كاتب وصحفي فلسطيني لم يتأخر كثيرا سلفاكير زعيم ما يسمى الحركة الشعبية لتحرير السودان في الإعلان عن حقيقة مشروع حركته الرامي الى إلحاق جنوب السودان بالمشروع الصهيوني وتجاوز هفوات معلمه جون قرنق في تحويل دولة جنوب السودان الى قاعدة عسكرية صهيونية متقدمة في القرن الأفريقي والمنطقة العربية. فقد أعلن سلفاكير مارديت صراحة وعلى الملأ انه لا يستبعد إقامة علاقات جيدة مع الكيان الصهيوني وفتح سفارة له في جوبا عاصمة الإقليم. معتبرا ان هذا الكيان هو عدو للفلسطينيين فقط، وليس عدوا للجنوب.وحتى لا نغرق كثيرا في التحليلات والتكهنات ، أوضح سلفاكير انه سيرسم خارطة جديدة للسياسة الخارجية في حال الانفصال " الاستقلال". ولا نجانب الحقيقة بالقول ان فكرة الاستفتاء في جنوب السودان وابيي تحمل في طياتها أهدافا انفصالية تعود الى ما قبل اتفاق (بروتوكول ) ميشاكوس. وقد استقبل الغرب هذه التصريحات بايجابية منقطعة النظير ، رغم ما يشوبها من هنّات في مخالفتها ابسط القواعد الديمقراطية ، فحركة تحرير جنوب السودان ، ليست القوة السياسية الوحيدة التي تتواجد في جنوب السودان ، ولم تكن هذه الحركة هي الناطق الوحيد باسم الجنوب ، مع العلم ان هذه القوى وجهت انتقادات في حينه لحكومة البشير والحركة الشعبية لاقتصار تمثيل الاتفاق على قوتين سياسيتين فقط وتهميش باقي القوى التي لها مكانتها في الخارطة السياسية السودانية. وعليه فإن شكل السياسة القادمة لا تقرره قوّة سياسية بعينها . واذا ما حدث ذلك فإن صراعا مسلحا داميا سيشهده الجنوب للسيطرة على الحكم والسلطة مما سيضع الجنوب في مهب الحرب القبلية والاهلية التي لا يستطيع أي كان ان يتكهن بنتائجها. ومما يؤكد هذا الاحتمال هو سلوك وتصرفات سلفاكير السياسية ، حيث طلب ومن طرف واحد مرابطة قوات دولية على الحدود مع الشمال وقبل تحديد هذه الحدود ، وكذلك التحدث عن ابيى كإقليم تابع مسبقا للجنوب . وشطب أي ارتباط للجنوب بالعروبة واعتباره دولة افريقية لا تربطها بالعرب وقضاياهم القومية أية روابط سواء لجهة الدين والتاريخ المشترك واللغة ، وهو الفهم الواقعي لمعنى تصريحات سلفاكير بأن الكيان الصهيوني ليس عدوا للجنوب. وتصريحات سلفاكير إنما هي رسالة موجهة للوبي السوداني في الكيان الصهيوني الذي اخذ على عاتقه دعم توجهات حركة جون قرنق وخليفته سلفاكير تسليحا وتدريبا وتمويلا لمشاريع مستقبلية تتطابق مع المشروع الصهيوني المعد للجنوب. واذا كانت حكومة السودان ورئيسها قد وقعت الاتفاق حفاظا على رأس رئيسها عمر البشير المطلوب للمحكمة الدولية كمجرم حرب ، وبغض النظر عن مخالفتنا لقرار هذه المحكمة وبطلان قرارها ، الا ان السودان ووحدته تستحق التضحية والإصرار على وحدة السودان ليست ممارسة غير ديمقراطية ، بل ان الديمقراطية تقتضي المحافظة على حقوق الجميع في إطار السودان الواحد. ولا يخفى على احد ان الأيادي التي تعبث بالسودان ومصيره هي أياد صهيونية وجدت في الظرف السياسي العربي المتهاوي المناخ المناسب لتحقيق حلم صهيوني وضعت خطته منذ أيام الصهيوني هرتزل. فتراجع الدور العربي والمصري تحديدا في أفريقيا منذ ما بعد كامب ديفيد أدى الى تزايد النفوذ الصهيوني في أفريقيا حيث شهدت السنوات الأخيرة تناميا في العلاقات الدبلوماسية بين الكيان الصهيوني ودول القارة السمراء إكمالا لدور الاستعمار في تنصير وتهويد أبناء أفريقيا ، مستغلين حالة الفقر والعوز التي تعيشها هذه القارة في ضوء تقصير عربي وإسلامي قل نظيره. فالنظام الرسمي العربي الذي تقوقع خلف أزماته المتلاحقة، تحول بعجزه الى لاعب ارتكاز للمشروع الصهيوني ، وليس أدل على ذلك من نأي مصر عن حضور مؤتمر الدول المعنية بشان حوض النيل وتهوينها للأمر حسب تصريحات السيد احمد أبو الغيط وزير الخارجية المصري. وهو تهوين خطير يحمل بعدين في التحليل لا يقل احدهما خطورة عن الاخر : الأول : تسهيل مصر للدور الصهيوني في أفريقيا ، ولعبها دور الجسر لهذا النفوذ وبالتالي تحجيم الدور المصري الذي غدا لاعبا محليا صرفا . وهذا يؤشر على ان النظام ( بحسن النوايا )، لا يقرأ التاريخ ولا يعرف معاركه ، سيما وان جل هذه المعارك كانت مصر هي المستهدف الأساس فيها.والقصد هنا هو قيام الكيان الصهيوني بتمويل وبناء العديد من السدود في أثيوبيا من اجل الضغط على مصر للموافقة على مشروع جر مياه النيل عبر سيناء الى الكيان الصهيوني ، وهو ما اغضب الرئيس السادات في حينه. الثاني : عدم إدراك النظام لطبيعة المشروع الصهيوني في أفريقيا وبخاصة لدور السودان وموقعه الجغرافي والديني في المنطقة والقرن الأفريقي وبالتالي تأثيره على مصر وسدها العالي ومستقبل الزراعة والاقتصاد المصريين، ناهيك عن محاولات نقل الفتنة الى مصر عبر السودان المقسم الذي ستنهكه حروب الاقتتال القبلي والديني مما يجعل مصر في حالة من التوتر الدائم واللااستقرار. ولا عجب ان أثيوبيا من خلال نظام منغستو هيلامريام قد لعبت دورا مهما في القرن الأفريقي مهدت الطريق لعبور الكيان الصهيوني إليه عبر بوابة الشرق الأثيوبي ، السودان والصومال ، وإيجاد قاعدة في اريتريا شكلت مركز انطلاق للعمليات الصهيونية في القرن الأفريقي من خلال احتلال بعض الجزر اليمنية وتمويل عمليات المراقبة للمشروع الأمريكي والصهيوني في البحر الأحمر. ولا نعتقد ان نظام مصر لم يسمع بتفاصيل وافية عن هذا المشروع ، سواء عبر القنوات الدبلوماسية ، او في غير وسيلة إعلامية . والعلاقة بين الانفصاليين في جنوب السودان لم تكن سرية أبدا منذ عهد جون قرنق الذي اتسم بعلاقة مباشرة مع الكيان الصهيوني وحصوله على تمويل وتسليح حركته وحتى دعم قواته بعناصر من الموساد إبان معارك الاقتتال عام 1990 وهو ما اعترف فيه الصهيوني "موشيه مرخي " عميل الموساد في مذكراته ، وعلاقة قيادات فصائل التمرد في الجنوب ودارفور بالكيان الصهيوني، الذي لعب دورا بارزا في تشكيل ما يسمى ب (حركة إنقاذ دارفور) ووظف أمولا طائلة وحركة دبلوماسية لاتخاذ قرار من الأممالمتحدة بإرسال قوات دولية الى دارفور ، وكان وراء إصدار قرار المنظمة الجنائية الدولية بملاحقة البشير كمجرم حرب. وحركة إنقاذ دارفور هي الشكل المباشر لنفوذ اللوبي اليهودي السوداني في الكيان الصهيوني ، وهو لوبي يتمتع بقوة ونفوذ كبيرين ، لأنه يعمل مباشرة على مشروع تهويد القرن الأفريقي انطلاقا من السودان تحقيقا لمشروع الأطماع الصهيونية في مياه النيل والسيطرة على ممرات العالم القديم . وهذا اللوبي يضم يهودا من أصول سودانية ولاجئون سودانيون في الكيان الصهيوني بمؤازرة اليهود الأفارقة والفلاشا كتكتل سكاني عددي داعم لهم . وقد نجح هذا اللوبي في الحصول على دعم حزبي كاديما وزعيمه آنذاك شارون وكذا حزب الليكود ، وأسسوا 18 جمعية نشطة تتركز في المدن الاساسية والاقتصادية في الكيان الصهيوني مثل حيفا وتل أبيب وبئر السبع، وكان دورها بمثابة رأس الحربة في دعم قوات قرنق ومن بعده سلفاكير وعددا من قبائل الجنوب. ومولت جيش الرب الأوغندي الذي كان يقاتل مع المتمردين من اجل انفصال الجنوب. وليس بجديد القول إنها تعمل لإقامة نصب تذكاري لقرنق في ميدان رابين بتل أبيب وهو المكان المخصص للعلماء والسياسيين الذين خدموا الكيان الصهيوني . فهل سيكون تلميذ قرنق السيد سلفاكير مارديت ناكرا لجميل أسياده؟؟؟؟ ولكن السؤال الأهم : ألم يستشعر العرب ومصر تحديدا انهم سيكونون الخاسر الأكبر في هذه المعادلة والخارطة السياسية الجديدة التي أشار اليها سلفاكير؟؟وهل ستأممن مصر على النيل وتدفقه الى راضيها والسد العالي ؟؟ام أنها عبر دورها التسهيلي ستضمن قطرات من النيل كالسيف لضمان الولاء؟؟؟ وأين قمة سرت العربية الأفريقية من الواقع الجديد ؟ . ان الواقع يقول ان هذه المقدمة لا تبشر بخير ، ونقول عبرها على القرن الإفريقي ومصر والجزيرة العربية والعرب السلام. نقلا عن النهار الإخبارية