[email protected] أريد أن أرسل نفسى على سجيتها فى هذا المقال، وأن أتنزه عن كل ولاء يجعل يراعى يرتطم بجلاميد العصبية، وأن اصدح بها واضحة جلية، لا التواء فيها، بعد أن اقتحمت جموع العسكر تلك القلعة الحصينة ، وانهالت على طلابها العزل بالضرب والتنكيل. مثل هذه التصرفات الفجة التي تبدر من بعض عساكر الشرطة، ترمض القلب ايها السادة، وتجعل الدمع ينبعث من العيون، فهذا السلوك المشين ينبئُ عن بربرية هوجاء، ولكنه يمسح الكرى عن الجفون، والقذى عن العيون، لأولى الأمر الذين يبدو أنهم أوكلوا أمر رعيتهم لذئاب تدثروا بوداعة الحمل، رجال لهم وجوه بشرية، وقلوب حجرية ، رجال غلاظ الأكباد، تفاقم شرهم، واستطار اذاهم، حتى آل الوضع الى هذه الكيفية التي تمجها النفس الأبية، وينفر منها الحس الشريف . إن الأجهزة الامنية التى يعول عليها حفظ النظام لن يرسخ لها أصل، أويسمق لها فرع، ما لم تستعين برجال موسومين بالعقل والحنكة فى معالجة الدقائق من المعضلات، رجال مجبولين على الرقة واللطف، يحتفون بالمواطن ويكرمون حقه، رجال شابت نواصيهم فى العلم، وليس على طغمة لا حظ لها من حصافة الذهن، أو رجاحة العقل، إلا النذر القليل، تجد بعضهم غاية فى الغثاثة والهزال، جلّ ما يملكه عقلية ضحلة خرقاء، لا تجيد غير تنفيذ الأوامر التى قد تصدر من صاحب فكر منخوب، فتقدم عليه بشغف بالغ، وهوىً موتور، فتقيد أيادى بعض الطلاب بالأغلال، وتنهال على بعضهم الآخر بالهروات، لا لشيء إلا لأنههم دافعوا عن حقهم فى التعبير، ونافحوا عن أمر كفله الدستور، فاقامة الندوات السياسية وتكدس الطلاب في أركان النقاش، وانخراطهم في صيال عقلي مؤطر بالحجج الدامغة، والسلوك الحضاري داخل سياج الجامعة، أمر لا غضاضة فيه، ولا يتنافى مع اللوائح القانونية التي تسوغ للعسكر باقتحام جامعة الخرطوم العريقة وترويع طلابها الذين تعاطفوا مع وفد المناصير القادم، و قضية المناصير مادة الصحف والمجلات، ومحور الخطب والمحاضرات، ما الذي يمنع أهل النبوغ والذكاء الثاقب بتداولها وتقليب أوجه الرأي فيها. اننى ما زلت أذكر ذلك اليوم الذي قادتني فيه قدماي لمخفر تلك الولاية التي نشأت بين حناياها لتحرير بلاغ عن جنسيتي الضائعة، قتلقتنى ثلة من جموع العسكر بوجهِ عبوس متجهم ، وسرت إلي غايتى بخطى وئيدة، وجنان يمور بالغضب، من وخز تلك النظرات التي أثارت حفظيتي، وما أن وصلت إلي تلك الطاولة التي يقبع خلفها رجل كالح الوجة، مقطب الجبين، تراصت خلفه أخياف من البشر، فى مكان ضيق عطن، ضُرِبَ حولهم بمقامع من حديد، ومزاليج ضخمة ينوء بحملها أولوا العصبة من الرجال، حتى وجدت ذلك الرجل المكفهر الوجه ينظر الىّ شذراً ويسألني بصوت أجش عن السبب الذي حدا بي للقدوم هنا، هذه الكيفية التي يلقاك بها بعض العسكر في بعض مخافر الشرطة تذهل عقل الحصيف، وتجعلك ترفع حاجبك من الدهشة، وتتساءل في براءة عن الجريرة التي اغترفها، أو الذنب الذي أرتكبته... وبعد دقائق حسبتها دهور أحالنى العسكري الحانق لآخر حدجنى ببصره فى احتقار، وكلمنى ببعض شفتة في ازدراء، وحينما طلبت منه فى لطف بالغ، وأدب جمّ توضيح بعض ما أُشكِلَ علىّ انخزل عن جوابى، ولم يحفل بي، فآثرت أن أغادر المخفر مسرعا قبل أن (يطقَ ) لى عِرق من الكدر والغيظ، وذاكرتي الخربة التي تعجز عن حصر مقتنياتي هي التي دفعتني للعودة مرة أخرى لمخافر الشرطة، فعدت بعد عقد ونيف لمخفر آخر في مكان بينه وبين ولايتي التي تحررت من ربقة الاستبداد فراسخ وأميال، فوجدت أحلاما جزلة، وثغور تومض بالابتسام، ومعاملة رقيقة الحواشي، أتحفني بها أفراد مخفر حلة كوكو، فلهم التجلة والاحترام. إن ازدراء المواطن، وهضمة حقوقة، إن كان عقيدة مغروسة، وتقاليد موروثة فى الأنظمة البائدة، ينبغى الا يكون كذلك لنظام اتى لانصاف المواطن، ورفع الغبن عن كاهلة، فلقد تهللت اسارير هذا الشعب حينما علم أن دفة الحكم قد تغيرت وذهب عبث الأحزاب وفوضويتهم إلي الأبد واتت مجموعة من الشرفاء عُرفوا بالتقى والورع، وجاهدوا فى الله حق جهاده..جاءت هذه المجموعة لارساء دعائم العدل وتطبيق شرع الله فكيف تحولت الامور رأسا على عقب وأضحى الجهاز الذى يعزز الأمن ويبسطة هو من يخلق الفرق والروع؟ هذه الصور لها اشباه تفوق الاحصاء فى مختلف الدول العربية والإسلامية التى تنظر الى المواطن كما ينظر الرجل الى قلامة ظفره، فى هذه الدول ما يتبرم فرداً من الضيم الذى لحق به ويعبر عن امتعاضة من عنت الجموح والطغيان، الا ولقنتة دروع الشرطة أصنافاً من الأذى والهوان وأحالت حياتة إلي جحيم هذا إذا كتبت له الحياة، تفعل كل ذلك الشرطة ضاربة بقيم الانسانية والدين عرض الحائط، لا تخشى رقيباً أو حسيب سوى النظام القمعى الذى تروقة مثل هذه التصرفات، فاستمرار وتيرتة تكمن فى الضرب بيد من حديد، ونحن نربأ على نظامنا الحاني أن يتسنّ بسنن الذين من حوله وأن يدرأ على نفسة تلك القالة السيئة التى جاء بها بعض المنسوبين إلي احدى الأجهزة الأمنية وأن يجتث بائقة تلك الناجمة، ويطهر كل الأجهزة ممن هم على شاكلتهم، حتى لا تغدو الفتنة فينانة الافرع ريا الأماليد. فلتتق الله الدولة فى الطالب و المواطن، ولتحاسب الجناة الذين أقدموا على ضرب الطلاب وترويعهم داخل جامعتهم العريقة، نصرة للحق، وقمعاً للباطل، وأن يتكرم السيد الرئيس بالتفاتة إلي الأجهزة الأمنية تردها إلي الصواب، فهى لعمرى إذا استمرأت هذا المسلك المشين لن تستطيع أن تبذر غير الخلاف، ولا أن تحصد غير الضغينة.