[email protected] كثيراً ما يكون الصوم عن الكلام أو الكتابة مفيداً لصاحبه وللآخرين خاصة حين يركن المرء إلى التأمل في ما تفرزه طاحونة الأحداث اليومية دون تعجل بإبداء الرأي أو الانحياز لمنطق هذا أو ذاك0 وقد كان لشهر رمضان الكريم الذي آثرت فيه السكوت دوراً في إبعادي عن دائرة الثرثرة في مجريات الأحداث وإكسابي شرف المتابعة بعمق من غرفة المراقبة مما جعلني أخرج بحصيلة لا بأس بها من الانطباعات والنتائج والإستنتاجات0 وإذا كنت من قبل على قناعة بأن الانقسامات والانشقاقات في أحزابنا الأساسية هي موطن الداء العضال ومكمن الضعف الذي جعلها باهتة وخلق منها هياكل هلامية وفوقية عديدة يرأسها كل من لا يرضى بهيمنة الجسم الأم القابض على مفاتيح اللعبة باعتباره صاحب الجلد والرأس خاصة وأن ذلك الجسم المتبقي لم يعد يقوى على مزيد من الانشقاقات، فقد ظهرت على السطح ثقافة إستراتيجية جديدة تتيح تبني الأفكار المتناقضة في الظاهر والمتوحدة في الباطن أو العكس بمباركة قائد الحزب الأم الذي لا يرى ضيراً في مشاركة الحزب الحاكم بوريثه المستقبلي وفي ذات الوقت التخندق مع القوى الثورية ومبايعة بعض حركاتها المناوئة مع الدفع بسلسلة من مقترحات الحلول الوسطية للحاكمين والمعارضين للخروج من مأزق الحال المائل0 ويبدو أن ما تمخض عنه المخترعون في بداية الطفرة بخلق أجهزة ذات وحدة مدمجة تقوم بمختلف المهام وهي ما نشير إلي خواصها بالإنجليزية ب (ثري إن ون)، فقد راقت الفكرة لبعض الساسة لكي يتبنوا ذات الابتداع الجمعي0 وعليه إذا تحسن أداء الحزب الحاكم تباهوا بأنهم من المشاركين في صياغة أفكاره وإذا فشل نفضوا عنه أيديهم وتبنوا خطاب البديل ضمن منظومة كاودا التي تنتهج رؤى إزاحة النظام بمختلف الوسائل بينما يعلو لهم صوت ثالث يدعو للتغيير عبر وسائل مدنية وسلمية، فلا تشرق شمس يوم إلا وتخرج علينا بشكل ومسمى يدعو للحكومة القومية أو الانتقالية أو الفدرالية أو تلك التي تأتي عبر مؤتمرات دستورية جامعة لمختلف القوى الفاعلة في الساحة وهلم جرا دون أن تجد هذه المقترحات قبولاً لدى القابضين بزمام الأمور0 لقد لاحت خلال الشهر المنصرم بشرى بتوافق يعمل على إنعاش الاقتصاد المنهار بتدفق نفط الجنوب في شرايين الشمال المصدرة لقاء تعويض يغذي خزينتنا المشرفة على الذبول وعائد لم يكن المأمول لكنه خير من المكابرة وتحميل المواطن المفتقر تكلفة سد الفجوة، غير أن خلافات ترسيم الحدود والقضايا الأمنية ومتبقيات نيفاشا المتمثلة في المشورة الشعبية بجنوب كردفان والنيل الأزرق ومصير تبعية أبيي فضلاً عن مستقبل شرعية قطاع الشمال بالحركة الشعبية وجيشها وجميعها ملفات قابعة على طاولة المفاوضات وتحتاج إلى وقت طويل وصبر ومصابرة وحنكة تتطلب الإمساك والتفعيل لما تحقق من مكاسب حتى الآن0 وفي حين لا يقبل البعض بتنازل كهذا ويرون فيه بعض التدني لدرجة الانبطاح، يرى البعض الآخر إعمال عين العقل حتى لو أدى ذلك إلى مفاوضة وإعادة وجوه صنفت ذات يوم بأنها متمردة وخائنة0 لا شك أن هذا الحال يضعنا في محك يتطلب التعامل بحكمة تراعى المصلحة العامة قبل كل شيء حتى وإن اعتبر البعض أن هناك إراقة لماء الوجه إذ لا بديل في المنتهى سوى الاتفاق على كلمة سواء0 وسبق لي القول بأن قادة الأنظمة كثيراً ما يبررون تراجعهم عن بعض القرارات بتصنيف الخطوة على أنها مراجعة وليس تراجعاً لا أرى فيه ما يعيب طالما أنه سيتيح لسفينتنا الهائمة في عرض البحر فرصة الوصول لمرفأ الآمان0 فهل لنا أن نتفكر في عواقب الاختلاف إن ظل عالقاً كالسحب الممطرة في مناخ يوفر كل ظواهر الانهمار؟!