(كريستيان ديور)، مصمم الأزياء الفرنسي الشهير، ومؤسس أهم بيوت الأزياء في العالم، له في “موسوعة رواد الفكر الحديث” عبارة بليغة، تلخص معاناة النجم مع الجمهور في رحلة الإقناع الطويلة التي تبدأ بالخوف من الفشل، وتنتهي عنده .. يقول فيها : “ .. عندما أقدم موضة العام لا ألتفت ورائي، لأنني لا أقوى على النظر إلى الجمهور .. أولئك “الجلادون الأعزاء” .. الذين نحيا ونموت بهم .. “ ! .. فالرضا – رضا الناس/الجمهور/القراء ..إلخ .. هو ملحمة سيزيف والصخرة .. تذكرت عبارة (كريستيان ديور) هذه، وعبارات أخرى لفنانين وكتاب قيلت في ذات المقام، وأنا أتسكع بالأمس في جادة ال (جي ميل) بمقاطعة (قوقل) ! .. شغلتني شواغل السفر وأشياء أخرى عن تصفح بريدي الإلكتروني بانتظام، وكنت في العادة أخصص يوماً في الأسبوع للرد على رسائل القراء، الجادة، المرسلة لأغراض تتصل بمضمون المقالات .. وجدت سانحة لا بأس بها فعكفت على قراءة الرسائل التي كانت الرسالة (الطريفة) التالية من بينها .. يقول الأخ (الطاهر أمين) المقيم بالكويت مخاطباً إياي (شقية الحال) على نحو خاص، وبقية الكتاب على وجه العموم : (الصحافة عالم رائع وله سحره، وعندما يبدأ الصحفي بمسك القلم ليكتب مقالاً أو موضوعاً يكون سعيداً بما يخطه ويزداد سعادة عندما يجد مجموعة كبيرة من القراء تفاعلوا بما كتبه يسعد الكاتب ويكاد يطير فرحاً، وأنا أقصد المبتدئ وليس الكاتب الممسك بالقلم عقوداً صاحب الخبرة والتاريخ العريق والبصمة الواثقة، الكاتب عندما يبدأ صغيراً يحلم بأن كل العالم يقرأ ما كتبه وإن كان ما كتبه ليس بالمستوى المطلوب، وهي ككل بداية تكون متواضعة وتتطور .. كل شيء يبدأ صغيراً ثم يكبر، ودائماً ما كان الإنسان ضعيفاً لا يقوى على مواجهة بريق الشهرة معظم الناس إلا من رحم ربي، وأنا هنا بصدد الكاتب الذي بدأ صغيراً ثم كبر، حيث عندما يبدأ لا يقرأ إلا لنفسه رويداً رويدا ويخرج للعلن بفعل مداومته على الكتابة ونيل الشهرة، وما أن يصل للشهرة وقائمة من المعجبين والمتابعين، هنا يبدأ الكاتب إحساسه بأنه قد وصل لمبتغاه ويشعر بالفخر والاعتزاز بنفسه ! .. قد ترد عليه مئات الايميلات يرد على البعض ويترك المئات، أنه كاتب الآن ليس كأي أحد، ويزداد الطين بلة إن ظهر على التلفاز، هذا الظهور هي القشة التي قصمت ظهر التواضع ! .. وهناك الكثير من الكتاب المرموقين لهم عقود في مجال الكتابة تجدهم في قمة التواضع ونكران الذات، أما الكتاب السودانيون وأقصد البعض منهم لا يصدقون أنهم بلغوا الشهرة ويشعرون كأنهم من اكتشفوا القمر.. نصيحة لكل الكتاب.. التواضع ثم التواضع ، فأنتم بدون هؤلاء القراء لا تساوون إلا أنفسكم) .. انتهت رسالة الأخ (الطاهر أمين) ! .. سأعقب فقط على الجزئية الخاصة بعدم الرد على الرسائل : أقوم بنفسي يومياً بأعمال الطهي والتنظيف والترتيب في بيتي، لأنني لا أملك (خادمة)، ناهيك عن فروض راحة الزوج العزيز، ومتطلبات “حُسن التبعُّل” ! .. ثم أقوم بنفسي بعيادة المرضى وأداء واجب العزاء في الموتى، وكافة الواجبات الاجتماعية لأنني لا أملك (حاشية) .. ثم أقوم بنفسي أسبوعياً بالرد على المئات من رسائل القراء لأنني لا أملك (سكرتيرة) .. ربما لذلك أعجز عن البقاء دوماً عند حسن ظن الجميع ! .. هذا هو يا سيدي جوهر الفرق بين (المغرورين) و(المطحونين) .. فهلا عذرتنا ؟!