د. علي عبدالقادر [email protected] د.علي عبدالقادر - باحث اكاديمي - باريس كنا قد تعرضنا في مقالة سابقة لجانب كوننا من الشعوب التي تحمل في دواخلها كثير من التناقضات واولها واسؤاها إدعاء الفرد منا سلامته من العيوب وافتراض ان تلك العيوب متأصلة في الاخر، بغض النظر من هو ذلك الاخر الاخ او ابن العم او الجار او كل الشعب السوداني عدا الانقاذيين. ومن تلك التناقضات اتهام الحكومة للشعب ابتداء بنكران الجميل ونسيان انه كان "شعب من الشحادين" يقضي نهاره امام المخابز للحصول بشق الانفس على بضع رغيفات،ويمضي ليله في صفوف طلمبات البنزين، في حين أنه بعد مجيء الانقاذ التي اكتشفت وأخرجت البترول تثقف ذلك الشعب وأصبح يعرف سيارات الهمر والكاديلاك، ويستعمل لعدادات الكهرباء الحديثة كروت "الجمرة الخبيثة"، ويستمتع بعالم زين ومشاهدة قناة النيل الأزرق ويفاخر ببرج الفاتح، وواحة الخرطوم، والفيلل الرئاسية، وبدلاً عن الاغتراب بالمملكة السعودية بحجة "حجة و زوغة" اصبح المواطن السوداني يحج الان عبر الحج الفاخر. وتقسم الانقاذ بأن السودانيين شعب ناكر للجميل فرغم أن الانقاذ رفعت متوسط دخل الفرد "الكوز" إلى 1800 دولار في الشهر وأقامت سد مروي وإستوردت له الكهرباء من إثيوبيا فهو يتظاهر لمجرد رفع سعر الكهرباء 200 في المائة فقط. وكيف أنه شعب يعيش على الماضي ولا يقبل التطوير والرقي فيحزن على موت الناقل الوطني الجوي والبحري والبري بسبب بيع الخطوط الجوية السودانية والخطوط البحرية السودانية وإختفاء السكك الحديدية ، في حين ان السودان أصبح بفضل الانقاذ يصنع طائرات مثل صافات 01، صافات 02، صافات 03 ، بل يصنع طائرات بدون طيار!!!. وكذلك تتهم الحكومة الشعب بالكسل لفشله في تطبيق شعارات الانقاذ "ناكل مما نزرع ونلبس مما نصنع" لأنه ترك الأقاليم والقرى وهجر المزارع و"الحواشات" وترك المصانع ليأتي للاستقرار بالخرطوم محاولا التسوق "شوفوني" في المركز التجاري عفراء ويكتشف راقصاَ "سنتر الخرطوم والسهر بالكوم، اشتهينا النوم، حلوة دنيتنا وكل حاجة تمام" كلام في كلام يا عوض دكام". وتتهم الانقاذ الشعب بعدم الطاعة العمياء لانه وبحسب كبيرهم الذي علمهم السحر استشهد او مات فطائس ألاف الالاف فقط دون النجاح في أسلمة الجنوب ودون تحقيق "امريكا قد دنا عذابها"، وانتهاء لاتهامهم للشعب بان منه متمردون وعملاء لجهات خارجية و شذاذ افاق! - ورد التعبير الاخير مرتين في صفحة 31 من كتاب الشهيد سيد قطب "صراع الراسمالية والاسلام" مما يدل على إحتمال ان البشير قد قراءه وانفعل به !!! وهكذا نجد بأن الانقاذ بعد أن ترمي باللوم على الشعب وكيف أنه لم يرتقي لمستوى ألإنقاذ مما أدى لفشل الحكومة على جميع الاصعدة وبدون استثناء. تدخل في مرحلة ما بعد فشل التبرير عند اكتشاف الشعب بأنه قد خدع، وبدل أن يعترف المسئول او النظام الحاكم بفشله ويستقيل كما في الدول المتقدمة التي يصل الأمر عند بعضها وزرائها للانتحار، تتحول الإنقاذ كما في دول العالم النامية أو "النائمة" للدفاع عن الموقف ولو بالباطل. وبالطبع يلعب المطبلون من المنتفعين وأصحاب المصالح والمخدوعين الخط الدفاعي الاول فيسبحون بحمد "الشلة الحاكمة" ويزينون لهم سوء عملهم، ومن ذلك تلك الصيحات الحماسية "التكبير، التكبير" او "سير سير يالبشير". وهنا يبدأ الحاكم في تصديق انه على صواب لا يحتمل الخطأ ومن عداه على خطأ لا يقاربه الصواب ) مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَاد(،فيرفض كل رأي مخالف ويحشد حوله المزيد من السدنة والموالين. ثم تأتي مرحلة الاعتقاد الجازم بأنه حاكم بأمر الله، أسوة بملك إنكلترا القائل"نحن الملوك نجلس على عرش الله على الأرض" وإقتداء بقول الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور"إنما أنا سلطان الله في أرضه" فيترجمه باللهجة السودانية "الزارعنا غير الله اليقعلنا"!!!، متناسياَ قول أبوبكر الصديق وخليفة رسول الله "ص" (وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وأن أسأت فقوموني)، جاء في الأثر "" لو وزن إيمان أبي بكر في كفة وإيمان الأمة في كفة لرجحت بهن كفة أبي بكر" . ثم بعد مرحلة "التمكين"، يقوم النظام الحاكم بتطبيق قاعدة "جوع كلبك يتبعك"، فيفقر الشعب ويشغله بالبحث عن قوت يومه والبحث عن توفير مصاريف الأولاد، فيرفع الأسعار ويكثر من الضرائب، ثم زيادة في إلهاء الشعب يقوم بتمزيق لحمة وسدى المجتمع من خلال إحياء العصبيات والقبلية و الجهوية، وبعد أن يخلق أو يتسبب في نشؤ الأزمات من الغلاء والبلاء والحروب كما هو الحال في جنوب السودان الجديد"هجليج" ، وجنوب كردفان، النيل الأزرق، يبرر تمسكه بالحكم مدعياَ بأنه حامي وحدة البلاد من الحروب الأهلية والصوملة، وانه سيطبق الشريعة الإسلامية، يعني "يداوي ويفلق". وقد يألف البعض فقد الحريات والذل والخنوع وسياسة مماشة الأمر الواقع"أدروب ولوف"، "والولف كتال"، ويلجاء البعض الأخر للنصح في حياء همساَ ثم في جدية جهراَ النظام الحاكم، فإذا تعدوا الخطوط الحمراء فخرجوا (من "النق" إلى النقد)، يقوم النظام بالتضييق عليهم وتشريدهم "بالفصل للصالح العام"، ثم التضييق على الحريات بمصادرة الصحف والاعتقالات في بيوت الأشباح، فالسجون، والتعذيب. وهكذا يتطور النظام الحاكم سلباَ فيدخل مراحل التسلط والاستبداد اتجاها نحو الطغيان (وفرعون ذي الأوتاد، الذين طغوا في البلاد، فأكثروا فيها الفساد، فصب عليهم ربك سوط عذاب، إن ربك لبالمرصاد). ورغم كل ماسبق يبقى دوري ودورك وواجبنا جميعاَ نحن الفقراء الى الله الذين ندخل تحت زمرة "لست طالب سلطة لا عن طريق الانقلاب ولا عن طريق الانتخاب" هو رفض الاستبداد والطغيان من ناحية " الدين النصيحة ثلاثا قلنا لمن يا رسول الله قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم " ، ومن ناحية ثانية يدفعنا الحس الوطني للانتظام في منظمات مجتمع مدني، وتكوين أحزاب جديدة، وتجديد الأحزاب القديمة بدماء شبابية جديدة وتفعيل الشورى والديمقراطية داخل هذه الأحزاب، وتكوين النقابات وغيرها من صور التوحد، وإيصال النصيحة للحاكم بالتي هى أحسن حسب القاعدة الفقهية "لا دخول ولا خروج ولا سكوت"، لا دخول بمعنى أن لا بيع للمواقف الوطنية بل مقاطعة الحاكم مقاطعة تامة، ولا خروج تعنى تحاشي الوصول للمدافعة والمواجهة المسلحة مع الحاكم وإلا أستبد صاحب كل رأي مخالف بقوة مسلحة مما يعني تكوين مليشيات وإحياء لسنة الانقلابات في المستقبل وفي ذلك إعطاء شرعية للانقلاب الإنقاذي نفسه،لا سكوت تعني إيصال النصيحة وقول الحق والجهر به وفضح الفساد بكل السبل والوسائل السلمية ومن ذلك تنظيم المظاهرات والدعوة لعزل النظام الحاكم والوصول للعصيان المدني. (والعسكر أدونا سوطين وفكونا كالعادة يا اخونا .. حيكومة مربوشة دايرين شغل .. مافيش غير نغسل العربات غير نضرب الاورنيش حمالة .. جرسونات .. شغلاً ما يوكل عيش وبالحالة دي الكشة بلدية والبوليس ... مرات يجيك الديش ما يقبضوا الباعوض .. ما يقبضوا الضبان .. الما بدور فتيش الارزقي السمسار .. إشمعنى نحنا وليش إحنا الحرامية واللا البدسو العيش الزول يخاف يكفر .. يرجع يقول معليش) . ونظل نحلم مع الشاعر حميد ذلك الحلم الجميل: (مرة شافت فى رؤاها طيرة تأكل فى جناها حيطة تمتطى وتفلع فى قفا الزول البناها فى جنينة سيدى سمعت تمرة تصقع للوراها الارض لابد ترجع للتِعب فوقها وبناها). [email protected]