بقلم : عمر قسم السيد [email protected] اهل اللغة وضعوا تعريفات كثيرة للمعنى اللغوي لكلمة " تفاوض " وعرفوه بأنه { عملية اتصال بين شخصين أو أكثر يدرسون فيها البدائل للتوصل لحلول مقبولة لديهم أو بلوغ أهداف مرضية لهم } ويهدف التفاوض الى الوصول إلى حل وسط يرضي جميع الأطراف، فالتفاوض الناجح هو الذي لا يكون فيه فائز مطلق أو خاسر مطلق، أما إذا اعتبر أحد الطرفين أن الهدف من التفاوض هو هزيمة الخصم وتحقيق الفوز بأي ثمن، فإن هذا قد يكون له عاقبة وخيمة وقد يؤدي إلى عكس المطلوب !! ما سبق ذكره يحدث بين حكومة السودان وجنوب السودان في اديس ابابا للتفاكر حول القضايا العالقة بين البلدين ، وقد علمنا بان اتفاقا حدث ، وينص على ( وقف التصعيد الاعلامي بين الطرفين ) استجابة لطلب الوساطة الافريقية الرامي لخلق اجواء مواتية للتفاوض ) وقالت الصحف ان روحاً إيجابية سادت الاجتماعات ! وهذا شئ جميل ! ذكر الدكتور امين حسن عمر ، القيادي بحزب المؤتمر الوطني ، ان تحسين العلاقات بين الدولتين ضروري جدا لإنجاح المفاوضات ، وان دولة الجنوب هى احوج ما تكون الى الاستقرار بسبب ضعف اقتصادها واعتمادها على عائدات البترول ! ودولة الجنوب او الدولة – الناشئة – كما يقول ساسة الخرطوم ، تحاول بذكاء الخروج " منتصرة " من معركة التفاوض مع الخرطوم ، وهذا يتنافى مع ادبيات التفاوض الذي يقتضي الوصول لحلول وسطى ترضي الطرفين . لكن جوبا تتخذ تصعيد العمل العسكري سلماً لقطف ثمار التفاوض – البكرية – وتترك للخرطوم الثمار التالية ، وهى غالبا ما تكون اقل – طزاجة – من الاولى اي – البكرية – كما تكون اقل حجما ! واخوتنا " الادروبات " في شرقنا الحبيب ، وكما يعلم الجميع يموتون حبا في " الجبنة " او القهوة ، فهم لا يقبلون بتاتا بشرب ( ثانية البكر ) في الجبنة ، وهى اضافة الماء لخام " البن " الذي تبقى من صنع او مستخلص الدور الاول من المشروب ! واعتداء قوات الجيش الشعبي على هجليج كما ذكر مدير جهاز الامن والمخابرات الوطني ، الفريق محمد عطا ، ان جيش دولة الجنوب هاجم موقع الكهرباء الذي يبعد 15 كيلو مترات من هجليج ، وان عمال الكهرباء عند وصولهم للموقع في الصباح الباكر وجدوا " علم دولة الجنوب " يرفرف في المنطقة ، وقوات الجيش الشعبي تطالب القوة التي تحرس عمال الكهرباء بإخلاء المنطقة ! اذن العمل كان معد بجدارة ، ومرتب له بتخطيط دقيق له ما بعده ، وكانت هناك تحركات حثيثة لقمة البشير وسلفا في جوبا ، ربما كان الهدف إلغاء هذه الزيارة ، او كسب موطئ قديم جديد في دولة الشمال بعد ابيي ، الشئ الذي اكده خبراء ومراقبون ان دولة الجنوب ارادت التوغل شمالاً لأهداف استراتيجية غربية وصهيونية . وبحسب صحيفة " كراسنايا زفيردا " الروسية أن جنوب السودان مطمع امريكي واضح ، وأن السبب الرئيسي وراء اطماعها يتمثل في امتلاك جنوب السودان لمناطق غنية بمنابع النفط ، مما جعل الولاياتالمتحدة تؤيد انفصال الجنوب بكل قوة . وأشارات الصحيفة إلي أن تبعية حكومة جنوب السودان للولايات المتحدة مهدت الطريق أمام شركات الطاقة الغربية للحصول على عقود وامتيازات استثمارية لاستغلال ثروات الجنوب كمساهمة منها في دعم حكومة جنوب السودان الرامية إلي بسط سيطرتها على أراضيها كافة وإرساء الإستقرار فيها . هذا هدف واحد من اهداف كثيرة ترمي لها امريكا من اطماع في دولة جنوب السودان ، اما الكيان الصهيوني ، له تاريخ قديم في السودان وهو ما أشار إليه الكاتب اليهودي (واربورت) الخبير بشئون الفلاشا عام 1900م بأنه قدم اقتراحاً إلى اللورد (كرومر) في القاهرة بذلك، وقدّم يهودي آخر هو (أبراهام جرانت) نفس الاقتراح عام 1907م إلى رئيس المنظمة الإقليمية اليهودية ( JTO) . وتعد السيطرة على نهر النيل لخنق مصر وشل حركتها هو الهدف الأساسي للتوغل الصهيوني في جنوب السودان، وقد أدركت الحركة الشعبية لتحرير السودان ذلك جيدًا، فتفانت في نسج خيوط التقارب والتعاون مع الكيان الصهيوني، وكان آخرها الإعلان الصريح من وزير الإعلام في حكومة الجنوب بأنهم سيوثقون علاقتهم بالكيان الصهيوني فور إعلان الانفصال .. وقد كان ! اذن حكومة دولة جنوب السودان تطبق استراتيجية { التفاوض تحت ظلال البناق } التي اقر بها ساسة الخرطوم ، وقالوا ان كل الحروب التي يشهدها العالم تسير متوازية مع هدنات ومفاوضات ، بمعنى ان للحرب طريقها وللمفاوضات طريقها ايضاً ، وهى احدى وسائل الضغط لتحقيق اهم الاجندات ! ولولا التفاوضات لما كانت الحروب ستنتهي الى يوم القيامة ، ونجد ان امريكا تحتل افغانستان وتتفاوض سرا مع طالبان وليس في هذا غرابة ، لكن التفاوض في ظل البنادق يكون بطيئاً وناتجه غير متوقع لانه يتم تحت ضغط الرصاص ، فالتفاوض الناجح هو الذي تحسن له الظروف والمناخ بإيقاف العدائيات وحسن النوايا ! ولكن حتماً سيتوصل طرفا التفاوض لإتفاق سلمي كما في كل التفاوضات ، وحرب فيتنام خير مثال لذلك ، لم تنتهى الا بمفاوضات سرية ثم علنية في باريس . وكلنا كما العالم ينتظر ما ستفضي اليه مفاوضات اديس ابابا ، ولا نستطيع ان نتكهن بما ستخرج به الجولة الختامية التي ستغلق هذا الباب بصورة نهائية ، وهذا لا يتم الا بعد ضبط النفس كما قال الرئيس الامريكي باراك اوباما مطالبا رئيس دولة الجنوب بوقف الاشتباكات العسكرية والمعارك بولاية جنوب كردفان وعدم المشاركة او دعم أي قتال على طول الحدود .