[email protected] سيساق إلى سجن كوبر..مع ذلك فور أن سمع بأن الانقلاب وقع بدأ يوضب حقيبته بإطمئنان بل بنشوة الإنتصار..زوجته وصال المهدي هي فعلياً من تتولى أمر أغراضه وهي ثاني من يعلم بأمر الانقلاب في البيت وهي كذلك كانت مطمئنة..مرات عديدة احتجز الشيخ حسن الترابي في سجن كوبر أو كل ما وقع حدث سياسي مهم في البلد..لكن هذه المرة هو من صنع الحدث، خطط له بدقة وحدد ساعة الصفر، مسألة إعتقاله هو من وضعها في السيناريو ..قبل ثمانية أيام من ليلة 30 يونيو قيادات مهمة جاءوا إلى الترابي في بيته ..خلعوا نعليهم أمام باب (صالون الشيخ) ..في الداخل جلسوا مطرقين يسمعون منه الوصايا الأخيرة وكأن على رؤسهم الطير، كان علي عثمان أبرز الوجوه وكذلك علي الحاج وإبراهيم السنوسي وبدر الدين طه وعبد الله حسن أحمد وغازي صلاح الدين ومهدي إبراهيم..إطمأن الشيخ على أن ضابط الجيش الذي سيتلوا بيان الانقلاب ثقة ولن يتراجع سأل عن اسمه رغم أنه عرفه وإلتقاه فقط نساه على ما يبدو قالوا له العميد عمر حسن..تواثقوا على أن ما يفعلونه سيكون خالصا لوجه الله مكث في السجن بضع شهور أكثر مما هو متفق عليه، عدا ذلك سارت الأمور أسهل من التوقعات، وأصبح حلم الترابي بحكم البلاد غاب قوسين، سينتهي الانقلاب إلى شرعية دستورية ستنتخبه رئيسا لوزراء السودان خلال سنوات، إجتهد لاجل ذلك في تأسيس برلمان إنتقالي (المجلس الوطني الانتقالي) ونصب نفسه رئيسا له بعد دورة أو دورتين، وبدأ سقف الحريات يرتفع، بعد أن كانت صحيفة واحدة صدرة صحيفة وتبعتها أخرى، والتنظيم مضى يتمكن سراً و علانية، وحلم الترابي أوشك أن يتحقق، مجلس قيادة الثورة بدأ يتساقط الموت يختطف بعضهم ومنهم من تقدم باستقالته، وأخيرا صدر قرار بحل المجلس وهي أكبر خطوة في إتجاه تحقيق حلم الدكتور الشيخ، ثم صكه قانون للإنتحابات اطلق عليه قانون (التوالي) أسمى أهدافه أن يعيد صورة الممارسة الديمقراطية كنظام سياسي ثم يعيد العسكريين إلى سكناتهم.. وحلم الشيخ يقترب ولا شيء يحول بينه وحكم البلاد ..ولكن ماذا حدث؟ قبل أن يتلو بيان الانقلاب ويعرض العميد عمر حسن البشير نفسه للخطر، كانت أحلامه واضحه وهدفه من كل مما يجري محدد، وهو إنقاذ البلاد حق وحقيقة، فهو رجل من غمار الناس، ويكاد أن تتطابق أحلامه مع البيان الذي تلاه صبيحة يوم الجمعة 30 يونيو، وحلم آخر كان يراوده تلك الليلة ناجم من كون أنه ضابط وهو تحسين وضع الجيش الذي كان يعاني ويلات وقتها..لن نسترسل في تفاصيل حلم العميد عمر حسن ليلة 30 يونيو وفقط سنترك البيان يفصح عن ذلك الحلم والذي قال فيه " تدهور الوضع الاقتصادي بصورة مزرية وفشلت كل السياسات الرعناء في إيقاف التدهور ناهيك عن تحقيق أي قدر من التنمية مما زاد حدة التضخم وارتفعت الأسعار بصورة لم يسبق لها مثيل واستحال على المواطنين الحصول على ضرورياتهم إما لانعدامها أو إرتفاع أسعارها مما جعل الكثير من ابناء الوطن يعيشون على حافة المجاعة، وقد أدى التدهور الاقتصادي إلى خراب المؤسسات العامة وإنهيار الخدمات الصحية والتعليمية وتعطيل الإنتاج بعد أن كنا نطمع أن تكون بلادنا سلة غذاء العالم أصبحنا أمة متسولة تستجدي غذاءها وضرورياتها من خارج الحدود. وانشغل المسؤولون بجمع المال الحرام حتى عم الفساد كل مرافق الدولة، وكل هذا مع استشراء التهريب والسوق الأسود مما جعل الطبقات الاجتماعية من الطفيليين تزداد ثراء يوم بعد يوم بسبب فساد المسؤولين وتهاونهم في ضبط الحياة والنظام." وكل مبتقى العميد القادم للتو من مناطق العمليات أن يعم الرخاء والسلام وأن ترفرف راية الإسلام ويتحقق المشروع الحضاري الذي استطاع أن يقنعه به الإسلاميين للدرجة التي يعرض فيها نفسه للخطر..من كانوا قريبين من الرئيس البشير في السنة الأولى وما تلاها أكدوا أنه زاهد في الحكم ومشفق من الأمانة يوم القيامة..وثقته في المدنيين الإسلاميين عمياء طالما الغاية هي المشروع الحضاري ومسيرة قاصدة إلى الله كما كان يتردد وقتها..بيد أن البشير ظل رئيساً حتى العيد الثالث والعشرون لثورة الإنقاذ، ولكن هل تحقق حلمه، الذي عبر عنه البيان الأول على الرغم من أنه لم يتدخل في كتابته؟ سنرى مجريات الأحداث لاحقاً... لا أحد يستطيع أن يتنبأ بأحلام علي عثمان ليلة 30 يونيو ، إلا أنه الرجل الثاني بلا منازع، إبن الشيخ البكر المدلل، وقطعاً سيكون الرجل الثاني في الدولة الجديدة التي يخطط لها الشيخ، هذه المكانة المقطوع بها أهلته أن يحلم بعد نجاح الانقلاب بأن يكون الرجل الأول، وهذا ما راح يفسر به البعض بقاء الشيخ في السجن أكثر مما هو متفق عليه، وما أكد ذلك أيضاً موقفه من المفاصلة التي أطاحت بالشيخ خارج منظومة الحكم وأبعدته للأبد من دائرة الضوء على الأقل ضوء حكومة الإنقاذ، وعلي يحلم بدور اكبر بعد تلك المفاصلة الأحداث أول الأمر بدأت تمهد الطريق لحلمه ، ها هو يحقق نجاح في نيفاشا ويوقف الحرب التي استمرت لأربعين سنة، إمكانياته الذاتية تؤهله لأن يصبح رجل دولة أكثر من الآخرين المتحلقين حول الرئيس ..الحركة الإسلامية الأم والشباب كانوا يقفون إلى جواره ليحقق الدولة المدنية وخاصة أن الشيخ غاب ..ولكن حلمه خاب لأسباب لم يكشف عنها أحد ولم تتجاوز مربع الشائعات هذه هي أحلام الثلاثة الكبار ليلية 30 يونيو ، مدبر الانقلاب ومساعده الأول والمنفذ العميد عمر حسن البشير..قبل أن نرى أين ذهبت أو تبددت هذه الأحلام هنالك مجموعتين رئيسيتين لا يمكن أن نقفل أحلامهم في تلك الليلة، مجموعة العسكريين الذي شاركوا في التنفيذ وتقاسموا خطر اللحظة مع الرئيس البشير والذين عرفوا في مابعد بمجلس قيادة الثورة، ومجموعة التنظيم المقربة من شيخ الترابي أو كما كان يطلق عليه بمجلس الاربعيني للحركة الإسلامية وهي مجموعة ضرب عليها شيء من الغموض لأغراض الهيبة في تقديري الخاص مجموعة العسكريين أو مجلس قيادة الثورة لا ينكر أحد دورهم في نجاح الانقلاب، إلا أنهم ومن اليوم الأول كانوا مزعنين لتقاسم الأدوار بينهم وبين المدنيين من حزب الجبهة القومية الإسلامية، ولم تكن لهم احلام وطموحات كبيرة، وعلى صغرها كانت مرصودة ومحسوبة عضو مجلس قيادة الثورة العميد وقتها محمد الامين خليفة قال في حوار مع صحيفة الاهرام اليوم " كنا نشرف فقط ونترك العمل لمدنيين المتخصصين ولا نتدخل في عملهم"..في نهاية الأمر حل مجلس قيادة الثورة وضع حداً لهذه الطموحات والأحلام،فتفرقوا أيدي سبأ البعض يعمل في الزراعة والتجارة أمثال العميد إبراهيم نايل إيدام واللواء دمنيك كسيانو والعميد صلاح كرار والعميد سليمان محمد سليمان وهو آخر من تقاعدو ومنهم من تقدم بإستقالته وأشهر هذه الاستقالات كانت للعميد عثمان أحمد الحسن والذي لعب دورا محوريا في إنقلاب 30 يونيو وخطط لكل صغيرة وكبيرة وكان مرشحا لرئاسة مجلس الثورة ، وبعد أقل من ثلاث سنوات تقدم بإستقالته لاسباب غامضه لم يكشف عن حقيقتها بعد، وما يؤكد أن وراء الأمر شيء خفي فبعد أن تقدم العميد عثمان باستقالته خرج مجلس الثورة على الناس ببيان مغتضب لم يشر فيه إلى إستقالة وقرر فيه إعفاء عثمان ..الملاحظ أنه في نفس العام أي 1992 استقال أيضا العقيد طيار فيصل مدني مختار وايضا صدر قرار بإعفاءه بعد أن تقدم بإستقاله وكل ما رشح ان هنالك إختلاف في وجهات النظر بينه والمجلس وبقي الأمر على حاله إلى يومنا هذا.. مجموعة القادة العسكريين ومجموعة قيادات الإسلاميين إستشرى في وسطهم موت الفجأة وفي حوادث مفجعة، وضعت حدا لاحلامهم وطموحاتهم، القياديالعسكري من جنوب السودان أعلن نبأ وفاته فجأة وقيل أنه مات مبطون وكان عضوا بمجلس قيادة الثورة وسريعا ما اطلق اسمه على شارع مهم، الحادثة الفاجعة كانت موت الزبير محمد صالح أكثر أعضاء مجلس قيادة الثورة شعبية وهي شعبية باتت تنافس شعبية الرئيس، قتل في حادث طائرة في 1998 عندما إنحرفت الطائرة عن المدرج وسقطت في نهر السوباط ومات الزبير غرقا ..حادث طائرة آخر أودى بحياة رجل مهم وهو أصغر الضباط سنا في مجلس قيادة الثورة الرائد إبراهيم شمس الدين الذي هبطت به الطائرة في مطار عدارئيل إلا أنه أستضمت بحائط المطار واحترقت ومات في الحادث عدد من الضباط العظام في الجيش، الموت المفاجيء ولكن على الأرض هذه المرة يضع حدا لأحلام وطموحات د. مجذوب الخليفة..وهو رجل عرف بطموحاته وتطلعاته للقيادة وكان من قبل ولايا على ولاية الخرطوم وقتل في حادث حركة في طريق شندي الخرطوم بعد إنفجرت إطارات السيارة التي كان يستقلها مع عدد من أفراد أسرته بالعودة إلى عراب الثورة د.الترابي نجد أن حلمه بات صعب المنال إن لم يكن مستحيلاً، فبعد المفاصلة تحول إلى عدو النظام الأول ويكاد لا يمر عام وإلا يودع في السجن بعد أن فرضت عليه إقامة جبرية طويلة، صراع الترابي أو مجموعة المنشية مع مجموعة القصر صراع حول السلطة أو كما قالوا بيد من تكون السلطة من قاموا بالثورة أم في يد الدستور الترابي قال " قلنا لهم لابد من الحرية وعودة الممارسة الديمقراطية وأن يتوالى الناس في الحكم" مجموعة القصر ألمحت إلى أن الرجل دكتاتور ويستخف بالآخرين ويريد أن ينفرد بكل شيء ويسلبهم كل شيء ، صراع السلطة هذا أطاح بأحلام كثيرين من وقفوا مع الشيخ وأسسوا حزبهم الخاص في ما بعد حزب المؤتمر الشعبي ليخرجوا نهائيا من دائرة السلطة إلا من تاب بعد ذلك ورجع في ملة القصر رئيس الجمهورية المشير البشير، واقع الحال يؤكد أن أحلامه ذهبت أدراج الرياح، وأول ما تكشف له أن العالم لن يقف مكتوف الأيدي لتحقق أحلامك وتصنع بلادا إسلاميا مرفها، وطفق يضع المتاريس أمام حلمة، الحرب إشتعلت في كل أطراف السودان بدلا عن السلام، الحصار الإقتصادي الذي ضرب على البلاد بسبب التوجه الإسلامي كسر عظم المواطن البسيط، وهنالك من إستغلوا الثورة وأثروا وإغتنوا وإمتلكوا البيوت الفارهة والسيارات المسومة، إلا أن المشير لا يزال يكافح لتحقيق حلمه النائب الأول إلى يوم الناس هذا النائب الأول، دوره في الأحداث يزيد ويضمحل، لم يتحقق له أن يكون الرجل الأول على الرغم أن قدراته مقطوع بها ولا يغمضها أحد من رفاقه أو أعدائه، ونعود ونقول أن حلمه وطموحاته لا يستطيع أن يتنبأ بها أحد. هنالك مجموعة كانت تعمل وتحلم ، تجاهد وتحلم، مجموعة شباب الحركة الإسلامية أو شباب الإنقاذ في ما بعد، إنخرطوا في الكتيبة الخضراء ولواء القعقاع، ومعسكرات الدفاع الشعبي ومجموعة الدبابين ،و حاربوا في الجنوب والشرق والغرب وجنوب كردفان والنيل الأزرق ، شعارهم لا لدنيا قد عملنا نحن للدين فداء، إلا أن شهوة المال جعلت بعضهم يتهافت على الإستثمار وبعضهم زهد في العمل العام وآخرين ساندو الشيخ وأصبحوا من المغضوب عليهم، وأيضا هنالك مجموعة لا تزال تنتظر نصر الله وتحقيق دولة العدالة في السودان الإنقاذ في عيدها الثالث والعشرون، تراجع حلمها الأول، ثورة إسلامية شعارها لا لدنيا قد عملنا إلا أن الدنيا تقعد لها كل مرصد، فبعضهم تفتنه شهوة السلطة بعد أن كان يزود عنها يرفع السلاح في وجهها أمثال د.خليل إبراهيم وأعوانه، ومنهم من جأت به من البدو ليصبح آخر النهار من أثرياء المدينة ويعتزل السياسة والعمل العام بعد أن فتنته شهوة المال ولا داعي أن نضرب الأمثال ..فهل ستراجع الثورة أحلامها بعد كل هذا العمر من الحكم ؟