[email protected] * تقول الطرفة أن أحد الموظفين بدائرة حكومية كان يخطي كثيراً في عمله مما يجعله عرضة للتعنيف والتوبيخ من مديره. الموظف لم يكن يقبل التوبيخ بإعتباره يتكىء على خبرة تزيد على ثلاثين عاماً وهو يجد في هذه السنوات المتصلة ما يشفع له كل أخطائه.وفي إحدى المرات ارتكب خطأ جسيما فغضب مديره الذي لم يكن مقتنعاً بسنوات الخبرة لموظفه فقال له: أنت تمتلك خبرة سنة واحدة مكررة ثلاثين مرة. * حال ذلك الموظف أشبه بحال الكثير من المؤسسات في بلادنا مثل كرة القدم على سبيل المثال، فالمعروف أن السودان هو أحد ثلاث دول أسست الإتحاد الأفريقي لكرة القدم، إلا أن ذلك لم يكن كافياً كي يتميز السودان في هذه الرياضة بالمقارنة مع رصيد الخبرة الطويل، والدليل هو حال كرة القدم اليوم، لأنها لم تستفد من التراكم المعرفي للخبرة الطويلة التي تهيأت لها، فصارت تعيد إنتاجها دون إبداع حقيقي يضاف لرصيد عمرها الزمني. * الصحافة السودانية كذلك ورغم السنوات الطويلة من الخبرة، لكن حالها اليوم يغني عن السؤال.صحف تتوقف، وأخرى في طريقها للتوقف. ومشاكل تعاني منها صحف أخرى لأسباب مختلفة منها ما يتعلق بالرقابة، أو أسباب إقتصادية تتعلق بنقص الإيرادات مقابل زيادة النفقات أو نتيجة لإرتفاع التكاليف وزيادة أسعار المدخلات. إضافة لعوامل أخرى مثل تقلص الإعلان وضعف التوزيع خاصة بعد زيادة أسعار الصحف، مما يعرض صناعة الصحافة في السودان إلى خطر حقيقي. * أن تتوقف صحيفة كلياً هو أمر مؤسف في بلد يحمل إرثاً عريقاً في الصحافة مهما كانت أسباب ذلك التوقف. فالسودان هو واحد من أقدم الدول في المنطقة في هذا المجال، لكن تراكم الخبرة لم يشفع للصحافة أن تنهض وتتطور كما يجب إذا ما تم مقارنة واقع الصحافة السودانية مع بعض دول المنطقة التي عرفت الصحافة حديثاً. * المشاكل الإقتصادية التي تعاني منها الصحافة بوجه عام ليست حكراً على الصحافة السودانية وحدها طالما أن أسعار الصرف العالمية واحدة، ومصادر مدخلات الإنتاج واحدة تقريبا.فلماذا لا نسمع عن توقف صحف في دول أخرى؟. إذن المشلكة لا تتعلق بالوضع الإقتصادي وحده فهناك خلل تنظيمي وهو الأكبر تأثيراً. أعتقد أن معظم مشاكلنا في السودان تتعلق بالإدارة، والصحافة واحدة من المؤسسات التي تعاني من أخطاء تنظيمية وإدارية كبيرة، رغم أن قانون الصحافة والمطبوعات المعدل عام 2009م أدخل تحسينات عديدة في مواده، لكن ما يزال القانون يتعامل مع الصحف بإعتبارها شركات تجارية مما يعطي كل من يمتلك المقدرة على إصدار صحيفة، وهذا أول عيوب هذا القانون، وقد ظهرت نتائجه في الكم الكبير من الصحف التي بدأت تتساقط مع أول الإختبارات. * السمة البارزة للصحافة الناجحة هو الاستقرار، وهذا لن يتأتي في تقديري إلا عبر نظام إداري يضبط إدارة الصحيفة بشكل كامل. وهناك تجارب ناجحة في بعض الدول قامت بتطبيق نظام المؤسسات الصحفية بحيث لا يتم إصدار أي صحيفة إلا عبر مؤسسة صحفية تتكون من عدد من الأعضاء المؤهلين وبرأسمال مناسب يجعلها قادرة أن تدير عملياتها بكفاءة وفاعلية وأيضاً بربحية عالية. لماذا لا يطبق هذا النظام الناجح حتى لا نكرر سنوات الخبرة دون تطور ملموس على الأرض.