شاهدت خلال هذا الشهر ثلاثة حلقات لمتحدثين في حلقتين في في قناة ام درمان والثالث شاعر معروف في قناة اخرى . الحلقة الاولى. اعادة لبرنامج في بث في عيد الاضحى الماضي على ما يبدو وكانت الإعادة متزامنة مع المظاهرات الأخيرة .تحدث في الحلقة اثنان من ابناء اقصى الشمال الذين هجروا الى الشرق . امعنا في الحديث بعنصرية وجهوية بلا تحفظ .شتم احدهم الخرطوم وأهلها وأهل العاصمة واصفا إياهم بالبخلاء وانهم يخزنون لحم عيد الاضحى في الثلاجات. وتحدث الثاني ممجدا ابناء قبيلتهما وكيف انهم لا يغنون لان الغناء )عندهم عيب انسته عنصريته ان فنان السودان الاول من هذه القبيلة (,و انهم يجلبون ابناء قبيلة اخرى للغناء لهم في مناسباتهم . قال انه لن يذكر اسم القبيلة "علشان ما يزعلوا." ثم ردد احدهم نكات لن اشير الى مفرداتها, لكن اقول لم تسلم منها المشاعر الدينية .مشيرا بها الى شجاعة ابناء قبيلته .ثم امعن في المدح فقال ان التسول في قبيلته عيب وشرح كيف ان بقية السودانيين متسولين ,اللهم لا اعتراض في امر الله .كان احدهما طوال الحلقة يلتفت الى المذيعة نصف التفاتة وهي كم كانت تبدو خائفة ومقهورة بل أحيانا كانت تبدو مرتجفة . وتراجعت عن سؤال حين رد عليها بتفصدي شنو؟ ؟؟؟ امعن في الجهوية والعنصرية لدرجة انه وضع رطانة قبيلته في مرتبة عليا اعلى من اللغة العربية ,حسنا هذا لا يضيرنا في شيء من حق أي إنسان أن يعتز بإرثه وتراثه ,لكن بالمقابل عليه ان يلتزم ادب احترام الاخرين وثقافاتهم وارثهم . اخطر ما في الحلقة انه اعترض على امنية المذيعة بان يكون السودان موحدا وأكد ان السودان سوف يتقسم .عجبا لهؤلاء كم يكرسون لتفتيت وحدة هذا الوطن يعلنون ذلك في مباركة الاعياد دون يرمش لهم جفن .لقد شاهدنا زمان ايام كان الوطن وحدة واحدة وقبل ان تبث الانقاذ سموم الفتنة والتمزق بين ابناء الشعب الواحد كنا نشاهد على تلفزيون السودان برامج نستمتع فيها بتنوع الثقافات.وفي راديو ام درمان كان برنامج من "ربوع السودان يتحفنا بباقات من اغاني الشرق والغرب والشمال بكل تنوعاته والجنوب .ومازلت اذكر اغنية ياي بليدنا وكلنا اخوان سودان وطينا.كنا فعلا نطرب لها تماما كما نطرب لأغنيات مثل الزلال الله فوقا دي بت الشمال .ومن الشرق عليك الله يا اللوري سو البوري .وأغاني شاي البرامكة من غرب السودان وطلعت القمرة من الوسط وعربي جوبا سوري ليك انت ياخي كفارة لي انا . و اغاني اخرى من جبال النوبة قد لا نفهمها لكن يتحرك وجداننا معها ويسافر خيالنا في رحلة سعيدة متخيلين تلك الامكنة التي يأتينا عبقها من خلال الفن فنكتفي بذلك ونمني انفسنا اننا سوف نراها يوما ما ,حين يتطور البلد ويسمح نظام المواصلات الميسرة والمتطورة بذلك .كان السودان ربوعا واحدا .قبل ان تفتح المجالات والقنوات لأمثال هؤلاء ليبثوا سموم العنصرية البغيضة.لا فرق عندهم ان يبثوها بين ابناء الشمال انفسهم ,بين منطقة ومنطقة. او بين قبيلة وأخرى. من أين يأتي أمثال هؤلاء وأين ذهب اولئك؟. الحلقة الثانية كانت افطار رمضاني في بيت واحد من شيوخ الانقاذ لم يقصر ايضا في تضجره من البندر وسماحة اهل الشمالية وقيمهم .طيب يا شيخنا الشمالية دي بعيدة ؟ والمقعدك هنا شنو.؟ .ماتمشي تحي نار المسيد هناك ومسجدك ومجمعك الذي شيدته في البندر الذي تتضجر من الحياة فيه ,اولى به منطقتك في الشمالية .ثم تحدث الشيخ عن النجوم التي اختفت في سماء الخرطوم بسبب الغابات الاسمنتية وانه يذهب في رحلة خصيصا ليري النجوم في الشمالية ,حسنا من الذي شيد الابراج الاسمنتية في الخرطوم ومن الذي زاد الكثافة السكانية ) المعمارية( الاسمنتية في الخرطوم ؟. المشهد الثالث هو ذلك الشاعر الذي اتى الى البندر للدراسة ,فشتمه )فكال له الشتائم ما ظهر منها وما بطن( في قصيدة يتباهى بها في كل المناسبات والمهرجانات ثم بقي في البندر لعقود حتى تبوءا مكانة إنقاذية ما )مرموقة(. ) ولا زال سادرا في شتم البندر واهله( .ويقول شوم شوم كانت جيتي للخرطوم . )الجابرك شنو على الشوم ..ماترجع . ( النيل الابيض ما بعيدة . على الجانب الاخر من البندر يلتزم ابناء البندر العريقين الادب .وما سمعت احدهم زار اقليم او مدينة وشتمها .هم المضيافون في صمت المتفهمين لهجرة اخوانهم في الريف )البسطاء منهم وليس الجاحدين ( . كم تشاركوا معهم بأدب جم ازمات ألمواصلات وشح المياه . بسبب الزيادة في الكثافة السكانية ,وغيرها من الازمات الاقتصادية البيوت في المدينة التي كانت ولا زالت ملجأ للطلاب من الأهل والأقارب القادمين من الريف أو الذين يطلبون العلاج ..الخ ,غير منكرين عليهم حقهم في التجول و الاقامة في اي جزء من اجزاء الوطن . ,متفهمين ان سبب الهجرة من الريف الى المدينة هو قصور الحكومات المتتالية في التنمية في تلك المناطق .وقضايا سياسية أخرى لا يتسع المجال هنا لذكرها . اما الذين يشتمون البندر وهم فيه "مكنكشون", وكم شيدوا من بيوت وقصور ومخرت عرباتهم الفارهة شوارع البندر , متناسين حق مناطقهم عليهم ومزكين لنار الفتنة الجهوية .اقول لهم اعتذروا لأهل البندر وقد انكرتم عليهم قيمهم ووصفتموهم بالبخل وعدم الترابط واشياء اخرى يعف احيانا اللسان عن ذكرها..وانت يا شاعر الانقاذ الذي تقول "وزو لتي. الكنت . لقيته براي ....زولين" . حقيقة يعف قلمي ان يكرر بيت شعرك . اقول لك الم تسمع الشاعر صلاح احمد ابراهيم ماذا قال في الطير المهاجر عن بنت البندر ووفائها لمسافر لا تدري متى يعود . أقول قولي هذا وكل بنات السودان عندي واحد.لكن المشكلة انه عندما يكون الفن رخيصا,مرهونا للسلطة منحازا لقضايا ذاتية ,فهو يكرس لقيم رخيصة . تبث سموما لتشتت مفاهيم الناس .وتنسيهم قيم فناني برنامج في ربوع السودان ,التي تمجد القيم الجميلة بوعي فطري ,في الشرق كانت ام في الغرب .في الجنوب او في الشمال .انا لم ات بشيء من عندي ,طالبوا اذاعة ام درمان ان تعيد بث حلقات برنامج في ربوع السودان . البندر وام درمان تحديدا هي خليط متجانس جدا لثقافات اهل السودان وأعراقهم المختلفة, تمازجوا عبر التاريخ والعقود ليخرجوا ثقافة راقية ,هي ثقافة انت ود ناس منو؟ او انتي بت ناس منو.؟ نسى الناس في امدرمان منذ امد بعيد "انت جنسك شنو" !!!. هذا التمازج لن يتوقف مادامت الدنيا . الملاحظ ان من يشتم البندر هم النخب الانتهازية المستفيدة من البندر.وليس اولئك البسطاء في حزام التهميش الذين هم فعلا في حنين دائم الى مناطقهم ويتعايشون في سلام وامن في تلك المناطق فلم نسمع مرة واحدة بصدامات او مشاكل من هذا النوع و عندما تأتي الاعياد فانهم يعودون في حنين وحب الى مناطقهم .في دلالة واضحة على ان انهم ما اتى بهم إلا ضيق العيش وعدم التنمية في مناطقهم . يبغى السؤال المهم لمصلحة من تؤجج مثل هذه النيران .؟