بسم الله الرحمن الرحيم قراءة في قصة ( أبواب ) للقاصة رانيا مأمون عروة علي موسى ،،، [email protected] جاءت القصة رواية من القاصة إذ أنها أي الراوية هي من يحرك الأحداث والشخوص ويخلق الحوار بالسرد المباشر المتحول بالضمير الذي يناسب الحدث الذي تتحدث عنه الراوية ولا ضمير هنا غير ضمير المتكلم في الشخوص الذين يشكلون سداة القصة ولحمتها ، وقد اعتمدت القاصة القص والسرد بضمير المتكلم ، وضمير المتكلم يبعد القارئ عن تشتت ذهنه ويجعله منساقا وراء شخصية واحدة محددة ماسكة بزمام الأمور حركة وحواراً مما يجعل دور القارئ متلقياً لسرد قادم من شخص واحد دون عناء التركيز لتحديد رؤية الراوي أو البطل أو القارئ نفسه عندما يكون القص بضمير الغائب .. وهنا تكون القاصة / الراوي قد خففت هذا العبء عن القارئ ليجد نفسه مهيأ للقراءة ، ويساعد على ذلك أسلوبها التشويقي المدهش والمحرض لمواصلة القراءة لمعرفة القادم ، واستخدمت القاصة حركتين أساسيتين للسرد هما الاسترجاع والاستباق : استرجاع البطل لحاله الآني والتفكير في مستقبله ومستقبل أولاده ، والاستباق باستشراف ما هو آت عندما يظفر البطل بالوظيفة ويلج باب رجال الأعمال ... وبذا تكون القاصة قد نجحت فعلاً في أسر القارئ وحبس عيونه بين سطور سردها الذي جاء واقعياً لمشهد مألوف لدى أهل الهامش سواء الذين يعيشون في الأرياف أو على أطراف المدن كحال بطلنا في القصة ، وهذه تعتبر محاولة لتسليط الضوء على حال هؤلاء المعدمين ، وعلى الشطحات الاقتصادية التي حدثت للبعض فجأة دون سابق إنذار ، وهنا لابد إلى القول بأن القاصة / الراوية هي من تتدخل لتبيان ذلك حينما تقول : ( هؤلاء الذين يظهرون فجأة أغنياء ويُعتمون على تاريخهم فلا يُعلم سوى أنهم رجال أعمال.. كيف ومتى ..؟ لا أحد يعلم ) . فلنحظ هنا بهذا الطرح كأنما القاصة / الراوية قد أرادت توضيح أشياء مهمة هي : الأول الوعي المستغل ( بكسر الغين ) ويتمثل في صاحب الشركة ، والثاني : الوعي المستغل ( بفتح الغين ) ويتمثل في بطل الحكاية ، والثالث : الوعي الضد ، فهو وإن جاء على استحياء وتشكَّل لنا من خلال ما قدمته الراوية / القاصة باستهجانها لتلك الطفرات الاقتصادية للبعض والغير مسببة ، فقد عمدت القاصة على إظهار هذا الوعي اعتماداً على منظر وجمال ومتانة باب مكتب رجل الأعمال وعقد مقارنة خفية بينه ، وبين ما رسخ في ذاكرة المتلقي كحال باب حمام بطلنا مع العلم أن الأخير أولى بالستر والحماية ... ويشارك هذا الوعي الأخير وعي يبدو بعيداً كالأماني وهو حتماً كذلك ، وذلك عندما يسرح البطل مع خياله ويقول أنه سيغير وسيغير وو ... ، فهذا وعي يتطلع للمستقبل لأنه يسعى إلى تحقيق العدالة بالرغم من افتقاره للقوة في مواجهة شجع كبار رجال الأعمال ... زمن القصة كما تتبع المتلقي هو صباح معتاد ليس للبطل ولكن لكل من هو ضمن شريحته الذين يتشابهون في المعاناة في الحصول على أبسط الضروريات كالماء والغذاء وسهولة التنقل ، فالقصة تعتمد السرد الكرونولوجي، بمعنى أن توالي الأحداث فيها يأت وفق تسلسل زمني متصاعد يسير بالقصة سيراً حثيثا نحو الخاتمة المرسومة بدقة . مكان القصة رغم أن القصة لم تذكره ولكن يمكن التعرف عليه دلالياً حيث تشير إليه الصورة التي تخلفها لغة الحكي وما ينشأ عنها من بعد ، حيث يرتبط بالدلالة المجازية بشكل عام فعندما نقرأ أن باب حمام البطل لا يكاد يستر نعرف أن المكان هامش من هوامش المدينة ، ولكن عندما نرى باباً جميلاً ومتيناً وفخماً ينتقل بنا المشهد إلى المدينة .. فالمكان الدلالي هنا هو الهامش عموماً جعلته القاصة يتسم بالقهر والحرمان ، والمكان الدلالي الآخر المدينة ، وهي التي تمارس هيمنتها وسيطرتها على الهامش من خلال هيمنة أصحاب الأموال على المعدمين . ثمة شيء مهم في القصة هو عنوانها ( أبواب ) وتعدد الأبواب في القصة : باب الحمام .. باب الحوش .. باب الحافلة .. باب الشركة .. وأبواب المنى لدى البطل حينما توجه لمقابلة صاحب الشركة .. فالعنوان ( أبواب ) هو دعوة من القاصة / الراوية لفتح الأبواب الموصدة والتي يغفل عنها الناس والتي تتمثل في حياة الحرمان والقهر التي يعشها أهل الهامش ، فلك أن تتخيل باب لحمام لا يكاد يستر من بداخله ، فمجيء العنوان على حال النكرة ( أبواب ) هي أسئلة كثيرة تضعها القاصة أمام المتلقي ليبحث معها على إجابات .. ويجتمع باب الحوش العصي وباب الحافلة المعتدي على قميص بطلنا الواحد في الدلالة على الكبد والمشقة لهؤلاء الناس عند الخروج إلى البحث عن لقمة العيش الشريف ، فهم في ذلك يعانون سيل من المضايقات ، ورغم ذلك يحلمون .. وتبقى دلالة باب الشركة هي نفوذ البرجوازية البيروقراطية ،ومحسوبية الحاكم في السماح لمثل هؤلاء بالتسلق والعلو على كواهل المعدمين من أهل الهامش . استطاعت القاصة / الراوية عرض فكرتها بصورة جيدة مبتعدة قدر الإمكان من طرح رأيها تاركة الأمر برمته في ملعب القارئ ليحدد ما هي وسيلته لمعالجة مثل هذه الأمور ، وعليه يمكن القول إن القاصة / الراوية كانت حيادية ولم تستغل السرد القصصي لطرح المعالجة وفق ما تؤمن به حتى تبعد القصة من أن تكون مجرد مطية لطرح شعارات ، مع الإشارة إلى أن هذه ( الأبواب ) جاءت ناضجة فنياً من حيث الأسلوب ، وطريقة السرد ، وبراعة الوصف ( لباب حمام البطل ، وحال باب حوشه ، وقميص البطل وغيرها ) وومن حيث اللغة ، والتوظيف الجيد لفكرة الأبواب بجعلها وسيلة للبحث عن المسكوت عنه ... عروة علي موسى ،،،