وعماً وخالاً؛ فما من معسكرٍ تركته روحك الطاهرة إلّا وقلوب الكبار فيه مفجعة وحدقات أبناء أخواتك مليئة وحناجر إخوتك مخنوقة، فإن دموع الرجال لا تُذرَفُ إلّا لحبيبٍ علِّيٌ قدره ولعزيزٍ جليلٌ أمره. فإن غيَّبتك المنيَّة عننا فإن بريقك لن ينطفئ أبداً. فماذا يضير تقادم التبر مع التراب؟
* لن تكون حتماً نهاية العنقود شهيدنا د. خليل؛ فقد سبقك أبطالٌ لك أضاؤوا دروب النضال بتضحياتهم ولا تزال ذكراهم تعطِّر نفوس أحبابهم كل حين، ولن تكون حتماً آخر المُغتالين ما دامت للمهمّشين قضية لم تنتهِ. فإن كان هنالك درسٌ يُستوعب من فجيعتك هذه فهو "أن يفهم كلٌّ منا أننا في اللون مستهدفون " مهما بانت عدالة قضيَّتنا وفاضت. لن تنطفئ جذوة النضال وتخبو ما زالت في بقيتك وقوداً تحترق وما زال في البقية نفر مؤمن يسري في دمائه بغضٌ للذل والإستذلال وعشق للتحرر والعيش الكريم.
* نودعك الثرى وقلوبنا مؤمنة بأن هذا قدرك من الله ربك ونرفع أكفَّنا إليه تضرعاً وتوسلاً ونحن ملئ يقيناً بأنك مع الشهداء المغفورين لهم ما تقدَّم من ذنبهم وما تأخر وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العليُّ العظيم، ونسأل الله الرحمن الرحيم أن ينزل سكينته على آلك وذويك أجمعين والمهمَّشين من شعبك المظلومين وما توفيقنا إلا بالله.
د. النور الزبير
[email protected]
النرويج
26.12.2011
د. خليل كان يعلم بالتآمر واستعد له/ إبراهيم سليمان صوت من الهامش
[email protected]
اشرت في مقال لنا بعد عودة الشهيد د. خليل من ليبيا إلى دارفور إلى أن ما تمت في انجمينا وطرابلس إن كانت جزء من خيوط مؤامرة دولية فإنها لن تنتهِ بعملية "قفزة الصحراء" وهذا السيناريو أكده رئيس الحركة الراحل في أول خطاب له حيث اورد " أحييكم و قد عدت إلى أحب البلاد إليّ رغم أنف عصابة الخرطوم العنصرية المتسلطة على رقاب الشعب، التي تآمرت مع بعض القوى الإقليمية و الدولية، ليكون ثمن عودتي بيع قضية شعبي بأبخس الأثمان"
يبدو أن الراحل كان على علم أن ثمن بيع القضية قد يكون روحه الطاهرة لذلك استعجل تعين قائد عام لقواته وهو الفريق بخيت عبد الكريم عبد الله (دبجو) ونائبيه وقد ظل محتفظاً بهذا المنصب منذ عودته للميدان 2006، ووجه خطبة الوداع للشعب السوداني في 25 سبتمبر 2011 ثبت ما وردت في مانفست الحركة، ومن هذا المنطلق من المرجح أن تظل القوات العسكرية للحركة متماسكة اما الجانب السياسي فحسب العارفين ببواطن الأمور هنالك من يتولاه حتى في وجود الراحل د. خليل.
ومع ذلك ستظل خطورة التآمر الدولي ماثل ليس حول حركة العدل والمساواة فحسب بكل حول قضية دارفور برمتها، وفي هذا الصدد افصحت بعض المواقع الإخبارية عن مقررات قمة دول البحيرات المنعقدة مؤخراً بالعاصمة اليوغندية كمبالا والتي اوصت حسب المصادر بإبعاد حركات دارفور من يوغندا، هذه المقررات تتسق مع أخبار منشورة في الصحف السيارة تفيد وجود الاستاذ عبد الواحد والسيد مني بجبل مرة.
وبناءاً على هذه المعطيات على دعاة التغيير إيلاء التحرك الجماهيري ألوية قصوى وعدم التأويل على العمل العسكري وحده، العمل الجماهيري عصي على المتآمرين مع الطغاة في دول المنطقة وقد أشعلت الربيع العربي مما إضطر حلفاء الأنظمة الدكتاتورية إلى التخلي عنهم، أما العمل العسكري التقليدي فهم يعلمون كيف يمسكون بخيوطها.
والآن تبدو الفرصة سانحة لأنصار ثورة الهامش للإلتفاف حول ثوار السدود وتفويت الفرصة على النظام الذي لم يدخر جهداً لتفتيت مكونات الشعب السوداني، تفرج ثوار الهامش على الحراك الحالي يعتبر ضمن الفرص الكثيرة التي أضاعها الشارع السياسي للتخلص من النظام.
وإستناداً على رواية حركة العدل المساواة التي تفيد إستشهاد الدكتور خليل في غارة جوية مباغطة في دارفور بعيداً عن مسرح العمليات، قد يفرض هذا النهج تغيير في تكتيك الحركة لمواجهة النظام يختلف عن التحرك المنظم الذي يسهل رصده بدقه.
التآمر الدولي إغتال الوحدوي الراحل د. جون قرنق لتمهيد إنفصال الجنوب، فما هي مرامي هذا التآمر من إغتيال الدكتور خليل إبراهيم؟ رغم انه ليس الأحد في الساحة كما كان عليه الراحل د. قرنق، وما هي الرسالة ولمن يوجهها المتآمرون من تنفيذ المخطط في السودان وكانت سانحة خارجها؟ اسئلة تهم قيادات ثوار الهامش والوطنيون الحريصون على الحفاظ علي ما تبقى من أرض الوطن.
آفاق جديدة/ لندن
من هو الدكتور خليل إبراهيم؟ (1)/منعم سليمان مركزدراسات السودان المعاصر
كيرا
في قرية مدفونة قرب بلدة (الطينة) الحدودية في أقصى التقوس الغربي لبحر الرمال بإقليم دارفور عرفت باسم (كيرا) ؛ولد خليل إبراهيم محمد فضل عبد الرحمن فرتي ؛ في حدود نهاية الخمسين و أول الستين ، وان حمل اوراقه الرسمية عام 63 ف كتاريخ لميلاده الا ان اغلب الظن انه لا يملك شهادة ميلاد ؛ فمثله ملايين الاطفال في ذلك المكان ، وفي ذلك التاريخ بالذات وجدت امهاتهم المشقة وهن يضعنهم مستعينات فقط بالله والحبال على امتداد هذه القرى التي لم تعرف المستشفيات ؛ وتسمع عن (الاسبتاليات ) في المدن كحلم مستحيل المنال لمؤسسة تعمل ضد الموت .
ينتهي نسبه الى ملك قومية الزغاوة كوبي الاول "عبد الرحمن فرتي" ؛ وهناك في " كيرا" تربى هادئا وديعا يتيما يرعى الغنم ؛ هو ابن ثاني لعائلة تتكون من ست أولاد وفتاتين ؛ وعلى عادة شقاء القرويات في دارفور بغياب رعاية الدولة - طالما سهرة عجوزة متفانية من اجل تربيتهم حتى عقب اقترانها بعمهم نور عشر والد اخيهم غير الشقيق المحارب عبد العزيز نور .
و هناك في كيرا قروي كانت نشأته ولا تزال أخلاقه وان بالغ هو في مجاراة سلوك معاصرة عقب اقتحامه المدينة على حين غفلة من اهلها . شاب طويل القامة نحيل الجسم متسامحا .
عرف الخليل منذ الصغر مجتهدا في لعبه مجتهدا في دراسته مجتهدا في تهاجراته إلى الله ؛ كبر الصبي الطويل بجانب رفقته لشقيقه الاكبر وصديقه جبريل ابراهيم ؛ وتفوق على أقرانه في كل مراحل دراساته من كيرا الى الطينة الاولية الى كورنوي الوسطى حتى الثانوية بام المدائن العليا الفاشر الثانوية ؛ ثم التحق لدراسة الطب في جامعة الجزيرة بوسط السودان اقليم بلاد ما بين النهرين ، وخلصها بامتياز في عام 84ف .
لكن الطبيب الذي عرف محبوبا محترما متواضعا بين زملاءه لم يتخلى عن تتبع آثار مهنته ، طار الى السعودية وظل بها عالما ؛ لكنه في عام 93 ف عاد الى السودان واختار الانخراط في صفوف الخدمة السياسية لصالح جماعة الحركة الإسلامية (الجبهة الاسلامية القومية ) التي سطت على السلطة قبل اربعة سنوات من ذلك .
قبيلة (الكوبي) التي تنتهي اليها جزوره العرقية هي كبرى القبائل و أكثرها حضرية في شعب الزغاوة ذات التسع اعراق والتي تغطي في سكنها جزء من بحر الرمال تخوم دولة شاد بالقرب من الوادي الميت (هور) ؛ كوبي تشاركها تشاد مدها العرقي.اما التوير فغالبها في السودان ومثلها البديات تسكان غالبها في تشاد .
وهناك في اقليم دارفور مثلما يولد كل الصبية مشبعين بروح الصدق والشجاعة والامانة ضمن ثقافة التربية المحلية فمن مدرسة قبيلته وشذف عيشها رضع الخليل انفة قومه البدو ؛ و الزغاوة والميدوب ضمن سكان الصحراء في السودان الافريقي عرفوا خلال تاريخهم بمحاربي الصحراء الى جانب القرعان في تشاد والطوارق في مالي .
صدقه القروي في الايمان بكل شيئ سيتحول فيما بعد الى سذاجة صارخة حين يقترن الفتى بالمدينة ويصير مساهما في جزء من تنفيذات الانشطة الحية في الشان العام .
وللتداخل القبلي بين سكان إقليم دارفور عبر التاريخ حركة تسمع لها سلاما وأمنا محليين ، كذالك كان الاوائل من الملوك والسلاطين يحافظون على الامن والسلم الدوليين ويرعون مصالح شعبهم . من هنا تعود أصول جدتي الدكتور خليل لامه وأبيه إلى قبيلة (بولاد) وهي إحدى بطون شعب القمر القاطنة ببلدة كلبس جنوبي ديار زغاوة ؛ والقريتان كلبوس والطينة متجاوران مع الطينة وتتصاهران كثيرا وتتخاصمان في بعض الاحايين وتتناكفان الريادة على الشعوب المجاورة . اما بولاد فهو البيت الوحيد من شعب القمر الذي لا يسكن اليوم بمنطقة كلبوس .
مجاهدا
كانت سنوات التسعين مجالا لنشاط خليل السياسي كذالك لنشاطه الروحي . فبعد ان دانت له الدولة ذات التصميم الاستعماري للجلابة اخذ حفيد النحلان حسن الترابي يعمل من بلاد الزنج السودان في نهاية القرن العشربن معملا لتجارب افكاره الداعية لاعادة بناء دولة النبي محمد في يثرب القرن السابع الافرنجي ؛ كان خليل ابراهيم احد اتباعه النشطاء ؛ وكان في وضعه المناسب حيث هو من (زنجي لكن مسلم) استوعبته برنامج (الجهاد في سبيل الله ) لا المناشط السياسية الاخرى في الدولة.
لم يكن للخليل دور كبير في اعمال الحزب الخرطومي الذي صار عضوه قبل تخرجه ؛ لكن عقب عودته من العربية السعودية شارك ضمن المتطوعين للعسكرية في مؤسسة التمليش (الدفاع الشعبي ) ؛ (للجهاد ) في جنوب السودان ؛ وقد كان طبيبا يقوم بعمله الانساني ؛ غير انه شارك في النشاط العسكري وصار اميرا لقائدة للمجاهدين في الميل 73 بين مدينة جوبا و نملي عرفت باسم (عزة السودان) .
مراجعة مفاهيم تسير العلميات العسكرية والدولة في ذلك الوقت ؛ فان مؤسسة الدفاع الشعبي التي ادارها شماليون جلابة (على الروي ؛ على كرتي ؛ كمال حسن على ) ليس من السهل ان ترسم احد من اهل الهامش والغرابة بالتحديد اميرا للمجاهدين وهذا يعني ان خليل ومثله القاضي مختار ابراهيم قد بلغا درجة من ثقة الجلابة لم يبلغه احد من الغرابة الهامشيين في مجال الخدمات المقدسة .
و كانت سنوات الجهاد وعجز التسعين من القرن الماضي فرصة له ان جال الوزير الشاب مع راديكالية الحركة الإسلامية كل قرى الشطر الشمالي للإقليم لجمع المتطوعين للجهاد؛ واغلب الظن ان الافندي عاد لاول مرة الى قرى الطينة بعد مغادرته لها وهو طالب ثانوي ؛ ولربما لم ترى عيناها كيرا قط ؛ غير انه يكون في هذه الايام مطلقا مهموما( بمرضاة الله ) وصل به الحد ان اعلن في مؤتمر سنوي لمجلس شورى شعب الزغاوة الذي هو اكبر وزير من ابنائها وعراب مجلس شوراها ان "هذه الدولة هي اسلامية ؛ وان من يعاديها منكم يعتبر نفسه لا زغاويا ؛ ونحن منه في براءة " .
وكان المسكين يجمع بما يشبه أغنام له في كل موسم جهادي من بينهم اقربائه و يقذف بهم وهو في مقدمتهم إلى سعير الحرب المشتعلة في الجنوب بمثابة قربة الى الفردوس الأعلى .
و كانت (في ساحات الفداء ) البرنامج الاسبوعي في تلفزيون الدولة المنسوخ من برنامج جماعة حزب الله من الشيعة المقاتلين في جنوبي لبنان تنقل أسبوعيا صور وماثر الموتى المقدسين وغير الموتى من ابناء الجلابة (سكان العليين ) الا رفاق الخليل او الخليل من الزنج المسلمين (سكان الاسفليين) .
أما رفاقه الذين يدفنهم كل صباح هو بيديه مثل : صبيرة ، صلاح شين ، ادم ترايو ، جعفر والصف طويل كانوا خراف أضحية رخيصة ؛ لكنهم كانوا شهداء بشرف وكرامة فقد كانو الزنوج المسلمين هم المكونيين للطبقة الثالثة بعرف الدولة السودانية ضمن طبقاته الخمس ؛ وخليل ربما اخذته استغراب للامر وقتها .
لقد حارب المجاهد باخلاص ؛ وخدم أيضا في مؤسسات مدنية اخرى بالمديرية الاستوائية كمستشار للسلام في عام 97 بمدينة جوبا. لكن هناك استقام له الميسم في إدرك كيف يبرع الجلابة الشماليون في الكذب على الله وفي فنون التجارة بالأرواح البريئة، والتجارة بالقضايا كالتجارة بالبشر كالتجارة بالتقوى في كل عصور السودان الرسمي ولم يمنع تعاليم الله التجارة او العكس . يمكن ان تشكل هذه الاعمال المدرسة الاولى لتجاربه المتمردة على الدولة لاحقا .
وزيرا
في عجز التسعين عرفته اقليم دارفور بالدكتور وزيرا للصحة بأم المدائن الفاشر ابوزكريا ؛ ثم وزير للتربية والتعليم ؛ و برغم غياب النزاحة ووالواقعية و الاستقامة كلية في هذا العهد الغيهب عرف عنه حينذاك مواقف مستقيمة وواقعية وترك بصماته على الجدر النزاحة سجلتها له الأيام في الوزارتين ؛ لم يبلغه وزيرا بعده او قبله كان انجازها من مجهوده الشخصي على الارجح . فهو مؤسس (منتج للادوية) بالفاشر الى اليوم ؛وصاحب فكرة "لكل محلية مركزا صحيا ومعاونا صحيا" في فكرة بات يسميه "بنفرة الصحة" ربط خلالها ام المدائن باصدقاء له في الصين اعانوه على ذلك ؛ لكن ذلك لم ترضي رجل الدولة المريض تم الامر بنقله الى وزارة التربية والتعليم ؛ فقام بتكرار ذات الاعمال في "نفرة التعليم" وهو صاحب نظرية "كل واحد يعلم واحد" .
بقياس حماسه في خدمة شعبه وقتها وتواضعه وتجرده الذي بلغ حد طلب من مسئولي الطاقة قطع امدادات الكهرباء عن منزله وهو الوزير؛ اسوة بحال شعب ام المدائن ابو زكريا ؛ التي كانت تتبادل كهرباء النور بين جنوبه وشماله الاسبوع ؛ لكن الوزراء منازلهم مستنيرة . اغلب الظن تجاربه الشخصية علمته قواعد اللعبة في ادارة بلد هو ضيفها وفهلوة جماعة هو ضيفهم ؛ ولم تجد مؤسسة الجلابة اثنا تشاركهما معا في سجلاته ما تدين عاملها باي من صفاتها السيئة كسؤ السير والسلوك المقلوب .من المحتمل ان هذه هي المدرسة الثانية التي تلقى فيها مبررات تمرده على الدولة .
القروي المهمش
في صورة اخرى ورواية اخرى لنا لا يجب فهما تناقضيا ؛ لا يستطيع القروي الهامشي من عباد الاصنام الخرطومية ان ينقطع عن شعبه وينسى تفاصيل قريته او ينسى سكاتها مطلقا لانه لا يتمكن ؛ انه يعجز عن الاندماج نفسيا مع من هم (اخوانه في الله ) او (احبابه في المهدي) او (رفقائه في طريق لينين) او ( اشقائه في سبيل ابو هاشم ) من الهات الخرطوم المتعددة واصنامها الزعماء ؛ القروي يدخل هذه المدينة غافل ويبقى الكلمة الشاذة ثقافيا فيها ؛ فهو اما ينتحر في نادي الفحول او تنتهي به الحياة في الحزام الاسود او افندي في مؤسسات اخرى ضمن جماعة (البلم ) الذين لم يغير فيهم القلم شيئا . الاشرف بينهم من يخرج حاملا كل تجاربه الشخصية الى طريق انتهى اليها في السابق المعلم ؛ يكون مثل داود بولاد .
دخل القروي خليل ابراهيم احدى المؤسسات الحزبية بالمركز وفق برمجته القروية والتعليمية في المنهج المدرسي والمشاعة في الثقافة العامة من اثار مؤسسات التوجيه ؛ فوجد ان الناس من الشمال النيلي فقط يسمحون لهم بالدخول في هذه المؤسسة الحزبية بقيائلهم وعاداتها وتقاليدها وتاريخها المزيف ؛ فعاد المرة الاولى الى شعبه القرويين في شمال دارفور ليقودهم الى (خدمة الله جهادا) في جنوب البلاد ظانا ان تلك هي الطريقة المثلى للدخول بالنفس والقبيلة وثقافتها وتاريخها الى داخل حزب خرطومي ولاسيما الاسلامي الذي هو عضوا به ؛ وان الاسلام -بفهمه - يساوي بين اتباعه ؛ و الاسلاموية الحزبية –بفهمه- توظيف تضعيفي لتلك المساواة ؛ لكنه رفض هذه المرة ايضا ؛ وهنا ادرك اللعبة ؛ خرج من الحزب و عاد لشعبه للمرة الثانية لكن نهائيا ؛ ليؤسس حزبا يدعوا الى المساواة به ملامح خرطومية لكن كزعيم يضع القوانين بنفسه هو تلك التي تسمح له باخال قبيلته وثافتها وتقاليدها وتاريخها دون حرج ؛ ويمنح الجميع حقوقا متساوية- بفهمه - فيه ايضا .
حتى ان لم يزال لديه بعض اعتقاد في ان للروحانية دور في العملية السياسية ؛ وان للفكر الحزبي الخرطومي دور فان ان هذا الزنجي المسلم لا يزال لم يدرك فن اللعبة الحقيقة الكاملة في امر هذا السودان البلد الذي يثير السخرية على نطاق الكون كله .
كون الخليل لم يكن مؤثرا في (الجبهة الاسلامية ) ودولتها هو ان خروجه لم يحدث اي احتزاز في بنية (الحزب) والدولة وتوجهاتها ؛ فابناء الاقاليم المهمشة مثله الذين يجثون لعبادة الاصنام الخرطومية الاربعة يصنعون اصلا ديكوريين فقط لتزيين وجه الحزب المعني ؛ ويعيشون عبيد فكر وثقافة تلك التي لا ينتج احدهم مثلها - لصالح سيدهم وفي مضرة شعبهم ؛ وعلى ذلك لا يعتقد احد ان خليل كان له دور في انتاج الافكار او تشريع الاعمال بالدولة وجماعتها نهاية القرن العشرين .
في معرض توقف الخبثاء التميزين كثيرا لعقد محاكمة خاصة له (مجاهدا ؛ وجبهجيا ) دونما مراة ما يتعلق بامر استخدامه ادة حرب في ماساة التطهير والابادة في جنوب السودان ؛ وديكور في المؤسسات الحزبية يكون ذلك منحى يهدف الى تشبيب الفكر التميزي الداعم لعدم المساواة في الدولة ومحاولة تشتيت الافكار الفاضلة ؛ فمثله وقتها الكثيرون من اهل الهامش و في احزاب الخرطوم الاخرى كانوا رجالا برتب حمير حين يعطلون عقولهم يعملون في تنفيذ ما تنتجه افكار الرجال الخرطوميين السادة ؛ واحياننا يقوم به (عب) النافع باصولية. والدليل الاوضح ان اعمال الدولة السودانية كالتطهير والهوس الديني ظلت قائمة وبشكل اكثر تهيجا حتى عودة بعض الخدم السياسين الى رشدهم .
ان التطهير العرقي وتجارة الدين وتجارة البشر ووتجارة قضايا الله هي ضمن الاهداف الاساسية التي قامت الدولة السودنية بسببها في حق سكانها الاصليين ذوي البشرة السوداء ؛ والدولة تمارس اعمالها المنافية للاخلاق والانسانية تلك بشتى الوسائل لا تفرق بين السكان سوى في وضعيتهم ؛ والانجح في وسائلها هي سياسية ضرب العبد بالعبد ؛ بعد برمجة الاول ايدلويجا واظهار الاخر شيطانا ماردا يستحق الضرب ؛ والخلاصة هو محو العبدين معا من الوجود ولا باكي لاي منهما ؛ عاد الخليل اليوم في وضعية قرنق من الغضب الخرطومي وان لم تتاكد راجع ارشيف التلفزيون عن الرجلين.
مهمة اغناء الفقراء
جمالي جلال الدين – الذي استميحه ليتاخر الحديث عنه قليلا - ومساعده متوكل يتفقان في وصفي لهذه المؤسسة ويضحك الاول مسترجعا تاريخ الغفلة في ذلك الماضي ؛ وخليل الذي عرف بانفعاله في خطابه الديني وصدقه في اعتقاداته ، وحتى اشد الناس قساوة في الحياة الدنيا تظهر الجانب الإنساني في شخصياتهم ففي عام 98 بالتقريب أدار خليل ابراهيم صندوقا يعنى بمساعدة الفقراء في إقليم دارفور ؛ و يتأثر حتى الأغنياء بحالات الفاقة والبؤس التي يعيشها القرويون هنا .
ادار صندوق يعني باعادة تاهيل القرى التي دمرتها الحروبات الاهلية ؛ وبالادق القرى التي دمرتها الجيش النظامي في ملاحقة السكان منذ ذلك الوقت ؛ وحمل الصندوق الى مؤسسات الدولة المالية ؛ لكن في كل مرة يجد ازدراء واهانة ؛ ويشهد على ذلك وزير المالية الاتحادي ؛ محافظ البنك المركزي ؛ ومدير بنك ام درمان الوطني ؛ ووزير المالية بولاية الخرطوم والذين ينحدرون جميعا من قرى مجاورة في الشمال النيلي وعلى الارجح ايناء اثنية واحدة .
كانوا يجمعون تبرءات من هذه المؤسسات بلغت 75مليون دينار لصالح قرية واحدة في الشمالية ؛ بينما قرر الاول دفع مبلغ 5 مليون دينار لصالح صندوق خليل لاعمار 57 قرية في دارفور كانت في وضع الرماد ؛ قيل بان خليل ابراهيم قال لهم في وزارة المالية مهددا في مزاح انه لن يدخل هذه الوزارة حتى يغير قواعدها واركانها ؛ وانه سيحمل السلاح في وجه هذا التميز المحرج بين الدارفوريين والشماليين ؛ قيل انهم كانوا يضحكون . يعتقد الساذج انهم مازحون ؛ لكنهم كانوا جادين اذ تم صناعة صندوق مشابه لفكرة الخليل ونقل اليه كل مهام (صنديق ) الغرابي و تم تسليم ادارتها الى سالم عثمان محمد طه ؛ و من الاسم يتضح انه اخ نائب الرئيس ، واسند اليه مخصصات متضاعفة لما كان للقروي لكن نشاط صندوقه تجمد برغم سريان التخصصات .
ومن المرجح ان وضع القرى المحروقة وموقف الدولة هذه منها كان السبب الأبرز في تحولات الرجل نهائيا نحو عمل صالح في حق البؤساء القرويين (المهمشين) فهو الذي لم يكن غنيا حتى او من عائله كذلك؛ وشكلت له المدرسة الثالثة في تمرده على الدولة .
وبعد
لم يكن متفاجأ بالنسبة لنا في مركز السودان المعاصر ان ثوار قد يقتحمون الخرطوم ؛ غير اننا اعجبتنا هذه المبادرة الباكرة من جماعة العدالة ؛ الرفيق خليل ابراهيم الذي ارسلت له نصيحة بريدية ذات مرة عن ان "القائد الثائر يكون بين جنده " وفي وقت يسترهب الرجل عدوه لن يتمكن من تحقيق النصر ؛ ودون الاقدام على خطوة ممتلئة بالجراءة كاقتحام الخرطوم نهارا يتاخر كل شيئ ؛ لقد اثار اعجابنا بهذه المبادرة التي تحلمل التفاني العظيم .
بالطريقة الوحيدة المتعارف عليها ؛ يعد خليل اول سوداني فكر بجدية ان يكون الرجل الاول في سلطة الدولة التي بالرغم من انها تستمد اسمها وعنوانها من لون بشرته تحتقره وتبالغ في تدميره وتعذيبه ؛ ذلك ما دفعنا الى استعراض بعض معلومات عنه بالتحليل ؛ والظن انه سينجح في مراته المتكررة الموعودة من بلوغ الخرطوم .
الخرطوم تجمعنا
منعم سليمان
مركزدراسات السودان المعاصر
7جونيه 2008 ف
يظل خليل إبراهيم رمزاً دارفورياً ومغامراً شجاعا/ فاطمة غزالي
بلا انحناء
اتفقنا أو اختلفنا مع الراحل الدكتور خليل إبراهيم زعيم العدل والمساواة الذي قتل ليلة الأحد الماضي بمحلية وبندة بولاية شمال كردفان، يظل خليل رمز دارفوري وقائد من قادة دارفور الذين حملوا السلاح و اختاروا البندقية طريقاً لثورة الحقوق بعد أن تعذر نيلها بالوسائل المدنية ، وإن كان للربيع العربي تأريخ في هذه الألفية نقولها بثقة إن الربيع العربي بدأ في السودان بثورات دارفور الرافضة للتهميش والمطالبة برد المظالم والشاهد على ذلك المكاسب التي حظي بها ابناء دارفور خاصة في المؤتمر الوطني فإذا نظرنا إلى التشكيلة الجديدة للحكومة تجد دارفور واضحة كالشمس في كبد السماء بفضل الحركات المسلحة ،وتولى المهندس الحاج آدم يوسف لمنصب نائب رئيس الجمهورية بجانب وجود عدد الوزاراء الدارفوريين ضمن منظومة الجمهورية الثانية للإنقاذ خير دليل ،كما ظل خليل إبراهيم رمز من رموز الحركة الإسلامية الذين صنعوا لها درع الحماية من الحركة الشعبية ،وحينما حمى الوطيس وبلغت القلوب الحناجر كان خليل ضمن قائمة ما أطلق عليهم الدبابيين وأمراء الجهاد.
الفرح الذي أظهرته الحكومة فور إعلانها مقتل خليل لا يشبه قيمنا السودانية ولا يوحى بأن للموت قداسة تفرض علينا الدعاء بالرحمة على الميت وذكر محاسنه، والأعتداء على سرداق العزاء بمنزله بمنطقة "عد حسين" أمر جلل يستحق التأمل في مسيرة أخلاقنا السودانية التي أعتدت عليها السياسة وأفسدت سماحتها، السياسة تلكم اللعبة القذرة التي لم تحترم معنى الرحيل من دار الفناء إلى دار البقاء ولم تتفهم بعد أن الكل إلى زوال ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام.
الاختلاف مع نهج خليل إبراهيم ومنطقه في كيفية إدارة الأزمة في دارفور ورؤيته في مسيرة السلام لا يعطي مبرراً لأن نواجه مقتله بالشماتة لأن موت الأشخاص لا يعني موت القضايا وإذا كان هناك شامتين فهناك أيضاً حزانى وأنصار متحسرون على مقتله لأنه شكل رمزية للنضال شئنا أم أبينا، وقبل أن يفرح الذين فرحوا لمقتله عليهم أن يفكروا في أن مظاهر الفرح ربما تعمق فكرة الانتقام من أنصاره، ما هكذا تُدار البلاد، لم يكن خليل ذات يوماً الرجل قدم أبناء دارفور قربان للحركة الإسلامية لتهزم الحركة الشعبية ؟ فكيف لأحد أزرعها ينسى ما قدمه خليل بجرة قلم ويمنع أسرته من نصب سرداق للعزاء ويمتد الأمر إلى ما أكبر مواجهة المعزين بالغاز المسيل للدموع لا المناسبة تسمح ولا الظروف تتطلب صناعة المزيد من الاحتقان. للأسف الحركة الإسلامية في السودان فشلت في أن تقدم نموذج إسلامي في أبسط حقوق الموتى حتى لمن كان في منظومة الأخوان، ويبدو أن تدين خليل الذي شهد به أهل الإنقاذ لم يشفع لأسرته كيما تقيم عزاءً مبرأً من المصادمات مع الشرطة.
صحيح منطق الحرب يفقد المرء بعض من سماحته ، ولكن يظل خليل الرجل الذي رسم الخارطة التنموية التي حددت مواطن الفراغ التنموي في دارفور وكردفان والشرق والجنوب والشمال النوبي، وحاول سد تلك الفراغات برؤية موضوعية لتحقيق التنمية بيد أن رؤيته لم تجد قبولاً عند صناع القرار، فكانت البندقية بدلاً من الفكرة. مع اختلافنا مع نهج خليل في طريقة إدارة المعركة مع نظام الإنقاذ، وركوبه سفينة العناد ، والاصرار على المواجهة حد المغامرة، والتمسك بالبقاء في محطة الحرب بدلاً من الدخول في عملية السلام التي بإمكانها أن تفتح مجالاً لمواصلة النضال السلمي المدني لإنتزاع المزيد من الحقوق التي عجزت أن تأتي بها بالندقية التي حصدت أرواحاً ليست بالقليلة من أهل الإقليم المنكوب وأرست قواعد للخيام المكتنزة بالنازحين واللاجئين خارج أسوار الوطن، ولكن مع هذا الاختلاف يظل خليل الرجل الذي صمد حد النهاية ..نهاية رجل لا نستطيع أن نقول غير أنه مغامر شجاع، ونأمل في أن لا يكون مقتله بداية حريق جديد في دارفور، بل نأمل في أن يكون بداية لعهد جديد تدرك فيه الحكومة أهمية السلام وتتفهم فيه العدل والمساواة بأن البندقية تحصد خيارنا من المهمشين.
إلى أخوتنا في قيادة العدل والمساواة..! نحن نريد الحقيقة أياً كانت...! فدكتور خليل بطلاً شهيداً ولو كره الكارهون
إن الدكتور خليل إبراهيم وببساطة قد قضى على مبدئه بطلاً مناضلاً من أجل قضية أهله وكافة المهمشين، مطالباً بتحقيق العدل والمساواة بين أبناء الشعب الواحد وهذا أمر لا جدال فيه، فهو ليس في حاجة للدفاع عنه، ونحسبه شهيداً ولو كره الكارهون. وقد مضى شامخاً واقفاً كالطود، وسيظل مناراً يهتدي به كل طالب حق، وكغيره من الشهداء والأبطال الذين سبقوه في سبيل الحرية والكرامة..! ولكن لنا أن نعلم الحقائق، وحتى نقرأ ما بين السطور، وما ينبغي أن يبحث ويستفاد، خاصة إن وضعنا بعض الحقائق البديهية في الإعتبار، والتى لا تخفى على الكثيرين..! ولا يجب أن نمر مرور الكرام على ما يُسمع أو يُنشر أو يُشاهد من الأطراف المختلفة، وحتى نتفنن في الترديد وبدون علم، خاصة والملابسات تشير إلى مغالطات واضحة، "فلا يستقيم الظل والعود أعوج"...!
أولاً :
ظل الشهيد البطل الدكتور خليل في أراضي دارفور منذ خروجه من ليبيا، حراً طليقاً ولم تقربه قوات الحكومة خوفاً وتفادياً له.
ثانياً : تضاربت أقاويل الحكومة في كل ما سبق أن صرحوا به، وهذا فيه نظر...!
ثالثاً :
لقد صُرح بأنه قد ضُرب قافلة الشهيد بقصف جوى، عندما كان متحركاً جنوباً قرب منطقة ود بندة، بينما هنالك قول بأنه كان نائماً..!؟
رابعاً :
مصدر موثوق (أفراد الحركة) من الميدان روى بأن البطل الشهيد قُتل بواسطة أفراد في زي مدني، تنكروا بأنهم مواطنين ينقبون عن الذهب بالمنطقة المجاورة لموقع تواجد الحركة، ومن ثم استغلوا فترة إسترخاء خليل وصحبه وضربوهم من الخلف، وقد أُستشهد الدكتور خليل وأحد الحراس في التو..!
خامساً :
السودان يفتقر لتلك الطائرات بدون طيار وإن وجدت فهي ليست من النوعية التي تتصف بالتكنلوجيا عالية الدقة لكي تنفذ مثل هذه العملية، وإلا كانت فعلتها منذ فترة طويلة ومع كل أعدائها.
سادساً :
متحدث الحكومة صرح بأن العملية تمت في تمام الثالثة صباحاً، بينما هنالك توقيتاً مخالفاً لما قيل، وأيضاً صرح بأن جثمان الشهيد سيعرض على وسائل الأعلام ولكن لم يحدث، بل عاد وعقب بعده بأن أفراد من الحركة قاموا بالإنسحاب ودفنوه..!!!
سابعاً :
بعض المصادر تتحدث عن طابور خامس، والكثيرون يعلمون بأن الحركة لا تخلو من الخلافات، وسبق أن أشيع بأن هنالك تآمر حدث بطرابلس وفي ذلك نظر.!؟
ثامناً :
ليست هنالك معركة مباشرة بين النظام والحركة فلذا لا يمكن أن نرسم سيناريو لم يحدث وإن إدعينا ذلك، فهذا إنتصاراً غير مستحق لحكومة ظلت تتهالك وتشيخ هي لم تحارب أصلاً.
تاسعاً :
إن قتلته الحكومة في معركة فلا شك هو دليل على قوة الحكومة وإنتصارها ولكن هذا لم يحدث. ونحن نعلم بأن الحكومة في أضعف حالاتها اليوم ولا تقم بالمواجهة، فهي لم تتمكن من إعتقال المهندس محمد حسن والذي هز عرشها، إلا بعد إغتيال الدكتور خليل، والذي جعلها أن تكشر عن أنيابها، وهذا على سبيل المثال...!
عاشراً :
هنالك إدعاء بأن أطراف أقليمية ودولية لها يد في ذلك، فإن كان كذلك فلماذا لا نعلم الحقيقة وحتى نبني عليها...! رغم أن قطر يمكن أن يك لها ضلع بحكم علاقتها القوية مع النظام، وشهوتها اللانهائية في البحث عن السمعة والرياء خاصة بعد عملة ليبيا، وذلك حباً في الظهور والتي تبدو كغريزة بشرية صيبيانية أكثر منها شخصية إعتبارية لدولة بكيانات مؤسسة.
أحد عشر :
أثبتت الواقعة بأن محبي الشهيد الدكتور خليل أكبر مما كان متوقع، وهذا إنتصاراً لكل للحركة وكل المهمشين والثوريين. فلماء لا يتم إستغلال هذا الزخم الثوري والتأييد غير المباشر للتصحيح وجبر الكسور، والبناء عليه بصورة علمية سليمة تحقق مكاسب مستقبلية للحركة والبلد في آن واحد..!
الخلاصة :
فمن المرحج وحسب ما تقدم فإن فرضية الطابور الخامس هو أمر مرحج، وذلك لعدة أسباب، أولها عدم وجود معركة واضحة وذلك بناء على تخبط تصريحات النظام وإدعائه بمحاصرة قوات خليل، فالمنطق يقرأ خلاف ذلك، ولا يمكن بأن يكون جيش الحركة في يتحرك في مجموعة واحد وهم في حالة حرب، بل ويحاصرون وهم نيام...! ومن الأبجديات بأن تكون هنالك عدة مجموعات وفي أمكان متعددة يصعب حصارها. و ثانياً حسب تصريحات متحدث الحكومة فيبدو بأنه لا يملك أكثر مما يقرأه المتابعون في وسائل الإعلام.
إن قتل خليل وهو نائم فلا شك هو كان في حال طمأنينة ومن معه، وبالتالي ذلك يتحتم بأنه أخذ في الإعتبار كافة الأحتياطات، بحيث يصعب الإختراق. وهذا يرحج إحتمال التآمر أي الطابور الخامس...! والجميع يعلمون تماماً بأن الدكتور خليل إبراهيم لديه عداوات كثيرة، وقد يعلمها البعض جيداً وقد يجهلها الأخرون، وأياً تلك العداوات فمن حق الجميع أن يعلموا ذلك، وحتى نبني على أسس واقعية وبعيداً عن المجاملات وليأخذ كل مجرم جزاءه..!
فحقه علينا قبل أن يك على آخرين، وهو الذي ترك أسرته وأطفاله وحياته وظل في الميدان من أجلنا، رغم أنه كان بإمكانه أن يبيع القضية وكما فعل الكثيرون، فلابد من أن ننصفه أياً كان الوضع...! والثورات لا تتربط بالأسماء بل بالعطاءات وهو صاحب عطاء مشهود له، ورمز للثورة ولجميع المناضلين، وبغض النظر عن إنتمائهم للحركة أم لا...!
فنحن في إنتظار الحقائق يا مسؤولي العدل والمساواة...! ولن نكتفي بما سبق من بيان فقط وكذلك لن تكفينا الإطراءات والتأبينات والتي هي حقه، ولكننا نتطلع لمعرفة الحقيقة البيضاء ومن غير شوائب...! وهنا لن نطلب المستحيل بل هو في حيز الممكن، طالما قد دُفن الشهيد بواسطة زملائه، ولم يأخذ جثمانه الطاهرة كلاب النظام للخرطوم وحتى يدنس. وكما كانوا يصرحون بأنهم سيعرضونه زوراً وبهتاناً...! وليعلم الجميع فهو شهيد شهيد، وليس في حاجة بأن نرسم له سيناريو معركة لم تحدث...! سواء كان من طرفنا أو طرف النظام...! ففي هذه الحالة قد نسدى خدمة ونصر لنظام متهالك إعتاد على الميكيافلية في تحقيق كل شيء...! فلا يمكن نهديهم نصراً مؤزراً وبدون حق...!
فهو شهيد ولا يحتاج لصكوك حرب وهمية لتوثيق الشهادة وتجييرها للنظام....! فالمغدور والحريق والغريق شهداء، وهو مات مغتالاً أي مغدوراً ...! ونحن بصدد معرفة من شارك في هذه الجريمة البشعة، فلابد من أن ينال جزائه، عاجلاً أم آجلاً، وإن كان شقيقاً أو رحماً أم أياً كان، فلابد من أن يحاسب.
ولأن حكومة الإنتكاس عودتنا بأن تستخدم مثل هذا الفئات ولتطفيء كل شمعات الأمل التي قد تنير لنا الطريق، أو الأبطال الذين يحملون المسئولية بصدق. بعد أن فشلت كل القيادات وأصبحت كالحملان الوديعة تهرول صوب جلاديها في دعة وإستكانة تثبت إفتقارنا للقيادات الجسورة.
فمعرفة الحقيقة في مثل هذه المواقف هي التي ستقوى الظهر وتصحح المسار، وحتى لا يُغتال كل من حمل الرسالة وآمن بها بعيداً عن المصالح الشخصية، فحقه علينا أن نوفيه ذلك..! وإلا سنظل كلما نبني فستهدمها يد الغدر والخيانة ونعيد الكرة من الصفر...! لكن كلا وألف كلا.. فعهدنا أن ننطلق من حيث وقف البطل من هذا التل والمنار العالي، والذي يراه كل أعمى وبصير، وحتى لا يتردد من يخلفه ولا يلين أو يخشى من نفس المصير المشؤوم... لا قدر الله.
وثورة حتى النصر والله من وراء القصد....!
كمال الدين مصطفى
الولايات المتحدة الأمريكية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.