افق بعيد الاختراق فيصل محمد صالح [email protected] هل يبدو أن ما حدث في أديس أبابا من توقيع عدد من الاتفاقات الإطارية، يمثل اختراقا للجمود اتسمت بها مواقف الطرفين؟ على المستوى العملي لا يصح هذا القول، لأننا ما زلنا بعيدين عن المرحلة أو الخطوة التي نسميها اختراقا، لكن من المؤكد أنه حدثت اختراقات للموقف النفسي المتصلب ولحالة العداء البائنة والتي يعبر عها الخطاب الإعلامي. وصلت حدة الخطاب الإعلامي حدا ظن الناس بعده ألا تلاقيا، لكن ها هي الحدة تهدأ ووتبرة التفاؤل تعود ويبدأ الناس في توقع اتفاقات أكثر جذرية وفائدة لمواطني البلدين. حدة الخطاب الإعلامي كانت في حقيقتها حالة هياج غير متبصرة، وغير مبنية على قراءة صحيحة للمواقف، ولا خوف من استمرارها طويلا لأن من بدأوها ظنوا أن الانظمة تريد هذا الأمر، وحالما تبرد الأجواء ويحسون رغبة الأنظمة في التهدئة سيعودون ليكونوا ملوك التهدئة وسيحدثوننا عن النعيم المنتظر من تحسن علاقات البلدين. ولو أخذنا درسا واحدا من مثل هذه المواقف، فهو أهمية ألا يكون الإعلام مجرد تابع للأنظمة ومزاجاتها المتعددة ومواقفها المتفلبة، بل لا بد أن يتمتع بنوع من الاستقلالية والقدرة على القراءة العميقة واتخاذ المواقف الموضوعية. وبدلا من أن تكون بوصلته هي مواقف الأنظمة، عليه أن يجعل مصالح الناس هي البوصلة الحقيقية له، وبناء عليها يقترب ويبتعد من مواقف الأنظمة، محللا ومنتقدا لها، طالما رأى أن ذلك من مصلحة الناس. كسرت هذه الاتفاقيات إذن الحاجز النفسي، وفتحت الباب أمام إمكانية حدوث اختراق حقيقي قي واحد من الملفات المعقدة، ولو كان الأمر بيدي لاقترحت على الوساطة أن تستغل أجواء الهدوء والارتياح هذه ليوقع الطرفان على ميثاق لتنظيم الخلافات بينهما، ووضع إطار فيه الأولويات والكليات التي يجب ألا تمس عند أي خلاف، وتحيد سبل حل الخلافات. سيكون جميلا لو اتفق الطرفان على الامتناع في أي خلاف ينشأ مستقبلا عن استخدام المواطنين العاديين، شمالا وجنوبا، كوقود لهذا الخلاف، والامتناع عن اتخاذ أي تدابير تضر بمصالح المواطنين كنتيجة لهذه الخلافات. ثم يتفق الطرفان على أن يكن خط أنابيب البترول من هذه المحرمات التي يتم الامتناع عن المساس بها أو تهديدها أو تغيير أي وضع خاص بها من طرف واحد. الأولوية الثالثة فتمنح لحركة البضائع والتجارة الحدودية بين البلدين، بحيث ألا توقف ولا تفرض عليها أية قيود تحت أي ظرف. فيما عدا ذلك فليختلف الطرفان حول أي شئ، ثم ليجلسا يتحاوران حول الخلاف وكيفية حله، أو الاتفاق على اللجوء للتحكيم الدولي، وكل أشكال التحكيم الأخرى. ولن نكون في ذلك عجيا، فكل شعوب العالم المتحضر تختلف وتتنازع، ثم تلجأ للآليات الدولية لحل النزاع بطريقة سلمية، وتمضي جوانب التعاون في المجالات الأخرى بسهولة ويسر.