[email protected] حجيتكم ما بجيتكم خيراً جانا وجاك ،اخير اللا من حجاك دار هذا الحوار كثيراً في العقود الماضية من الزمان، كان طرفيِه غالباً الحبوبة و أحفادها قبل أن تلقي على مسامعهم إحدى أحاجيها......تأخذ الحبوبة شكلها التقليدي فالرأس يشتعل شيباً ( مطمئنة هي لشيبها لم تٌرد يوماً صبغه أو تغييره) والوجه طلقاً سمحاً برغم مرور عجلات العمر فوقه لا يخلو من شلوخ ،تعلو فمها إبتسامة وبداخله بقايا أسنان لا تتعد اصابع اليد وشفتين مدقوقتين (نوع من المكياج القاسي قديماً ) بإستطاعتهما أن يلتقيا في تكشيرة عند تربية أحد أحفادها ...... أما ملبسها فهو الثوب أو طرحة واسعة معها جلباب فضفاض وقديماً جداً كانت ترتدي القرقاب.....ولا ننسى المسبحة حول رقبتها..... ممتلكاتها عبارة عن سحارة وهي صندوق خشبي قديم يُستعمل كخزانة للملابس والحاجيات ... مفحضة (تعبير حبوبي للمحفظة) بعض الثياب القليلة جداً (مهما كان مستواها المادي فهي ليست فرد مستهلك ولا بوباري) ومركوب ...قرعة أو كورة قديمة حتى تستطيع أن ترتوي بالماء الذي لا تشربه إلا من الزير.... كانت حبوبة رمز الهيبة والإحترام ومنبع الحنان بداخل البيت فهي ترعى الجميع تقوم بالاشراف على الطعام والمشاركة بعمله ، والأهم من ذلك تقوم بدور مربية الأطفال وجليستهم، بذكاء تنقل إليهم خبرتها وتجاربها وتفتح لهم سماوات الخيال والإبداع ( من المعروف أن أغلب الكتٌاب في الوطن العربي كانوا يستمعون إلى جِداتهم كثيراَ في صغرهم) كانت تمثل ثِقل التوجيه والإرشاد ويُرفرف طيفها بِكل البيت كملاك حارس كانت الام في وجودها تتفرغ لصنع الأكل والزينة التي كانت تأخذ منها وقتاً طويلاً (الحنة والدخان ) و يقوم رب البيت بالسفر إلى أي مكان مطمئناً لوجود الحبوبة ببيته و مطمئناً لقيادتها لِأسرته ....كانت البيوت مفتوحة على حس الحبوبة فاقاربها يأتون لزيارتها باحثين عن النصح و الإرشاد وتقديم الواجب نحوها مطمئنين بحنانها وحديثها ومهتدين برأيها السديد، يتجمع حولها الأهل والأحباب باعثة فيهم معاني الود و التراحم...في ضل الضحى تجدها منهمكة في نظافة الخضار أو صنع الخذروف ( اليويو) او ملاعبة أحفادها يتجمع الاحباب حول جبنتها.... عندما تغيب الشمس وتصلي المغرب يُسمع صوتها عالياً بالدعوات كأنه تراتيل وترانيم فهي تدعو لكل اهلها الأحياء منهم والاموات وبالاسم فرداً فرداً ،مُكسبة هذا الوقت والبيت مسحةً من الخشوع فيشعر من في البيت بخصوصية الوقت وكأن البيت جزء من اماكن العبادة والقدسية....... حين يأتي المساء يوضع عنقريبها بِصدر الحوش تصبغ على الأبناء من فيض إهتمامها ،يتحلقون حولها للإستماع الى حكاية جديدة قد تكون فاطنة السمحة او ود النمير او فاطنة القصب الاحمر ولربما قامت بِإعادة مُحمد والسعالي أو تاجوج وود محلق للمرة المئة واضعة بذور الفراسة ،الجمال والفروسية وغيرها بنفوسهم الغضة فينامون بقربها وأحلامهم الصغيرة تشابي لتلحق بابطال احاجيها.... لله درك يا حبوبة أين أنتي الآن بحثت عنك كثيراً ولم أجِدك كالكثير من رموز طفولتنا وزماننا الجميل، أين أنتي لِاترك معك أبنائي مطمئنة لصلتكم الحميمة وتفاهمكم الجميل ولغة الحوار الذكي وكريم ، أين أنتي لِأستجير بِظل حنانك من رمضاء زماني، أين أنتي لتعطي بيتي رونقه ،نريدك بشدة ونحتاجك لأن عمرك وحكمتك هما القادران على المناجاة و التواصل مع اعمار الصغار .... حاولت أن أضع بعض اللآتي أعرفهن في مكانتك ولكن مكانك واسع جداً وِسع قلبك ،فمن يتأهلن لهذا الدور لا يُردن تقدم العمر ولا يعترفن بسنهن وما يترتب عليها من واجبات ،غير حليمات وبعضهن يرفضن مجرد النصح للآخرين ،خزائنهن تُنافس دواليب العرائس في محتوياتها وتصرفاتهن تنافس تصرفات المراهقات فكيف يُنشئن جيل مقتصد وغير مستهلك، كيف يُربين أجيال وهن لا يُقرِبن احفادهن بل ويعتبرن ذلك من دواعي إزعاجهن (كأنهن سكرتيرات للأمم المتحدة) ...... بل والأدهى أنهن يرفضن إسم حبوبة، هذا الإسم الذي مصدره الحب والحنان وليس الهِرم و الشيخوخة كما يُصور لهن خيالهن ، هذا الإسم تاج ووظيفة وتشريف لهن (و لكن كما يقال مين يقرا ومين يسمع)....و تحياتي لِمن يُردن أن يستمر دور الأم لستين عام بدون الإنتقال لدور الحبوبة....