عزة الانسانة النبيلة وتفاصيل وطن الحلقة الثانية محمد بدر الدين [email protected] لم تدخل سلطة الأمومة مابين عزة ووالدتها نجاة نسبة لما بينهما من مساحات شاسعة من الوضوح والصراحة . كذلك مابين أبيها ياسر الذي كان يعمل موظفاً في احدي المؤسسات الوطنية العريقة لكن ولأن يد الصالح العام اللعينة لم تشفع له بالاستمرار في السعي للرزق الحلال منذ مطلع التسعينات . ومنذ ذلك الحين أصبح ياسر يمتهن مهناً هامشية مرة في سوق الحي المتواضع وكانت تلك المهنة مصدر فخر بالنسبة لياسر وتجده (يقوم الدغش ) لمزاولة نشاطه اليومي ويبدءا يومه بمقادلة عبد الكريم الخضرجي وفضل المولى النقلتي وتارة تجده يداعب فاطمة بائعة الشاي علي شاكلة والله يافطومة الريس دا مشاء الله عليه ياخي دا أول ريس يمسك البلد دي يكون زول كويس... وفي جزء من الثانية تتغير ملامح فاطمة وتظهر ثورة الغضب بشكل واضح ويحمر وجهها الذي عرته حرارت الشمس من نضارة جماله ،، تتغير ملامحها وكأنما نقل اليها خبر وفاة عزيز لديها وترد علي ياسر بتلك المقاطع التي كان يرددها زوجها وحفظتها منه قائلة (من الله خلقنا وشفنا خلقنا.... دا أول ريس يمر بي فوقنا.... دايرين بسطة ومدرسة أوسطى الشفخانة.... وسوق منضبطة ) وتعقب تلك الكلمات والله ياياسر ديل شكيتم ليبيداً قوية ديل يتموا وليداتي ) يقال ...أن زوج فاطمة هذا تم اعدامة في مطلع التسعينات ضمن مجموعة تابعة للمؤسسة العسكرية بتهمة المحاولة الانقلابية . وولدي لي يوم الليلة مابعرفلوا جهة وقصة خالد ابن هذه الفاطمة ....انه كان ناشط في مجال منظمات المجتمع المدني وتم اعتقاله من قبل الأجهزة الأمنية منذ عشرة سنوات ولم يعرف له مكان منذ ذلك التاريخ ولذلك فضلت فاطمة العمل في تلك المهنة المحترمة لأعالت بناتها الخمسة . وهكذا كان حال ياسر في مشوار الحياة اليوماتي في سوق الحي المتواضع لا يعكر صفوها سوى الغلاء المعيشي وكشاة المحلية ومصاريف ابنه ناصر،،وابنته عزة . في شتاء يناير ذهب ياسر إلي السوق صباحاً كعادته ووجد مجموعة من العساكر أمام متجره الصغير يصطحبهم ضابط إداري من الوحدة الإدارية التي يتبع لها سوق الحي . وطلبوا منه مجموعة من الأوراق الثبوتية التي تخص متجره فما كان منه إلا أن يستجيب طواعية لذلك الطلب الغريب جداً وحينما أثبتت تلك الأوراق سلامة الموقف ولم يجد ضابط المحلية ثغرة في توجيه أي اتهام له خاطبه قائلاً :- (يازول أنت محلك دا مامرتب ) واقتادوه إلي محكمة النظام العام وقضت المحكمة بحبسه مدة أسبوعين ومصادرة ممتلكاته وإغلاق متجره تحت مادة (يازول أنت محلك مامرتب) هذه المادة التي لم يفهمها حتى كاتبها دعك من المواطن البسيط واعتمادها كمادة لحفظ النظام والمظهر العام خرج ياسر من الحبس بعد المدة التي قررتها المحكمة عليه يجرجر أزيال الخيبة ويلعن النظام وأبو النظام العام وقرر أن يهاجر إلي احدي الدول النفطية في رحلة البحث عن الرزق الحلال . واخبر زوجته بتفاصيل ماحدث في ذلك اليوم المشؤم وكيف تم اقتياده إلي محكمة النظام العام وكيف تمت محاكمته وإيداعه في السجن بحجة (محلك مامرتب) ولحظة تجده يفكر ملياً في الاغتراب وفي كل لحظة تفكير يمر عليه طيف معاملة العساكر له في حراسة النظام العام وما يصاحبها من سب وشتم ولعن وتسود الدنيا في وجه ياسر الغلبان وتتغيب عازه عن الجامعة الأسبوع والأسبوعين لعدم مقدرتها عن إيجاد مايصم خشم الكمساري وألم المرض بنجاة والدة عزه وأصبحت لا تستطيع الحراك من الفراش . وأصبح المرض والفقر والمعاناة متلازمات عند تلك العزة النبيلة تحت مظلة مايسمى بالمشروع الحضاري . بعد أن فكر وبصورة جادة في طلاق الوطن طلاقاَ بائناَ الذي كانت تربطه به علاقة زواج كاثوليكية لايحق فيها الهجر أو الانفصال قام ببيع أثاثه المتواضع في المنزل من اجل الهجرة إلي تلك الدولة . ووجد ضالته هنالك وأصبح موظفاً في واحده من المؤسسات الضخمة ،، لكن في الشهر الثاني من فترة تعينه وبينما هو يشاهد نشرة التاسعة حدث مالا يحمد عقباه ,, فقد ظهر الريس بزيه العسكري المعهود والقي خطبه حماسيه طويلة مصاحبة بالرقص والأغاني الجهادية الفارغة في تلك الخطبة صب الريس جام غضبه وسخطه ولعنه لتلك الدولة التي يقيم فيها ياسر لعدم اعترافها بشرعية الثورة منذ ميلادها الأول ... وتوترت العلاقات بين البلدين الدبلوماسية والاقتصادية وتم تبادل الطرد للسفراء من الطرفين. وأصدرت وزارة داخلية تلك الدولة منشوراً لإدارة الجوازات والهجرة يقضي بترحيل أي سوداني من تلك الدولة إلي السودان .