هل ننبذ هذا النوع من الكتابة الصحفية؟ رشيد خالد إدريس موسي [email protected] تدنت لغة الخطاب في بلدنا تدنياً ملحوظاً في السنين الأخيرة. و من ذلك ما يلاحظه المرء, من تدن للغة الخطاب الصحفي. يتمثل هذا التدني في ركاكة التعبير و في جلافة القول. الصحافة هي مرآة , تعكس المستوي الحضاري للبلد. و هي بجانب سائق التاكسي و رجل الشرطة, تعد مقياساً لهذا المستوي الحضاري للبلد. سائق التاكسي ينقل الزائر الأجنبي إلي حيث يريد , و يسمع منه ما يفيد إن تحدث إليه. و رجل الشرطة و مظهره, ينبئي عن حالة الأمن في البلد. و الصحافة تنقل إليه ما يدور من أحداث , و تعكس له صورة عن المستوي الثقافي للبلد الذي يزوره. ما يهمني في هذا المقام, هو إسلوب الكتابة الصحفية الذي بدأ يسود في السنين الأخيرة. هذا إسلوب لا يشرف الصحافة السودانية, التي تتمتع بتاريخ عريق , و كتاب عريقين, تعلمنا مما يكتبونه. لكن يلاحظ القارئ, أن هناك كتاباً ظهروا في الفترة الأخيرة, و يبدو أنهم يستعجلون الشهرة. و لتحقيق هذه الشهرة, تنكبوا أقصر الطرق وهي إثارة بعض الفقاعات الصحفية, لكي يلتفت الناس إليهم و يمجدونهم. لكن هذا غير صحيح. لن يحترم القارئ ما يكتب, إن لم يجد فيه أدب, دعك عما يكتب من أفكار, إن كانت هناك أفكار تنشر, بل سينصرف إلي غيره من وسائل المعرفة و التثقيف. أذكر أني و في بداية التسعينات الماضية, كنت أكتب بعض الموضوعات الإقتصادية, من حين لآخر في صحيفة الإنقاذ الوطني, و كان مقرها في شارع الجامعة و بالقرب من المعهد الذي كنت أدرس فيه. و أخري تسمي السودان الحديث. إستدعاني ذات يوم, رئيس مجلس الإدارة لصحيفة الإنقاذ الوطني و إسمه سيد الخطيب. طلب مني أن أتعاون معهم و أكتب مقالاً بصفة راتبة, في كل يوم أحد , ينشر في صفحة الرأي و بمقابل. تعاونت معهم لمدة من الزمن. و ذات يوم دخلت علي نائب رئيس مجلس الإدارة لأعرف كم هو حقي. لكنه قابلني و هو متجهم و إنفعل و أسمعني كلاماً فارغاً لم يرضيني و كأني طلبت شيئاً لا إستحقه. خرجت في هدوء و قلت لن أتعاون مع هذا المستوي. إن الشهرة لا تأتي ضربة لازب, و لا بالتملق و المداهنة و إفتعال المعارك الصحفية في غير معترك, هنا و هناك , مثلما كان يحدث في مجلة الرسالة المصرية, في الأربعينات الماضية, بين كتاب أدباء, مثل طه حسين و عباس العقاد و زكي مبارك. كان أشهرهم و أكثرهم هجوماً وعنفاً علي منتقديه , الدكتور أو الدكاترة زكي مبارك, حتي سموه الملاكم الأدبي. هل نحن في حاجة إلي ملاكمة أدبية من نوع آخر ؟ تأتي الشهرة عن طريق التميز و التفرد للكاتب. و هذا لا يأتي من فراغ, بل يأتي عن طريق التعلم و الإضافة و التثقيف الذاتي. أنظر إلي الأستاذ محمد حسنين هيكل, عملاق الصحافة العربية و كيف تفرد و إحتل هذه المكانة. لم يحصل هيكل من التعليم النظامي, سوي الشهادة الثانوية التجارية. لكنه أخلص لمهنته كصحفي وواصل تعليمه و تثقيفه الذاتي فتميز و تفرد. أقصد أن المسألة ليست بالشهادات وحدها, و ما أسهل الحصول عليها في هذه الأيام, لكن هناك صفات أخري Qualities تجعل من هذا الصحفي متفرداً عن غيره. يقف علي رأس هذه الصفات, ضرورة مراعاة أخلاقيات المهنة و الإلتزام و العمل الدؤوب لكي يصل المهني أياً كان, إلي مبتغاه. إن حال بعض الكتاب الذين ظهروا في الفترة الأخيرة, يشبه حال بعض الكتاب في دولة مجاورة. تراهم يفتعلون المعارك الصحفية, بينما لا يوجد موضوع يشغلهم. ما يهمهم, هو نفض الغبار عن نفوسهم و تحقيق الشهرة. يكتب أحدهم , و هو كاتب مغمور, يكتب مقالاً مشاتراً , فينبري له كاتب آخر و حسب المسرحية التي أعدوها سلفاً, يهاجمه بإسلوب قاسي, لكي يلفت أنظار القراء. لكن يتضح بعد حين, أن المسألة تمثيل في تمثيل و معركة في غير معترك. أكتب هذا بمناسبة ما قرأته من هجوم, شنه صحفي علي صحفي آخر , زميل له في المهنة. كتب ضياء الدين بلال : الهندي عزالدين , قذافي الصحافة السودانية. تساءلت بعد قراءتي للمقال : هل نحن في حاجة إلي قذافي آخر, أم هو إنفعال كاتب دفعه إلي الهجوم علي زميله و رميه في القاع بتشبيهه بسئي الذكر معمر القذافي ؟! متي نمسك عن هذا العبث الذي يحدث علي صفحات الصحف اليومية ؟ أين الجهة المسئولة عن الرقابة الصحفية ؟ بل أين مدونة السلوك المهني Code of ethicsالتي تلزم الكتاب بمراعاة لغة الخطاب الصحفي و هم يكتبون للقارئي ؟