[email protected] كثيرا ما استوقفنى المثل القائل ( فاقد الشيى لا يعطيه ) وكنت الى حين طويل من الزمن مقتنع به وبمفاداته . ولكن بقدوم الانقاذ ومعايشتها على مدى سنوات حكمها التى تجاوزت العقدين من الزمن تبدلت الكثير من القناعات عندى و عند الغالبية الغالبة المغلوبة على امرها من السودانيين ، ليس فى المواقف و القناعات ولكن فى الشخصيات التى تتلون كما الوان الحرباوات. اولئك الذين اصبحت عندهم الاجابة الواضحة الجلية الوحيدة للسؤال الواضح الجلى الفصيح محل نظر وتأويلات وإلتفافات وتحويرات حتى يحتار السائل نفسه عماذا كان يسأل .يحكى ان احد الاباء سأل ابنه هل يبيض الثعلب أم يلد ؟ وعلى الرغم من ان السؤال كان عن الثعلب الذكر وليس الانثى فإن الابن لم يتردد فى الاجابة فقال لوالده – والله يا بوى الثعلب ده مكار يمكن يلد ويمكن يبيض . ونحن الان فى زمن الثعالب التى تجعل من الاحزاب الكبير صغيرة المواقف ومن الصغيرة اكبر موقفا من احجامها . وتصنع من الحبة قبة ومن القبة ولا حاجة . يبدو لك احدهم قمة شاهقة فى بعض المواقف المستدرجة للبسطاء و لكنه سريعا ما يتنصل عنها عندما يحقق هدفه منها. وهذا نهج معلوم لكل متسلق .و متّبع عند السياسيين السودانيين منذ الاستقلال . ولكن ما هو غير مفهوم ان يتنصل عن ارائه ويبيع مواقفه التى صنعت منه ايقونة سياسية ذات يوم . وهذه الثعالب التى تتلاعب بمصير الوطن كله ليس النظام الحاكم الاسلامى او الانقاذى وحده ،ولكن هنالك سندا عظيما يجده من أمثال هؤلاء وممن يعتبرون احزابا كبيرة ،وهى فعلا كبيرة الحجم ولكنها ضامرة الوطنية . وليس هذا افتئاتا عليها ولكننا من مواقفها نحكم . ومن بديهيات تواجدها الظاهر على كراسى النظام الحاكم يجالسونه رأسا برأس على مقاعد السلطة دون ساتر بل بالكثير من المستور والمسكوت عنه. و يدفعونه بذلك للستمرار فى ذات منهجه و نهجه القاصد الى حكم الاقطاع و عودة العبودية و القنانة .قال لى احد اصدقائى ممن توافق ان يكون احد اخوته او عائلته وزيرا فى اى نظام حكم مرّ على السودان .انهم فى القبيلة اتفقوا على ان يكون لهم مسئولا فى اى نظام حاكم مهما كانت طبيعته ولا يهم توجهه. ولهذا السبب اختارونى انا لاكون وزيرا فى نظام الانقاذ دون قناعة منى ولكن نزولا على رأى القبيلة , هذه هى عقلية القبيلة و الطائفة .و مبررات التنازل عن الوطنية . وبمقارنة هذا الرأى مع مواقف الامة والاتحادى من الانقاذ وتواجد ابنى القيادتين الطائفيتين فى اعلى مقاعد الرئاسة ايقنت ان الوطن عندهما هو فقط هذين المقعدين. وليقل فى ذلك من يريد القول . ولكن الغريب المريب فى الامرهو سقوط من كنا نظن انهم يمثلون الوجوه الوطنية الشابة و ليس الطائفية فى هذه الاحزاب وكنا نعول عليهم كثيرا فى هز ورجرجة مواقف الكبار المنغلقة على خياراتها المحسوبة اسريا والدفع بها نحو فهم جديد للوطن والوطنية وكسر ابواب الفكر القديم العتيق المنغلق ليفسح المجال لهبوب رياح التغييير . ولكن يبدو ان بالحزبين الكبيرين نيكوتين ناجز التأثير ينشط مفعوله ليصرع الشباب فتتذبذ مواقفهم و يدخلوا فى معمعة الانبطاح و المراوغة ذاتها التى كانوا يرفعون شعارات اسقاطها . فتصبح مواقف النظام الذي كانوا يعارضونه مقبولة بل ولا بديل لها , من مثل ان تصبح حكاية هجليج تكئة للمزايدة فى الوطنية دون المرور على اسبابها و مسببيها و ماذا صنع السياسيون الحاكمون و المنبطحون لتفاديها ، بينما تموت قضايا الاعتداء على السيادة الوطنية و ترتفع بدلا عنها رايات مزقتها ما يزيد على ستين عاما من هزائم الانظمة العربية وخذلانها لقضايا ابناء اوطانها .لا اجد ابدا مبررا او مسوقا بعد انفصال الجنوب و احتلال الفشقتين و مثلث حلايب شلاتين و ابو رماد ان تكون القضية الفلسطينية قضيتنا المركزية اليوم كما قال السيد السمانى الوسيلة فى احد اللقاءات . بل كان عليه على الاقل ان يقول انها بعد تجاوز احتلال اراضينا سوف ترجع فلسطين قضية مركزية . والا فليفهمنا كيف يستطيع فاقد الشيئ ان يعطيه ؟ مثل هذا الخطاب المسهوك لم يعد يعنى اكثر من مستبضع التمر فى هجر، و هجر هذه هى اسواق المؤتمر الوطنى . وشباب السودان اليوم لا يعرف طريق هجر هذه واشجار النخيل تغطى سماوات الخرطوم لتعلن عن عروبتها كما يعتقد البلهاء الذين قضوا على اشجار الظل فيها . ذات ذهنية المتذبذبين بين الحق والنفس غير المطمئنة هى التى تدفع بمثل هذا الوسيلة لان يتوسل القربى لذات ابو هاشم و ذات النظام الحاكم و لا يجد غير تمره هذا المسوس الذى لا يفرّق بين مواقف المعارضة واهدافها وبين مسار النظام الحاكم و اهدافه المعلنة ليمضى فى سلوك النهج الاستعباطى ليعلن على سبيل المثال ان القرار 2046هو ابن شرعى لهزيمة حكومة جنوب السودان . وفى ذات الوقت تعلن حكومة الشمال رفضها له ،رغم انها فى حسابات الوسيلة انتصار لها .ليس لسبب سوى انه يريد ان يضيف لوزارة الخارجية مدحا و يعلن بانها تحركت "بصورة عملية" لانجاز هذا القرارلا يستطيع تقديم سند حقيقى لهذه الصورة العملية سوى طرح مسيخ للوصف الوظيفى لاى دبلوماسى دع عنك منظومة وزارة الخارجية بكامل اطقمها وتفرعاتها . ولهذا السبب يبادر ليقع فى ذات الحفرة التى وقع فيها الوزير المقال مسار حين ملأ فمه فى شأن لا يعنى وزارته واعلن عن مخطط اسرائيلي لضرب المطارات السودانية بعد احتلال الابيض .حين يعلن السيد الوسيلة انه عندما كان ويرا للدولة فى وزارة الخارجية عن " ضبطهم لخطة إسرائيلية تقوم على تجنيد أجانب يستخدمون الجواز السوداني " لابسا ثوب جهاز الامن او شرطة الجوازات فى وزارة الداخلية.نحزن كثيرا حين نرى الانبطاح يتمدد كل يوم من قبل من كنا نظنهم نسائم عليلة فى بركة الاحزاب "الكبيرة" و يتمدد حزننا حين يعجز هؤلاء عن تسويق مواقفهم الانتهازية الجديدة بنهج غير ذلك المألوف و بخطاب فى منتهى التسطح و التكرار من مثل " قناعتي ان الحرية لا تتجزأ ، لكننا حكومة ومعارضة يجب ان نعمل على بسط الحريات بالتوصل لإتفاق تراضي لأن الوطن ملك للجميع والخاسر والرابح هو الشعب ، علينا جميعاً الخروج من دائرة الغضب الشخصي والملكية الخاصة والنظر بعين الوطن لا المصالح الحزبية " اهلا لهذا القول الكبير ان تتساوى الحكومة والمعارضة فى المسئولية ونبصم بالعشرة على بقاء النظام على نهجه ووتيرته وكنكشته فى كل مفاصل الدولة ومؤسساتها التشريعية والتنفيذية و مدججة باعتى القوانين المانعة للمشاركة ؟ وان نعمل رغم ذلك معها على "بسط الحريات" لو انك كشفت لنا عن هذه الوسيلة لتوسلنا بها للعمل على بسط الحريات هذه يا وسيلة . ان اكثر ما يضر بتطلعات المواطنين لحياة حرة كريمة ديموقراطية هى امثال هذه البيعات التبادلية بعد ان انتهى زمن التجارة البكماء فى عصر تكنولوجيا الفضاء و الاتصالات . [email protected]