كل ما يكتبه الكتاب والصحفيون، في الأعمدة، وفي صفحات الرأي، قابل لأن يكون غير صحيح !! الكتاب لا يأتون بحديث منزل، ولا هم أذكى من القراء، بل إن الكثير من القراء يملكون أمخاخا، أثقل ميزانا، وأنصع رؤية، من تلك التي يحملها الكتاب والصحفيون في أدمغتهم، والفرق فقط، أن الصحف فتحت ذراعيها لمن يكتبون، بعد أن وجدت فيهم الريادة والاحترافية، دون أن تجرؤ صحيفة عاقلة على القول بأن كتابها يملكون القول الفصل، أو أنها تملك الحقيقة المطلقة التي لا يعتورها باطل، أو يشوبها نقصان ! الكتاب والصحفيون أصحاب وجهات نظر، هم يتابعون الأمور، ويتفحصونها، ويخرجون منها بالغلة، إنهم يفعلون ذلك لا استعراضا للعضلات، ولا حبا في الشهرة، بل يبحرون، ويغمسون أنوفهم في كل شيء، أداء لعمل أحبوه، وانتظارا لمكافآتهم الشهرية التي تقيهم من الموت جوعا ! أكثر الكتاب والصحفيين، يعلمون في قرارة أنفسهم، أن ما يكتبونه هو ملمح، مجرد ملمح، من حقيقة كبرى لا نعرف كنهها وتفاصيلها، ولذلك فالعاقل منهم من يحتفظ بخط الرجعة، ولا يرمي بنفسه في أتون التشدد، ولا ينفخ نفسه كالقط الذي يظن نفسه أسدا في غير معترك. صديق مصاب بفايروس الصحافة، أبحر في محيطاتها سنوات طويلة، قال لي ذات مرة إنه لم يخش يوما سطوة رؤساء التحرير، ولم يشغله الهم من انقطاع رزقه .. إنه يخشى شيئا واحدا، هو أن يرمي بثقله فيما يعتقد أنه الصحيح، فتكون (الفجيعة) حين يظهر خطل رأيه، وشطط ما كان ينادي به !! هو باختصار يخشى القارئ، فالقارئ هو المتلقي، وهو الذي يقتطع من دخله لشراء الصحيفة، وهو الحصيف الذي لا تفوته شاردة ولا واردة، وهو القاضي الذي يحكم على الكاتب .. بالبراءة أو الإعدام !! لكن القارئ ليس قاسيا لهذه الدرجة، فالقراء يتابعون الكثير من خطل بعض الكتاب، وهم أصحاب رؤية باهرة، لكنهم لا يقاطعون كاتبا لتسرعه، أو رعونته، أو ضعف حجته، كل ما هنالك، أنهم يحسون بالرثاء لمثل ذلك الكاتب، خصوصا إذا كان من النوع المنتفش المنتشي (على الفاضي)، وكفى بذلك عقابا لأي راكض في مضمار صاحبة الجلالة. نعم .. ليس بالضرورة أن يكون ما يطرحه الكتاب صحيحا، وليس بالضرورة أن يكون أصحاب الرأي هم منبع المعرفة والحكمة، وطبعا هذا ينسحب على صويحبكم، وعلى ما يهذي به في (تحت الغيم)، لذا، فالعاقل من يقر بأنه مهما عرف من أشياء، فهناك أشياء أخر .. خفيت عليه .. ولا يعلم بها إلا علام الغيوب. افهموها .. يا أولي الألباب !