عبدالله مكاوي [email protected] بعد اتفاقية نيفاشا تنفسنا الصعداء وشعرنا ببصيص الأمل يلوح بعد سنين مريرة من الحرب المجنونة والمدمرة وداعبت مخيلتنا الأحلام الوردية بدنو السلام المستدام وأننا سنودع الحرب والقتال والصراع العبثي كوسائل متخلفة لحسم الاختلاف الي الأبد خاصة بعد المجهود الجبار الذي بزل لانجاز الاتفاقية من قبل كل الإطراف المشاركة في الداخل والخارج لإنهاء أطول حروب القارة ومما شجعنا علي مواصلة التفاؤل مستوي القبول الواسع الذي قوبلت به الاتفاقية بالرغم من بعض الانتقادات الموضوعية التي وجهت للاتفاقية مثل ثنائية الاتفاق ( بين الحركة الشعبية التي لا تمثل وحدها كل أطراف الجنوب وكذلك المؤتمر الوطني الذي لا يمثل كل الشمال إضافة لقيامه بانقلاب علي السلطة الشرعية) واستبعاد بقية الأطراف مما خلق شعور بالإقصاء لمكونات أساسية للفاعلين السياسيين علي الأرض بالإضافة الي أنها لم تخاطب جذور الأزمة الحقيقية بصورة جلية وواضحة وعدم وجود آليات فعالة تضمن تنفيذ ما اتفق عليه بالتواريخ المحددة في صلب الاتفاقية ووجود مرجعية تحسم التضارب في التفاسير من كل طرف تجنبا للشياطين التي لم تفارق الاتفاقية قيد أنملة خاصة علي مستوي نظام الحكم و كيفية المشاركة والتوزيع العادل للثروة بصورة تراعي التفاوت الكبير بين الأقاليم والتضحيات الجسيمة التي قدمت من قبل الهامش وحقوق المواطنة في حالة الوحدة وتبعات الانفصال كالحدود والديون و ورعاية المصالح المشتركة وحقوق المواطنين في كلا الدولتين، واكبر مقلب تضمنته الاتفاقية كان كتابة عمر جديد لهذا النظام ومنحه شرعية لا يستحقها بعد فشله الذريع وسوء إدارته للدولة طوال وجوده الأليم في السلطة. وقبل الجميع بهذا الوضع من اجل الهدف السامي ألا وهو إيقاف الحرب والقتل لأن حق النفس البشرية في الحياة مقدم علي كل أمر آخر كما تنص الشرائع السماوية والقوانين الوضعية والفطرة السوية ولأن الاتفاقية أتاحت السلام وبالتالي الفرصة لاختبار الوسائل السلمية والحضارية لحل النزاعات كالحوار والندية واحترام الرأي الآخر والتقليل من الأفكار المسبقة والمتجنية والظنية تجاه الآخر(العدو) وإيجاد كثير من المشتركات التي تغيب بفعل الأحقاد والبغض كرواسب منطقية للحروبات. ولكن وآه من لكن هذه لم تكن النفوس صافية بصفاء ووضوح معاناة المواطنين وأصابها تعتيم حب التملك والتمكين والكنكشة والسيطرة ولم تكن بقدر المسؤولية التاريخية التي أتيحت لها لتضيع سنوات الاتفاقية في العراك والصراخ والمكائد والدسائس والتربص والسعي لتكبير الكوم الشخصي والحزبي علي حساب المصالح الوطنية العليا . وحقيقية لم نتوقع من المؤتمر الوطني بزل أي محاولة لتغيير ذهنيته الانغلاقية المتعالية والنهمة لتكديس الأموال بكل الوسائل والأساليب كآلية حماية وسيطرة ولكن كانت توقعاتنا كبيرة وآمالنا لا حدود لها في الحركة الشعبية باعتبارها أكثر ملامسة ومعايشة لواقع المجتمع الذي يعيش تحت نير الغلاء والاستبعاد والتدجين والحرمان من ابسط مقومات الحياة التي يرفل في مباهجها المؤتمرجية، وعشقه للحرية والتحرر ورغبته الأكيدة في الوحدة وإحساسه بخطورة الانفصال ووعورة مسالكه بحكم العلاقة المتوترة بين طرفي الاتفاق طوال الفترة الانتقالية والخلاصة ان الحركة الشعبية طرحت أفكار متقدمة لحل الأزمة الوطنية مثلت اختراق حقيقي علي الأقل علي مستوي المفاهيم والرؤية الشاملة للوطن ككل. لكل ذلك كان المرجو من الحركة الشعبية الدعم الفعلي والشامل للأحزاب المعارضة ومنظمات المجتمع المدني والصحافة المستقلة التي تشاركها نفس المنطلقات وتسعي لتأسيس نظام حكم يستوعب الجميع من غير إقصاء لأحد لأي اعتبار وإنهاء سيطرة الحزب الواحد والشمولية وتفكيكها لصالح الديمقراطية والمؤسسية ولمعالجة المشاكل المزمنة والتركة الثقيلة من الأخطاء والخطايا التي خلقها نظام الإنقاذ كإفراز طبيعي للمكابرة والعناد والوصاية والفرعنة التي وسمت مشروعهم الحضاري آسف التجاري، ومن خلال هامش الحريات المتاح بُزلت كثير من المحاولات للإصلاح ولكنها تكسرت علي صخرة العناد والكنكشة الإنقاذية وتراخي الحركة الشعبية وسماحها بتمرير القوانين المقيدة للحريات والمسعي الحقيقي للديمقراطية داخل البرلمان(ومقولات من قبيل الحركة الشعبية لن تخوض معارك الآخرين) وتواطؤ المجتمع الدولي بقبول انتخابات مخجوجة ومزورة لم تقنع حتي اصحابها الذين اشرفوا عليها وذهبوا يلتمسوا من العناصر الرخوة في التنظيمات السياسية المعارضة المشاركة في حمل جنازة الوطن الذي أجهزوا عليه من غير رحمة ودون دراية بمكوناته وتعقيداته والطريقة المثلي لإداراته وكذلك الحركة الشعبية وخاصة العناصر التي تستبطن الانفصال داخلها سارعت بقبول تلك النتائج علي علاتها من اجل الاستفتاء الذي لا محالة سيؤدي للانفصال في ظل الأوضاع التي جري فيها وهو ما حدث بالفعل بنسبة تفوق الخيال ومصرة علي تذكيرنا بالنسب الانتخابية الاستبدادية التي يجريها الحكام الطغاة أحفاد الفراعنة بحثا عن الشرعية المفقودة كفردوسنا الديمقراطي المفقود و الغائب منذ حضور دولتنا الحديثة لو جازت التسمية، ليتم الانفصال بكل سلاسة خالقا غصة في حلوق كل الوحدويين وليتململ شهداء الوحدة في قبورهم يشكون خيبة أملهم في بناء وطن متماسك يضم الجميع بحنية الأم الرؤوم، وتقبل الوحدويون الأمر بصدر رحب حفاظا علي عهود قطعوها واحتراما لإخوتهم في الوطن ومراعاة لكل الاحتقانات والرواسب التي خلفها الماضي الدموي والاستعلائي الكريه ولكن خوفهم من القادم لم يبارح مخيلتهم بحكم تجربتهم الطويلة مع النظام وتعامله مع العهود التي يبرمها مع الآخرين وطريقة تعامله معها كمخارج من الأزمات ووسيلة لشراء الوقت من غير أي نية صادقة لتنفيذها وهو يحسب ان هذا المسلك نوع من التذاكي ولا عزاء للمصداقية واحترام العهود. المهم بعد الانفصال جف حلق الكتاب وأصحاب الرأي والحادبين علي مصلحة الوطن في الدعوة للتفاهم مع حكومة الجنوب بحكم المصالح المشتركة وحق الجوار والروابط الاجتماعية والتاريخية والجغرافية ولمصلحة رعايا كلا البلدين الذين لم يستشاروا في مسألة اختيار الوسائل المناسبة لإدارة الخلاف وشددت كل الدعوات علي تجنب الحرب والقتال لحل الإشكالات كوسائل مجربة وفاشلة لحل الخلافات وما زال المداد الذي كتبت به اتفاقية نيفاشا من اجل السلام لم يجف بعد، ولكن سوء النية والتربص حكم العلاقة بين الطرفين وخاصة من قبل الحكومة السودانية التي تعاملت مع حكومة دولة جنوب السودان كالابن العاق والضال والضعيف الذي يسهل تأديبه وابتزازه وابتلاعه إذا دعت الضرورة وبفعل تحكم هذه العقلية لدي متخذي القرار تفاقمت المشاكل وتحولت الي معضلات حقيقية مع دولة الجنوب وضاعت علي البلدين فرصة ذهبية للتعاون ولتحويل الانفصال (الكارثة) الي مكسب بحسن التفكير والتدبير والفوائد التي سيجنيها كل طرف من خلال بناء العلاقات الجيدة وحسن الجوار وبالتالي توفير الظروف الملائمة لحل الضائقة الاقتصادية التي تجتاح البلدين وتقديم نموذج جيد للخارج ليدفع باستثماراته إليهما وتقديم الدعم المتواصل لهما بدلا عن الصراع وما يسببه من دمار للاقتصاد المنهار أصلا ومراكمة للضغائن التي يسعي العقلاء والقادة الحقيقيون لعلاجها واستبدالها بمشاعر أخوية تعلي من القيم الإنسانية لتعمير الأرض وجعلها أكثر احتمال. ووسط هذه الأجواء المشحونة بالغضب والانفعال تفجرت مشكلة أبيي وكادت ان تؤدي الي حرب شاملة بين البلدين ولتفتح نفاج آخر يتسلل منه المجتمع الدولي ليعالج مشاكل الدول القاصرة التي لا تقوي علي حل مشاكلها بنفسها، ومع استمرار تفاقم القضايا والمعضلات بين البلدين توصل د.نافع عكس عادته لتفاهمات مع الحركة الشعبية تمكن من خلق أرضية مناسبة لحل الخلافات بصورة سلمية بين البلدين ولكن تم تجاوز هذه التفاهمات بكل سهولة ومن علي منبر ديني من قبل رأس الدولة بعيدا عن المشاورات ومعرفة وجهة نظر من وقع تلك التفاهمات مما يدل علي غياب المؤسسية والفردانية في اتخاذ القرار حتي ولو كانت قرارات بمثل هذه الخطورة ولتؤكد علي وجود مراكز قوي وتضارب مصالح داخل المجموعة التي تدير البلاد وغلبة الجناح العسكري داخل هذه المجموعة مما جعل د.نافع يتراجع بشكل مشين عن موقفه ويحني رأسه للريح بدلا عن تقديم نموذج لرجل الدولة الحقيقي الذي يقدم استقالته دفاعا عن وجهة نظره التي يؤمن بها، ونتج عن هذا الفعل أن عادت الحرب مرة اخري وهي أكثر شراسة لقربها من المناطق الحيوية ولتؤكد أن هذا النظام هو نظام حربي بامتياز ولا يؤمن بالسلام والحوار وان طبعه الاقصائي يقلب تطبعه وادعائه رغبته في السلام والتفاهم والمشاركة وان ما بني علي انقلاب يستحيل ان يستقيم علي جادة الصواب والإيمان بحق الآخر في الوجود او مزاحمته لحقه الإلهي في الحكم ووسط هذه الأجواء الملبدة بالوعيد تنطلق الدعوة للاستنفار وفتح معسكرات الدفاع الشعبي وليرجع نعيق الغربان يملأ فضاء البلاد منذراً بالخراب ومهدداً لأبناء الغبش بالفناء و الذين لا يتذكرونهم إلا ساعات الوغى وينسون فقرهم وأمراضهم وعطالتهم طوال السنين، ولتظهر تلك الوجوه الكالحة ذات الكروش الكبيرة والمصداقية الباهتة لتبشرنا بالجهاد والجنة ولتنعم هي بنعيم الحياة وأطايبها ولتستمتع بالكنوز التي غنموها من ظهر الشعب الأغبر الكادح بعد ان جيروا البلاد لمصلحتهم وضربوا قيم المجتمع التي تحض علي الأمانة واحترام الكبير وتوقير الصغير ليخلوا لهم الجو ويتسيدوا الساحة بعد أن اكرهوا الكفاءات وأصحاب الضمائر الحية علي المغادرة والشتات في جميع فجاج الأرض ومن بقي بالداخل عاش في غربته الذاتية وهو يعاني من عدم قدرته علي الانتماء لمجتمع يتغير من حوله ويكن التقدير لجيوب هولاء الدخلاء. وليعلم هولاء أننا دعاة سلام ونؤمن بالحوار ونكره الحرب والقتال ولقد سئمنا الحرب وهي ترافقنا في جميع مشاوير عمرنا وتتربص بنا في كل المخارج ولتترجلوا عن عروشنا التي اغتصبتموها لتروا بأم أعينكم ان المشكلة فيكم وليست في شعبي شمال وجنوب السودان.