[email protected] المرحلة القادمة سوف تختلف بصورة جذرية عن المرحلة السابقة لو انّ ما قاله الرئيس البشير عن العلاقة مع الجنوب ستجد طريقها الى قنوات الدولة المختلفة. في خطابه الجماهيري بمناسبة تحرير هجليج.. قال الرئيس أنّ الجنوب لن يُصدِّر لتراً واحداً من بتروله عبر الشمال حتى لو دفعت جوبا ما طالب به الوفد المفاوض للحكومة أو دفعت أكثر من ذلك.. ولن تكون هنالك قضايا عالقة.. فكل القضايا ستكون عالقة. القول الآخر هو أنّ العلاقة بين الخرطوموجوبا ستتحول الى علاقة (إقتلاعية) بقوله أنّ السودان القديم (بحدود ما قبل الإنفصال) لن يسع نظام الخرطوموجوبا معاً.. بمعنى انّه لا بُدّ من ذهاب أحدهما. من الواضح أنّ ما قيل في ذلك الإحتفال التلقائي يجب أن يظلّ حديثاً تلقائياً يشفي النفوس ولا يشقي الأجساد والخزائن.. فلو انّه تحوّل الى استراتيجية عمل.. فسوف تصبح استراتيجية (مخرومة) تخرُّ منها المياه والأموال والأرواح عبر الكثير من الثقوب. حرب الجنوب التي بدأت منذ العام 1955م قبيل الاستقلال.. لم تنتهِ إلا بعد العام 2005م.. بعد أن جلس الجانبان للتفاوض وتوصلوا (رغماً عنهما) الى إتفاقية نيفاشا. خمسون عاماً من القتال المستمر.. لم يستطع ايِّ طرف أن يحسم المعركة بصورة قاطعة صالحه.. فالقوات المسلحة تعمل وفق استراتيجيات الجيوش المنظمة (التي تهدف دائماً الى بسط السيطرة على الأرض).. والجيش الشعبي يعمل وفق تكتيكات حرب العصابات/حرب الغوريلا (اضرب - وأحدث أكبر دمار ممكن - واهرب).. يحارب وليس فيه مقدوره أو نيته الإحتفاظ بالأرض. الثقب الأول في محاولات اسقاط نظام الحركة الشعبية بجوبا هو أنّ الجيش الشعبي سوف يتحوّل مرةً أخرى الى حرب غوريلا وهي حرب إستنزاف أكثر منها حرب أهداف. الثقب الثاني هو التحالفات الدولية للحركة الشعبية.. صحيح أنّ كثيراً من الدول أدانت إحتلال جوبا لهجليج.. لكنّها لم تمض أكثر من نطاق الإدانة.. والإدانة موقف دبلوماسي هش.. لا يُسمن ولا يُغني من جوع. وبعد الإعتراف بالجنوب كدولة مستقلة بواسطة الخرطوم أولاً ثمّ المجتمع الدولي.. سيكونُ من العسير سياسياً ودبلوماسياً على السودان أن يُسوِّق ايِّ عمل عسكري ضد جوبا وسيكون من الصعب على المجتمع الدولي ابتلاع مثل ذلك العمل العسكري.. سيكون إعتداءاً من دولة على أخرى.. وقد يتكرر سيناريو العراق بصورة أسرع وأكثر وحشية.. كأن تحشد دولة ما منفردة (أو بتأييد الأممالمتحدة) دولاً اخرى من خلفها لغزو السودان واقتسام بتروله. الثقب الثالث.. هو أنّ الإقتصاد السوداني (متكلنو على الحيطة) لا يقوى على الوقوف على قدميه دعك من التقدُّم الى الأمام.. بالمناسبة كيف حال قدميه؟؟.. الزراعة والنفط؟؟. إقتصادنا السوداني لا يحتمل أزمة سكر.. ولا أزمة محروقات.. موزانته سيعيدها وزير المالية الى البرلمان ليراجعها من جديد.. أكرر: موازنة العام 2012م سقطت وستُعاد الى الهيئة التشريعية القومية قبيل منتصف العام بقليل.. فتأمل!!. الثقوب كثيرة.. لكنّ أهمها هو أنّ الخرطوم ستفشل في الإطعامِ من جوعٍ.. والتأمين من الخوف.