الدعم السريع يعلن السيطرة على النهود    وزير التربية والتعليم بالشمالية يقدم التهنئة للطالبة اسراء اول الشهادة السودانية بمنطقة تنقاسي    سقطت مدينة النهود .. استباحتها مليشيات وعصابات التمرد    عقار: بعض العاملين مع الوزراء في بورتسودان اشتروا شقق في القاهرة وتركيا    عقوبة في نواكشوط… وصفعات في الداخل!    الهلال يواجه اسنيم في لقاء مؤجل    تكوين روابط محبي ومشجعي هلال كوستي بالخارج    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    سلسلة تقارير .. جامعة ابن سينا .. حينما يتحول التعليم إلى سلعة للسمسرة    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فلنذكر الآن جميع الشهداء
نشر في الراكوبة يوم 13 - 06 - 2012


/ المحامي
[email protected]
يصادف الثالث عشر من شهر يونيو الجاري الذكرى الخامسة لاستشهاد أربعة من شباب المحس برصاص شرطة الانقاذ أثناء مشاركتهم في مسيرة سلمية نظمها مواطني منطقة المحس في أقصى الشمال و المهددة بالغرق حال قيام سد كجبار المقترح وذلك تعبيرا عن رفضهم للمشروع الذي سيجبرهم للخروج من ديارهم. وكان في ظن المتظاهرين ومن بينهم الشهداء الأربعة وهم: الشهيد فقيري ان تنتهي المسيرة سلمية يعبرون خلالها عن رفضهم للسد بطريقة حضارية ويبلغوا رسالتهم للسلطة الحاكمة ثم يعودوا إلى زراعتهم ومنازلهم آمنين وقد غاب عنهم حينها أو تناسوا أن السودان يرزح تحت قبضة عصبة تستبد بها الغلظة وتسيرها الفظاظة وأن حسن الظن بهكذا عصبة يدخل في باب الإثم, لذلك ألجمتهم الدهشة حينما حصد رصاص الشرطة في لمح البصر أرواح أربعة منهم وخلفت عشرات من الجرحى, ولم يكن من السهل عليهم أن يستوعبوا أنه لا يزال في القرن الواحد والعشرين صنف من البشر لا يتورع في قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق هكذا دون ذنب كقتلهم للذباب أو أسهل. وأنى لهم أن يستوعبوا ذلك وهم الذين ألفوا الحياة الآمنة التي لا يعكر صفوها قتال تثيره عصبيات أو أطماع أوعراك على ثريد أعفر وهم الذين يعتقدون بأنه لا يوجد سبب واحد يبرر قتل النفس البشرية وبسبب ذلك الاعتقاد قد تمر عليهم مائة عام دون أن تشهد ديارهم جريمة قتل واحدة بل قد تمر أعوام دون أن تدون في دفاتر مراكز الشرطة بلاغ واحد. وتلك الحياة الآمنة استحقوها بجدارة فقد صاغوها بخلقهم الرفيع وسلوكهم القويم فهم أهل التسامح فلا تعصب ولا تزمت ولا غلو وهم أرباب التعفف والأمانة فلا طمع لأحدهم فيما لدى الغير بينما يرتادون الثريا بطموحهم وهم أهل الصدق في القول والفعل وهم أهل الجود والكرم وبعبارة واحدة هم ورثة الاستقامة من أسلافهم أهل كوش الذين قال فيهم المؤرخ الأغريقي هيرودوت قبل آلاف السنين " هؤلاء الكوشيين المستقيمين" .
مرت خمسة اعوام منذ وقوع الجريمة ولا يزال القتلة يلوذون بالسلطة التي وفرت الحصانة اللازمة للمأمورين من أية ملاحقة قانونية وذلك بنص القانون نفسه تحسباً لمثل هذه الحالات. والحصانة ليس القصد منها حماية هؤلاء المأمورين ولكنها تهدف إلى حماية القتلة الحقيقيين الذين يتخفون وراءهم ويصدرون أوامرهم بالقتل من وراء حجاب وضمان استمرار المأمورين في الامتثال لمثل هذه الأوامر دون خوف من الملاحقة القانونية. والحصانة القانونية هذه التي ابتدعها الانقاذ والتي يتمترس خلفها 25% من المواطنين حسب وزير العدل الحالي هي من ناحية تعبير عن غياب دولة القانون و زوال حكم القانون فهي مخالفة صريحة للدستور الذي ينص على مساواة المواطنين أمام القانون ومن ناحية أخري دليل على سوء قصد السلطة الحاكمة التي ضمنت تلك الحصانة في صلب القوانين المعنية بحجة فطيرة مفادها حماية المحصنين للقيام بأداء أعمالهم دون خوف من ملاحقة. والشاهد أن القوات النظامية ظلت تقوم بدورها وواجباتها المتفقة مع القانون ومع قيم أهل السودان دون أن تكون الملاحقة القانونية سببا يخل بواجباتهم أو يقلل من حسن أدائهم لأعمالهم والحماية القانونية متوفرة أصلاً بموجب قانون العقوبات فالمادة 11 من قانون العقوبات ينص على :( لا يعد الفعل جريمة إذا وقع من شخص ملزم بالقيام به أو مخول له القيام به بحكم القانون أو بموجب أمر مشروع صادر من السلطة المختصة , أو كان يعتقد بحسن نية أنه ملزم به, أو مخول له القيام به.) فهذه مادة فيها متسع من الحماية لموظفي الدولة الذين يقومون بحسن نية بأفعال في إطار القيام بواجباتهم الوظيفية ولكن تظل هذه الحماية تحت رقابة القضاء فهي الجهة التي تحدد إذا كان الفعل الذي قام به الموظف العام فعلا لا يرتب مسئولية جنائية وفقا للمادة المشار إليها. أما الحصانة التي اسبغها الانقاذ على منسوبيه فهي تمنع ابتداء اتخاذ أي اجراءات ضد المتهم تؤدي إلى مثوله أمام القضاء وهي حصانة تهدف إلى فتح الباب أمام المحصنين لخرق القانون والتعدي على حقوق المواطنين بما في ذلك حقهم في الحياة دون أن يخضعوا للمساءلة القانونية بسبب ذلك التعدي وخير دليل على ما ذهبنا إليه هو جريمة قتل شهدائنا الذين نحتفل الآن بالذكرى الخامسة لاستشهادهم ولا يزال ملف التحقيق قابعا في أدراج وزارة العدل ولا يبدو في الافق أية نية لدى السلطات لتقديم الجناة للمحاكمة بالرغم من وضوح الجريمة وبالرغم من نتائج التحقيق التي انتهت بالتوصية بتقديم الجناة للمحاكمة. ورغم أن السلطات تدعي أن الحصانة يقصد بها حماية الأفراد أثناء قيامهم بأعمالهم إلا أنه في الواقع العملي نجد أن الحماية تمتد لتغطية الممارسات الشخصية التي لا تمت للعمل الرسمي بصلة مما يجعل الحصانة تمثل في جانب منها حافزا تقدمه السلطة للمحصنين مقابل قيامهم بأعمال تخالف القانون والأخلاق والأعراف فهذا فرد في قوة نظامية في المناقل انتزع ارض سكنية من مواطن وبنى عليها منزله وأقام فيه ومرت سنوات والنيابة العامة تطالب من الجهة التي يتبع إليها ذلك الفرد أن تسمح لها بتقديم منسوبهم للقضاء دون أن تجد ردا ولا أدري إلى أين انتهى الأمر في نهاية المطاف وأيا كانت النهاية فان مجرد قدرة تلك الجهة النظامية على تعطيل سير العدالة حتى في القضايا الشخصية ولو ليوم واحد هو أمر جلل ينم عن خلل عظيم في المناخ القانوني للدولة وميل واضح لميزان العدالة. ولكن المهم أن هذا التوسع في استخدام الحصانة لتشمل المسائل الشخصية للمحصن أمر منطقي يتسق مع الغرض الذي ابتدع من أجله الحصانة فلا يعقل أن توفر لي الحماية عندما أقوم باعمال القتل والترهيب والتعذيب دفاعا عن النظام ثم تقوم بتقديمي للعدالة عندما أقوم بأعمال أهون من ذلك فقط لان تلك الاعمال لم تكن في سبيل الدفاع عن النظام.
مرت خمس سنوات منذ أن ارتكب القتلة جريمتهم ولا زالوا هاربين بجريمتهم بسبب هذه الحصانة الممنوحة لهم, حيث لم يتمكن أولياء الدم من ملاحقة الجناة وتقديمهم للعدالة حتى يومنا هذا وبالرغم من تعاقب أربعة وزراء علي وزارة العدل منهم الوزير كامل الدسم ومنهم تمومة الجرتق من أمثال سبدرات والمرضي ولكن لم يكن أحد منهم راغباً أو قادرا على تقديم ملف الجناة إلى القضاء تأكيدا لما توصلت إليه الأمم المتحدة من أن القضاء في السودان غير قادر وغير راغب في تحقيق العدالة والحديث عن استقلال القضاء لا يكتمل بمعزل عن استقلال النيابة العامة فلا يمكن أن يكون هنالك استقلال قضاء دون أن تكون هنالك نيابة عامة مستقلة ولكن الواقع في السودان يؤكد أن الكل واقع تحت سيطرة الحزب الحاكم, السلطة التنفيذية والسلطة القضائية وكذلك السلطة التشريعية التي تبصم بالعشرة على قرارات السلطة التنفيذية وذلك بالرغم من أنها جاءت عبر انتخابات تزعم السلطة أنها كانت حرة ونزيهة بل شفافة ايضاً تماما كما كان يزعم زين العابدين بن على وحسني مبارك وعلى عبد الله صالح قبل أن تجرفهم رياح الثورة.
مرت خمس سنوات وقد يمر عام آخر أو بعض عام والجناة في مأمن من العدالة ولكن لسوء حظهم لم يكن الجرم الذي اقترفوه جريمة سب أو تهجم تسقطها توالي الليالي وتعاقب السنين فهي جريمة قتل مكتملة الأركان وهي لا تسقط بالتقادم. وغذا ستشرق الشمس وينقشع حجاب الظلام عن الخفافيش التي استمرأت العيش والتخفي في الليل البهيم. ومهما طال الليل فلابد أن يعقبه إصباح وكلما اشتدت حلكة الليل كان ذلك ايذانا بدنو الفجر لأن أشد ساعات الليل حلكة هي تلك الساعة التي تسبق الفجر واظن أننا الآن نعيش تلك الساعة. وغدا, وإن غدا لناظره قريب, ستقوم دولة القانون التي تساوي بين جميع المواطنين حكاما ومحكومين, وحينها ستأخذ العدالة مجراها ويمثل مصاصو الدماء أمام العدالة مجردين من حماية السلطة ودروع الحصانة ولو دامت لغيرهم لما آلت إليهم, وهل كان يدور في خلد القذافي أو جال بخاطرة في لحظة وهو في حماية كتائبه الأمنية التي ظن أنها لا تقهر و قد سخر لها أموال ليبيا وجلب لها أسلحة الفتك من كل حدب وصوب, هل كان يدور بخلده أن يمر عليه حين من الدهر يستجدي فيها الثوار في ذلة وانكسار ان يمهلوة أو يرحموه وهو الذي لم يعرف قلبه الرحمة لحظة طوال تاريخه في الحكم وهل كان يتخيل وهو يصف شعبه الثائر بالجرزان أن يختم حياته متخفيا في أنبوب للصرف الصحي مثله مثل الجرزان. أم كان صدام حسين الذي سمح لنفسه أن يمارس القتل ضد أبناء شعبه بكل الوسائل بما في ذلك غاز الخردل يتخيل يوما أنه سيجد نفسه في نهاية المطاف قابعاُ في حفرة ظن أنها تقيه من غضبة شعبه وأنه سيجر إلى المشنقة على يد أفراد من شعبه. كم هي كثيرة الدروس والعبر ولكن قليل من يعتبر.
وكما درجنا على ذلك في كل عام سنحتفل في الثالث عشر من الشهر الجاري بذكرى شهدائنا وفي كل بقاع الارض يحتفل النوبيون بهذه المناسبة وهو أمر نأسف له إذ كان المأمول أن لا يقتصر الاحتفال على النوبيين وأن تكون مثل هذه المناسبات جميعها قومية يشارك فيها جميع أفراد الشعب السوداني في شرقه وغربه وجنوبه وشماله ولكن هكذا أصبحنا لا نحس بآلام بعضنا البعض ولم يعد الحس القومي كما كان في السابق فالأمر الوحيد الذي نجح فيه الانقاذ هو تفريق أبناء الشعب السوداني وتشتيتهم في جزر معزولة عن بعضها باستخدام سياسة فرق تسد. إنه حقا مشروع ضحم مشروع الانقاذ هذا, مشروع موجه ضد الانسان فيصير خواء والأرض فتصير يبابا والتاريخ فيصبح نسيا منسيا والهدف هو المستقبل أي ألا يكون لهذه الأمة مستقبل أو مكان تحت الشمس. إن كل من يدقق في أعمال هؤلاء سيجد هذا المشروع واضحا جليا. ولكن يبقى سؤال هام : مشروع من هذا؟ هل يقوم الانقاذ بهذا المشروع أصالة أم وكالة؟ ربما نجيب على هذا السؤال في مناسبة أخرى ولكن الآن ونحن في حضرة الشهداء وبمناسبة مرور خمسة أعوام على استشهاد فتيتنا الأشاوس لا بد أن نحيى ذكراهم وننتهز المناسبة لنحيي كذلك ذكرى جميع شهداء الوطن الذين سقطوا وهم يدافعون عن كرامتهم وكرامة وطنهم ومواطنيهم ونردد مع شاعرنا الكبير البروفسور مبارك بشير ومع الفنان الخالد محمد وردي:
نذكر الآن جميع الشهداء
كل من خط على التاريخ سطرا بالدماء
كل من صاح في وجه الظلم لا لا
ونقول لشهدائنا أنكم أشرف منا جميعا وانكم كتبتم سطورا بدمائكم على صفحات تاريخ هذا الوطن ولم ولن تذهب دماؤكم هدرا فسنظل أوفياء للعهد باقون على المبدأ وسنظل صامدين في الأرض العتيقة أحياء أو نموت فيها وقوفا كما النخيل ولن نسمح لأحد أن يهين كرامتنا أو يخضعنا لغطرسته وغروره الأجوف . سنظل قابضين على جمر الحق بينما يتقلب الآخرون في المواقف بتغير المواقع فهذا أحد أساطين النظام وأحد الذين شاركوا في إزهاق أرواحكم إن لم يكن مباشرة فعبر مشاركته في وضع سياسات القتل والبطش والتنكيل واتخاذه منهجا واسلوبا لمواجهة الرأي الآخر ها هو الآن وقد وضع في هامش السلطة يقف في منبر إحدى مؤسساتهم الصورية و يقر بحق بعدم جدوى مشاريع السدود ويطالب باعادة النظر فيها وهو الذي كان سيفا مسلطا على معارضي قيام سد كجبار ولا يكف عن ملاحقتهم وتكميم أفواههم والزج بهم في معتقلاته . ألم أقل لكم إنه غطرسة وغرور أجوف ذلك الإصرارمن صاحب السدود ومن لف لفه على قيام السد دون أن يكلف نفسه بأن يتواضع ويجلس مع أهل الشأن ويقف على رأيهم حتى وإن كان غير راغب في الاسترشاد به. وهل كان يرجى من أمثاله غير هذا السلوك وما ذا كان يتوقع المرء من فاقد تربوي يوكل إليه شأن خطير كالسدود كانت تقوم عليها وزارة وضع أسسها وبنى قواعدها أفذاذ من أبناء هذه الامة النابهين الذين اشتهروا بعلمهم وفوق ذلك بخلقهم الرفيع من أمثال المهندسين يحيى عبد المجيد وصغيرون الزين ومن سبقوهم ومعهم رهط من المهندسين النجباء الذين ما وضعوا في موقع إلا وكانوا كالنجوم يهتدى بهم . وهذا زمانك يا مهازل فامرحي.
سيظل النهر القديم يبتسم لكم كلما مر بمحازاة "كدنتكار" وستظل الأجيال تذكركم بكل الفخر والاعزاز وتحتفل بذكراكم جيلا بعد جيل أينما كانوا, أما عن القتلة فنقول لكم أنهم الآن صاروا قاب قوسين أو أدني من الحساب ورغم تظاهرهم بالثبات وإدعاء الاطمئنان بابتساماتهم الصفراء ورقيصهم الأشتر عبر شاشات التلفاز إلا أننا ندرك ما بدواخلهم تماما فإنهم يموتون كل يوم ألف مرة من فرط الخوف وأنهم كلما شعروا بدنو الصبح أحسوا بأرواحهم تبلغ حلاقيمهم. بقي أن نبلغكم أنه بعد رحيلكم عن الفانية اجتاحت الدول العربية ثورة سميت بالربيع العربي هذه الثورة أطاحت بعدد من الحكام الطغاة وقطفت رأس أحدهم والآخرون في الانتظار أما في السودان فقد طمأن الحكام أنفسهم وأكدوا أنه لن يكون في السودان ربيع عربي وربما صدقوا في ذلك لأننا لا نعرف في السودان ربيعا فنحن موعودون بالهبباي أو قل هو ريح صرصر لا محالة آت فلقد بلغ السيل الزبى وطفح الكيل بالماء.
سيظل الثالث عشر من يونيو يوما من أيام السودان السوداء أو الأكثر سوادا, فقد صارت الأيام كلها مظلمة في ليل تمدد وطال, يذكره المؤرخون حينما يؤرخون للاستبداد والطغيان في السودان وسيذكره الناس حينما يحدثون الأجيال القادمة عن ظلم الانسان لأخيه الانسان في ظل أنظمة القهر و الطغيان. وسيذكره الناس حينما يتنسمون عبير الديموقراطية ويتفيأون ظلالها وعن لهم المقارنة بين لظى الاستبداد ونعيم الديموقراطية. ذلك ان ما حدث في هذا اليوم هو الأكثر دلالة على مفارقة عصبة الانقاذ لكل قيم الأرض والسماء رغم تشدقهم بهذه القيم وهو الاقوى برهانا على أن أنظمة البطش والاستبداد لا تعرف سقفا لطغيانها وهي في سبيل الحفاظ على سلطتها لا ترعى في الناس إلاً ولا ذمة . لقد قتلوا هؤلاء الفتية دون سبب يبرر القتل حتى بحسابات الطغاة وبدون أي دافع يرقى لأن يراق في بغيته الدم فقد كان القتل بدافع تأكيد هيبة الدولة كما كان يردد منتسبي الحزب الحاكم واسكات الأصوات التي تعارض رغبات السلطة الحاكمة وحزبها القابض. لقد مهدوا لذلك بأن حشدوا قواتهم بكامل أسلحتها من الكلاشنكوف إلي الدوشكا الرباعية حتى يكون الترهيب جسيما في ارض لا تعرف سلاحا منذ أن وضع أهلها أرضا سلاحهم من القسيّ والسهام قبل بضع مئات من السنين, وصبوا نيران أسلحتهم تلك على ظهور أناس عزل أثناء تراجعهم اتقاء الغاز المسيل للدموع. ثم بعد أن أرتكبوا جرمهم المشهود تمترسوا خلف حصانة أسبوغها على أنفسهم وأصابوا العدالة في مقتل وهم بذلك يؤكدون أنهم أقدموا على جريمتهم عمدا ومع سبق الاصرار والترصد بحيث لا يجرؤ أي قاض تحيط بنزاهته الشكوك أن يجد لهم مخرجا من جريمتهم وإلا لوضعوا ملف القضية أمام القضاء وحصلوا على براءة لا يستحقونها. ولأن هذا اليوم وبكل دلالات الحدث يوم استثنائي في تاريخ الوطن فإنني أتوجه بالدعوة لكل الاحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني أن يتخذوا من هذا اليوم يوما وطنيا لشهداء الوطن, يوما نذكر فيه جميع الشهداء الذين خطوا بدمائهم سطورا على التاريخ وكل الذين سقطوا شهداء وهم يصيحون في وجه الظلم لا. التحية لشهداء كدنتكار ولكل شهداء الوطن والخزي والعار للقتلة مصاصي دماء الشعوب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.