معتصم الحارث الضوّي [email protected] عندما فتحنا أعيننا على الدنيا، وجدنا حكاما لا يدّعون الألوهية، ولا يزعمون الربوبية، ولكن أتباعهم من المطبّلين وحارقي البخور وسدنة المعابد يبذلون لهم من ألوان التبجيل وأصناف التقديس ما يرفعهم إلى مقام الأنبياء والقديسين، وتصفهم بالتنزيه عن الجهل والخطأ والنسيان، القدر الذي يرضي غرور أولئك الحكام، ويُشبعُ لديهم مركب الاضطهاد ليُحوّله إلى عقدة عظمة لا تُبقي ولا تذر، فتخرج علينا –ولا حول ولا قوة إلا بالله- الجداريات والتماثيل، وتتحول منشآت الدولة –الحديث هنا عن جمهوريات!- من مطارات ومستشفيات ومكتبات وجسور وجامعات وغيرها لتحمل اسم الزعيم الأوحد، والقائد الضرورة، الذي يؤمنُ جازما أنه مُصلحُ الكون، وسبب الخلق، والمبعوثُ رحمةً للعالمين. ولكن كيف ينشأ الحاكم الإله؟! يظهرُ الحاكم الإله في أول أمره، موظفا أو ضابطا في مرتبة دنيا؛ كائنا رعديدا، متسلقا كاللبلاب، طفيليا كدودة الإسكارس، يذعرُ من كل تعنيف، ويستأسدُ عندما يأمن العقاب. إثر مرور الوقت، وتراكم الخبرة الخبيثة، يستنسرُ البُغاث، ويكتسي زغب الجُبن ريش الشجاعة، وتستحيلُ النظراتُ الزائغة شجاعة مستحدثة، فتشعُّ الثقة من العيون، وتتمددُ إلى قسمات الوجه الكريه. حينذاك، تبدأ مساعي الدس والفتنة تؤتي أُكلها، وتستفرخُ مجموعاتٌ من شرنقات التطبيل؛ تدعم الطاغية الناشئ، وتُزيّنُ له كل أعماله، وتُدبّجُ المديح لكل حركاته وسكناته، وتنشرُ عنه من الشائعات المواتية ما ينسجُ حوله مبتدأ الأسطورة، ومنشأ الأكذوبة الكبرى! رويدا رويدا، وبخطى دنيئة لا تعرف الملل، ولا يدركها الكلل، يرتقي ديكتاتورنا الصغير، فيلفظُ حارقي البخور من حثالة القوم وأصاغرهم، ويفتحُ براثنه ليحتضن فئة جديدة من المستشارين المحتالين، والناصحين الذئاب؛ أولئك مثل "الجوكر" في ألعاب الكوتشينة، يُطبّلون لكل حاكم، وتلهجُ ألسنتهم الحربائية بالثناء على كل مسؤول، فيرسمون للمسؤول الصاعد خطط اللؤم، ويفرشون له دروب الغدر، ويُصبغون على كل تصرفاته عُمقا تفتقده، وحكمةً تغيب عنها. حينذاك، يبدأ أخونا الديكتاتور في تصديق السيناريو، بعد أن يلتحفَ بشرنقة السمو الزائف، فيتحولُ من دكتور جيكل إلى مستر هايد، ويظنُ أنه لا ينطقُ عن الهوى، وتسيطرُ عليه أدنى خصال البشر وأحطها. بُعيد نزع الإهاب القديم، واستبدال ديكور المسرحية بالكامل، يُفجعُ الشعب بعد ثورة مزعومة، أو انقلاب دُبّر بِليل، بديكتاتور تُستشفُ بكل يُسر طويته الخبيثة، وتفشلُ أحابيله التي تتوسدُ بيان الثورة رقم "1" في استغفال الجمهور. وتستمر الدائرة الشيطانية...