لابد لثورة تغير المفاهيم من ان تحدث الآن دلال الطيب [email protected] ما من أمة من الأمم .. تجد نفسها أمام مجموعة من الخيارات الصعبة .. الا وتشعر بحاجتها الماسة الى من يزيل لها أو عنهاالألتباس , و ينير لها ما يكتنفها من غموض وضبابية , لتتمكن من وضع اليد على أرجح الأحتمالات الممكنة والتي من شأنها أن تجنّب أو تبعد هذه الأمة عن سوء الأختيار و مجهولية المستقبل و غموضه ..ربما يبدو حتي الان ان المستقبل السوداني يكتنفه الغموض فمن خلال متابعتي للمواقع الاسفيرية خرجت بحقيقة مفادها ان الشعب السوداني كغيره من الشعوب الاخري التي قاست من ويلات الديكتاتورية يعيش حالة من التوهان التخبط نتيجة للانفاق المظلمة التي ذجته فيه الطائفية من جهة .. و الدكتاتورية من جهة اخري .. الامر الذي ادي ازمة الحكم نعاني منها منذ الاستقلال و التي ادخلتنا في هذا النفق المظلم ... و السبب في ذلك لا ينحصر في الدكتاتورية او الطائفية الحزبية التي بقدرما هي ازمة شعب بالدرجة الاولي مهد الارضية لنمو الدكتاتورية و الطائفية الحزبية. فالشعب كان و لازال غير فاعل حتي من خلال الثورات و التجارب الديمقراطية البرئية التي شهدها السودان .. حيث انحصر دور الشعب في ثورة اكتوبر في نزع السلطة من حاكم ديكتاتوري و درعها في عبائة الطائفية فكانت ديمقراطية مشوه لغياب الوعي الشعبي و غياب النخبه للدفاع عن مكتسبات الديمقراطية و غياب التفكير .. فالتجربيتن الديمقراطيتن التي شهدهما السودان لم تفلح حتي في وضع " دستور دائم يوضح الصيغة المثلي لحكم بلد تتعد فيه العرقيات و الاثنيات " فحتي هذه اللحظة لايوجد دستور دائم للبلاد و انما كانت تحكم وفق دساتير معدلة مؤقته .. و نتيجة لغايب النخبة الثقافية من ان تلعب دورهاالمجتمعي اصيح الشعب غير فاعل .. بل اصبح يعامل من جانب النخب الثقافية و السياسية كجماهير تشحن وتعبأ و تصفق .. لكي تنتج الأنظمة الاستبدادية التي تعاني منها الجماهير .. مما يعني أن الجماهير و الديكتاتورية و جهان لعملة واحدة .. إذ كلاهما ساهِم في صنع الأخر. و ازمة الاستبداد ليست حكر علي النظم الشمولية هذه .. بل هي ازمة تتعلق بالتربية في الاساس فالشارع العام عندنا لا يقل ديكتاتورية عن الحاكم .. فالكثير من دعاة الديمقراطية لا يقلون استبداد" من الدكتاتورين .. فربما الديمقراطية عندهم مجرد هدف و ليست غاية في حد ذاتها .. وهذا ليس جديداً في الشارع السوداني .. فثقافة الاستبداد متجزه في التربية السودانية و تتغذي منها سواء كان هذا الاستبداد و الوصاية مستند علي مفاهيم شعبية او مستند وفق مفهوم ديني خاطئ لفهم الدين نفسه .. فالمواطن يمارس الاستبداد على زوجته، والزوجة على أولادها، والأولاد على شقيقاتهم البنات، والمعلم على تلاميذه، والمدير على موظفيه، ويمارسها الإمام الذي يخاطب المُصلّين بفوقية من ملك العلم وحده. بينما كانت الديموقراطية هي بنت المجمتعات الليبرالية الحرة الغربية .. و الحقيقة ان هذه المجتمعات الغربية لم يكن لها ان تكون كذلك ما لم تكن جماهيرها هي ديمقراطية في نفسها .. فالديمقراطية كانت و لا يزال الضامن لها الجماهير .. فالارادة الشعبية هي الاساس في ديدن النظم السياسية و التي اذا ما غاب دورها فأن الناتج حتما سوف يكون الديكتاتورية. ربما علينا إذاً أن نفهم أن الثورة الحقيقية، والمطلوبة .. هي ثورة وعي .. و تغيير ثقافي .. و نهوض معرفي .. و ليست مجرد استبدال حاكم بآخر جديد .. الذي هو بدوره سيستبد حتماً ان لم يشمل هذا التغير ثورة علي المفاهيم و الافكار التي انتجت هذا الاستبداد .. السودان الان يقف مفترق طرق .. و النظام زائل لا محالة .. و لكن يبقي السوال .. هل نحن مستعدين للديمقراطية .. بل هل الديمقراطية و دولة القانون و المواطنة هي في مخيلة الجماهير. ما اشاهده من خلال ردود الافعال في المواقع الاسفيرية عباره عن ملامح لثورة الغرض منها فقط الانتقام من الكيزان .. دون ادني مناقشة .. ماذا بعد الكيزان ? .. هل دولة القانون و المواطنه هي الدافع الذي ينشهده الجميع .. ?? ام ان الثورة التي يتحدث عنها الان هي مجرد ثورة جياع الغرض منها تصفية حسابات .. ?? لابد من نقد الذات و الاعتراف ان البديل الذي ننشده ليس محصور في شخص اشخاص بقدرما ان البديل هو نظام حكم يضمن لنا عدم تكرار الفشل مرة اخري .. فأي تغير ما لم يشمله تغير علي مستوي المفاهيم و الوعي فأننا سوف نتج نفس المشكل الذي ما زالت تعاني منه البلاد منذ 56 عام مضت هي عمر الاستقلال المدعاه .. فبنفس هذه المفاهيم السائده لو تسلم الحكم اي كائن من كان لن يختلف كثيراً عن الكيزان .. و هذا ليس انتقاصاً من الثورة او الإساءة لها من حيث ضرورتها التاريخية، و لكن لأن هذه هي ثقافتنا السودانية و هذا هو موروثنا، و تراثنا، و"جيناتنا" في الحكم و السلطة.