إليكم الطاهر ساتي [email protected] الدواء ... التحرير ومواجع أخرى ..(2) ** أمريكا ذات الإقتصاد الحر، لم تحرر سوق الدواء، بل تحرص على تحديد التسعيرة .. وكذلك بريطانيا، فرنسا، روسيا، الصين، و..كل دول العالم تقريباً، بمختلف سياساتها الإقتصادية - رأسمالية كانت أو إشتراكية - لاتدع حبل أسعار الأدوية لغارب السوق، أو كما تفعل وزارة المالية حالياً بتبرير مفاده : ( تنفيذ البرنامج الإقتصادي)، وكأن صحة الناس خارج أجندة هذا البرنامج البائس..نعم في كل دول العالم تختم سلطاتها على صندوق الدواء بختم التسعيرة، بحيث يعرفها المريض ولايتجاوزها الصيدلي.. وهذا ما لن يكون في السودان بعد اليوم، ما لم تتراجع المالية وبنك السودان عن قرار تحرير سعر الدواء.. وللأسف، رغم تحكم المجلس القومي للصيدلة على التسعيرة، لاتزال أسعار الدواء في السودان هي الأعلى في دول الشرق الأوسط، حسب آخر تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية (2007)..!! ** إذ يقول التقرير بالنص : (أسعار الدواء في السودان هي الأعلى في هذا الإقليم، وتضاعفت أسعار بعض الأدوية (18 ضعفاً) عن أسعارها في المؤشر العالمي)..ويمضي ذات التقرير العالمي قائلا بالنص (الكويت - تلي السودان في الترتيب - وصلت أسعار بعض الأدوية فيها فقط خمسة أضعاف سعرها في المؤشر العالمي)..وتختم المنظمة تقريرها موضحاً أسباب الغلاء بالنص التالي : ( يعزى ذلك الى هامش الربح الكبير الذي تضعه شركات الأدوية غير الملتزمة بالتسعيرة والى الرسوم الحكومية المفروضة )..هكذا حالنا ..أي لم يكن المجلس رقيباً فاعلا بحيث لايكون هامش ربح الشركات كبيرا، وكذلك لم تكن الحكومة رحيمة بحيث لاتفرض رسوماً..وإن كان ذاك حالنا قبل قرار التحرير، فكيف يكون الحال بعد القرار يا حكومة ال (ساحق والماحق) ..!! ** وقلت البارحة بأن نهج مجلس الصيدلة يشجع على إحتكار سوق الدواء لشركات بعينها، وهذا صحيح.. إذ لاتوجد تنافس في الأصناف، ولايوجد تنافس في التسجيل، والأدهى والأمر : لايوجد تنافس في التصنيع.. فالنهج الإداري والقانوني للمجلس عقيم ومتخلف، ولايشجع إلا على الغلاء والإحتكار والإستيراد، بدليل : تأمل الأرقام التالية.. سوريا ذات النظام الآيل للإنهيار، تنتج (97%) من أدوية شعبها محلياً.. مصر التي أطاحت بنظامها قبل عام ونيف، تنتج (93%) من أدوية شعبها محلياً..تونس، حالها كحال مصر، تنتج (80%) من أدوية شعبها محلياً، وكذلك الجزائر تنتج ذات النسبة .. أما نحن في السودان - تحت ظل شعار توطين العلاج بالداخل - نستورد (80%) من إستهلاكنا الدوائي..ولاتشاركنا في ذيل القائمة غير الصومال وتشاد - وشنو كدة فاسو- ثم دول لاتسمع بها ما لم تبعثر صفحات الأطالس وتحدق في خرائطها.. ودونكم تقارير الصحة العالمية، وتقارير والمجلس ذاته، أي : يكتبون عجزهم عن تشجيع الصناعة الوطنية بأيديهم، ومع ذلك ( لايرحلون !!!)..!! ** ذاك شئ، والشئ الآخر - وهو الأعمق إيلاماً- نهج مجلس الصيدلة في تسجيل الأدوية بحيث تكون الأصناف الدوائية متوفرة، كماً وكيفاً.. تسجيل حزب سوداني في أمريكا قد يكون أسهل - وأرخص - من تسجيل صنف دوائي في السودان، ولذلك لم يتجاوز حجم الأصناف الدوائية المسجلة في السودان ( 2.300 صنفاً فقط لاغير).. أثيوبيا - القريبة دي - يتجاوز حجم الأصناف الدوائية المسجلة فيها (30.000 صنفاً)، ولذلك تتنافس الأصناف بجودتها وأسعارها لصالح المواطن الأثيوبي..ولكن هنا، تكلفة تسجيل صنف دوائي بالمجلس تتجاوز مبلغاً قدره (20.000 دولار).. ومع ذلك، لك أن تعلم - يا وزير الصحة - بأن تسجيل صنف دوائي في السودان يستغرق زمنا يتراوح ما بين ( العام والخمسة أعوام).. وهنا نسأل بشئ من الشك والريبة : لمصلحة من يتلكأ المجلس في تسجيل أصناف الأدوية، بحيث يكون الدواء متاحاً ورخيصاً؟، أي لايكون الصنف محتكراً لشركة أو لوكيل.. واليوم، لو زار وزير الصحة مكاتب هذا المجلس، سوف يجد (1.300 ملفاً) في إنتظار تسجيل أصناف دوائية جديدة،علما بأن بعض الملفات تنتظرالتسجيل منذ ثلاث سنوات..هكذا النهج السلحفائي للمجلس، ربما لايعملون من ساعات العمل الرسمية إلا (بضعة ثوان)..فليذهب اليهم وزير الصحة ويطلع على تلك الملفات، ليتأكد( بنفسو)، إذ ربما أنا (عدو امبريالي ساكت )، أو هكذا مقبرة الحقائق في بلادنا..ويتواصل الحكي غداً - باذن العلي القدير - نحو ( اللحم الحي ) ..!!