[email protected] كان رجل الشرطة ( البوليس ) والعسكريون عموماً الى وقت قريب يتمتعون بالإحترام الذى يسبغه عليهم كافة أفراد المجتمع لما يتصفون به من انضباط فى المظهر والمخبر ، ولما تنطوى عليه مهنتهم من تحديات ومخاطر قد يدفعون حياتهم ثمناً لها أحياناَ . وكان الأطفال الصغار عندما يسألون عن ماذا يريدون أن يكونوا في المستقبل تأتيك الإجابة جاهزة و سريعة : ضابط أو دكتور. ولا شك أن كلتا المهنتين تتعلقان بحفظ أرواح وأمن وممتلكات المواطنين . وغنى عن الفول أنه لا يمكن إيجاد حياة مستقرة هادئة وهانئة دون توفر الأمن والطمأنينة في المجتمع . ولم يكن الشرطى فى يوم من الأيام في بلادنا هذه ، مصدر تهديد أو خطر على المواطنين ، بل العكس هو الصحيح ، فأينما وجدت الشرطة حل الأمن و الأمان والإطمئنان في نفوس المواطنين . وحيثما شوهدت الشرطة اختفت بالتالى مظاهر الجريمة بشتى أصنافها وأشكالها . وكنا نظن حتي وقت قريب أن رجال الشرطة والمباحث والأمن مسلطون فقط على تجار العملة ومجرمى غسيل الأموال والمزورين والمهربين الذين يخربون اقتصاد البلاد ، كما أنهم عين ساهرة على أوكار الرذيلة والمخدرات وكل ما يهدد حياة المواطن من جنس ما أشرنا إليه من المصائب . ويبدو أن الحال قد تغير في السنوات القليلة الماضية ، وأصبحت الشرطة ومثيلاتها من الأجهزة الأمنية الأخرى ، تنفذ أجندة ومأموريات ليست لها علاقة بالأهداف السامية التى أنشئت من أجلها ، بل أصبحت تمثل في حد ذاتها خطراَ شديداَ على حياة المواطن وسلامته. وارتكبت الأجهزة المذكورة – ونخص الشرطة موضوع مقالنا - العديد من التجاوزات بما في ذلك القتل ( كما في حالة الشهيدة الشابة عوضية عجبنا التى اغتالتها الشرطة بدم بارد ناحية حى الديم بالخرطوم مؤخراَ ) ، ولم يجد المواطنون من الجهات المختصة إلاّ التبريرات السخيفة التى أقل ما يقال عنها ﺇنها تحمى المتجاوزين بل وتشير لهم من طرف خفى أن يمعنوا في غيهم ويزدادوا طغياناَ . ونحن هنا ومن هذا المنبر لا نلوم صغار الضباط والعساكر ومن لف لفهم ، وانما نلوم السيد وزير الداخلية وكبار قيادات الشرطة على تقصيرها في تطبيق القوانين على منسوبيها ، أو عدم حرصها على أن يتلقى منسوبوها التدريب والتعليم اللازم الذى يمكنهم من تحمّل أمانة أمن المجتمع وهى أمانة لو تعلمون عظيمة ، أو عشرات الأسباب الأخرى التى تضع السيد وزير الداخلية وكبار قياداته في موضع الإتهام والمسئولية . ولازلنا نشاهد مظاهر اللامبالاة والتسيب من الشرطة كل يوم سواء من شرطة المرور أو شرطة الجبايات والأسواق أو شرطة المجتمع أو غيرها من منسوبى الشرطة ، ممن يتضاحكون مع سائقى الحافلات والبصات ، ومن يأكلون معهم على قارعة الطريق ، ومن يجلسون مع بائعات الشاى باللبس الرسمى ، والمهلهلون زياَ وهنداماَ ، و المتشددون ببذىء الألفاظ والعبارات في غير ما حاجة إلى ذلك ، وغير ذلك الكثير. ولا أعتقد أن السيد وزير الداخلية يعلم أن المواطنين اليوم يخافون من الذهاب الى مراكز الشرطة للشكوى وخاصة النساء لأنهن غالباً ما يسمعن ما لا يرضيهن من الجهة التى من المفروض أن تحميهن من تغول المتغولين وتطاول المتطاولين. وإننا هنا لانحاول قطعاَ أن نركب الموجة ونتخذ من إستشهاد بنتنا عوضية عجبنا معبراَ لننتقد منه الحكومة ، فالحكومة لها من السلبيات والمساوىء ما يشيب له الولدان وما لا يحتاج منا ضرورة إزهاق نفس بريئة لإيجاد المبرر لاستعراض هذه السيئات ، ولكن الشىء بالشىء يذكر ، وﺇن فشل الشرطة في القيام بواجبها هو بالضرورة فشل للحكومة ، فهذا الشبل من ذاك الأسد. ﺇضافة الى أننا ننطلق من واقع المسئولية كأفراد نعيش في هذا المجتمع ونود أن نرى الشرطة تؤدى دورها الإنسانى الكبير في حماية هذا المجتمع وهى بكامل هيبتها ورصانتها التى ورثتها من أجداد وآباء لنا نفخر دوماَ أن نكون مثلهم . وحيث أننا نثمن الدور الكبير الذى تقوم به الشرطة في كافة أرجاء القطر وفى مناطق العمليات تحديداَ وهم من بسطاء هذا الشعب الأبى ، الاّ أننا نعيب عليها الدور المتهالك الذى رضيت أن تقوم به فى المدن مما أذهب هيبتها وأفشلها فشلاَ ذريعاَ من حيث قناعتها بالقيام بالوضيع من الأعمال التى أسندت لها كجلد النساء في الهواء الطلق وممارسة الرقابة والتحسس والتجسس غير المبرر على المجتمع البائس الفقير في حركاته وسكناته وأرزاقه وأفراحه وأتراحه ، فيما عجزت كل العجز أو غضت الطرف عن القبض على مجرم واحد من كبار المجرمين الذين تعج بهم البلاد من كل شكل ولون مما يعنى أن دورها قد تقلص وتحدد ورسم لها مسبقاً بعد أن تم إفراغها من الكوادر المؤهلة التى ذهبت مبكياً عليها شأنها في ذلك شأن غيرها من المؤسسات الحكومية التى تم نحرها نحراَ جهاراَ نهاراً بدعوى الصالح العام ليصفو الجو للصوص وسارقى قوت الشعب . إن الشعب اليوم وبالذات في العاصمة الخرطوم بات لا يأمن على نفسه ليس من قطاع الطرق والمجرمين فحسب ، بل من أفراد الشرطة أنفسهم الذين لا يتورعون عن إفراغ بنادقهم الآلية على جمع من الطلبة الذين حلسوا يتسامرون أو التحرش بنفر من النساء يمشين في الشوارع لتخفيف الوزن وتنفيذ ما أمر به الأطباء من ضرورة الحركة أو لأى سبب من الأسباب ، فالمشى أو الجلوس في الشارع ليس بجريمة على حد علمنا. ولا ينبغى أن يغيب عن المسؤولين أن الشرطة تتمول و تتمون من أموال الشعب لتحمى الشعب وليس لتستقوى عليه بلا مسؤولية أو وازع من قانون أو أخلاق أو ضمير . إننا نأمل أن تقوم قيادات الشرطة بمراجعة قوانينها ومراجعة حال أفرادها وأن لا ۥتخرج الى الشارع إلاّ ذوى الكفاءة المهنية والأخلاقية . وينبغى أن يدرك الجميع أن استعمال القوة المفرطة مع المدنيين العزل إنما برقى الى مصاف الجرائم ضد الإنسانية ، وهو سيخلق بدوره ردة فعل عنيفة من المجتمع تجاه المتسببين في ﺇيذائه كما حدث في حالة إغتيال الشهيدة عوضية مما يزيد الهوة القائمة أصلاَ بين المواطنين والشرطة اتساعا علي اتساعها بحيث يصبح من المستحيل ردمه أو رتق خروقها ..فهل نعود الى الشعار القديم الجديد الذى يقول أن ( الشرطة في خدمة الشعب ، وليس الشعب تحت حذاء الشرطة ) .