[email protected] هبت نسمات الربيع العربي في البدء لتنعش تخوم الصمت وتوقظ الحس الخامل للشعوب المغلوبة على أمرها لكي ترفع صوتها مطالبة بحقها في إحداث بعض التغييرات الرامية لتذوّق طعم الديمقراطية والعدالة الاجتماعية التي حرمتها منها أنظمة جاثمة على الصدور لعقود طالت واستطالت حتى أصابها الغرور فتفرعنت وشرعت تعد العدة للتوريث والإستمرارية0 ونتيجة للمعالجات الجائرة لبعض الأنظمة التي أصابها الدوار والهذيان، تحولت نسمات الربيع إلى رياح خماسين وزوابع رعدية عالية النبرة قوبلت بإقحام البلطجية والشبيحة وما تبع ذلك من استخدام طائش لوسائل قمعية مسلحة لم تفلح في إسكات أصوات المطالبين بالتغيير0 ولأن العالم قرية صغيرة كان لوسائل الإعلام الدور الكبير في نقل تطورات الأحداث لحظة بلحظة مما أغضب تلك الأنظمة فاتجهت إلى محاولات لتعتيم الخبر عبر طرائق شتى منها التشويش على وسائل البث الفضائي وصولاً للتغييب الكامل لبعض القنوات الفضائية التي تغلغلت كاميراتها وأنوف مراسليها وألسنة محلليها لعكس تطورات الأحداث، لأن في ذلك ما يفضح أبواق إعلام الأنظمة المضلل أو لنقل ذلك الذي يعكس صوراً مغايرة للواقع0 لم يكن سلاح التشويش يشكل هاجساً للمتلقين حتى عهد قريب وكانت بعض الجهات تلجأ إليه في البث الإذاعي بإطلاق محطة إذاعية على ذات التردد المستهدف فتتداخل الأصوات والأنغام والصفير والنعيق مما يسبب ضيقاً يجعل المستمع ينصرف بحثاً عن القنوات الصافية دون شوشرة وتعكير لوضوح البث الصوتي بخلط أصوات خارجية معه0 وحين انتشرت القنوات الفضائية نشأت اتفاقات بين الجهات المالكة للأقمار الصناعية وتلك القنوات المستفيدة من خدماتها التي نادراً ما تنقطع إلا بسبب عدم الوفاء بالالتزام التعاقدي0وكان المتلقي في كل الأحوال التي يغيب فيها البث الفضائي، يرجع ذلك لعوامل تقنية أو مصاعب فنية ولا يملك إلا الانتظار لإصلاحها بواسطة الجهات المرسلة0 لكن فيما بعد اتضح أن الأنظمة التي تفور بالقلاقل برعت في ابتداع قدرات فائقة تطال حتى حيادية الأقمار الصناعية ذاتها منعاً للقنوات التي تبث من خلالها وذلك عبر التشويش الذي يجيء كرد فعل لأداء أي قناة خارجة عن الطاعة0 وحتى هذه الأيام بعد أن هدأت أكثر من جبهة صراع لا زال التشويش سيد الموقف مما دفع القنوات إلى محاولة تفادي التشويش بتغيير الترددات من حين لآخر وهو أمر مرهق للمشاهد فضلاً عن أنه لن يكون الحل الجذري بحسبان أن الذي استطاع التشويش من قبل يمكن أن يفلح في المرة الثانية أيضا0ً ومثلما يحدث في عمليات القذف العشوائي من موت للأبرياء والمدنيين والأطفال والنساء، يحدث أيضاً تشويش لبعض القنوات التي تبث على ذات التردد الذي تستخدمه القنوات المستهدفة، فما أن يفلح التشويش على الجزيرة والعربية حتى يطال قناتنا الفضائية الرسمية وغيرها رغم ابتعادها عن ميدان الصراع وسكوتها عن الخوض في مزالق الانحياز0 لقد أزعج أمر التشويش الشركة العربية للاتصالات الفضائية (عربسات) وكذلك (نايل سات) وسبق أن تحرتا على اثر التشويش الشهير لقنوات الجزيرة خلال مباريات كاس العالم الأخير لتكشف الدراسات الدقيقة التي قامت بها جهات متخصصة، مواقع تلك الجهات المتسببة في التشويش0 وقد حدث نفس الشيء خلال الانتفاضات الثورية في تونس ومصر وليبيا إذ توصل المختصون إلى وجود مكاتب داخل هذه البلدان تقوم بالتشويش بمهارة0 إلا تشكل هذه القرائن مادة للمقاضاة طالما أن الدلائل تشير إلى الجهات التي تقوم بالتشويش والشوشرة وكلاهما مسلك لا يحترم حرية التعبير؟