[email protected] لا يغيب الحس الساخر، حتى في أحلك اللحظات، عن تفكير الإخوة في شمال الوادي0 وقد أتاحت انتفاضة الخامس والعشرين من يناير للكثيرين فرصة التنفيس عما يجيش في خواطرهم من آراء نسجوها في هتافات وشعارات ومطالب وخلاصة نقد لاذع للنظام السابق ورموزه بما لا يخلو من طرافة وسخرية، وقد لا يجاريهم أحد في تلك الأساليب التي تجري في دمائهم كشعب تميز بسرعة البديهة وإطلاق النكات وتصوير الواقع بكل معينات التعبير الوصفي عبر الكتابة والرسم والتصوير والتجسيد المسرحي الخ0 ومع أن الكتاب والفنانين شرعوا في ترجمة يوميات الثورة إلى أدبيات مكتوبة وأعمال فنية لن تغفل شيئاً، ليت هناك من يسترجع أحداث تلك الثورة ويعكف على رصد منطق ومضامين اللافتات الفردية التي كان يحملها البعض حيث يكشف ذلك ما يعتمل في الدواخل من أقوال ظلت حبيسة لما يزيد عن نصف قرن0 وأذكر لما طال نداء المطالبة برحيل النظام وظل الرئيس المصري يراوغهم دون استجابة أن كتب أحدهم (كلموه باللغة العبرية 00 يمكن يفهم) إضافة إلى شعارات عديدة فرضت نفسها في ساحات التظاهر والاعتصام0 وبالأمس - وأنا أتابع مستجدات الأحداث بعد أن برأت المحكمة جميع المتهمين في قضية ما أطلق عليه (موقعة الجمل) التي اقتحم خلالها البلطجية وعناصر الأمن الخفية تظاهرات ميدان التحرير بالجمال والخيول مستخدمين السياط والعصي والأسلحة فتسببوا في مقتل وإصابة العديد من المعتصمين - شهدت ما نقلته الفضائيات عن نزول لصناع الثورة إلى الشوارع متظاهرين ومنددين بالقرار فقال أحدهم: هل يعقل أن يكون الذين امتطوا الخيول والجمال جاءوا من الفضاء الخارجي؟0 وقد لفت نظري أحدهم وهو يحمل لافتة كتب عليها (خيبة أمل 00 راكبة جمل) لأن المسألة لم تتوقف عند حد التبرئة وإنما تزامن معها قرار بتعيين النائب العام سفيراً لبلاده في الفاتيكان الشيء الذي لم يقبله النائب العام وزاول عمله بمكتبه مما قد يدخل الرئيس في نزاع مع سلطة القضاء0 وقد أراد الرئيس بالقرار امتصاص غضب الشارع ودعوته لمليونية تستهجن فشل النائب العام في تقاعسه عن إدانة المتهمين وتعارض المليونية التي دعا لها مؤيدو الرئيس محمد مرسي الذي أكد على مضي الحكومة في معاقبة ومحاسبة من أفسد أو تهاون في حق مصر0 ويبدو أن بطء إيقاع التغيير المتوقع بعد الثورة ناتج عن غياب ثقافة (التطهير واجب وطني) التي كنا قد لجأنا إليها بعد ثورة أكتوبر قبل التمهل ثم تم تطويرها إلى مقصلة (الصالح العام) عقب انقلابي مايو ويونيو، وهو ما لم يتبعه الإخوة هناك ربما لأنهم يخافون من الانهيار التام إذا أعملوا هذا النهج خاصة وأن كل الجالسين على مقاعد دولاب العمل العام من سدنة النظام السابق مما يدعو للتروي في عملية الكنس المأمولة لعناصر ظلت مهيمنة بعمر شباب الثورة0 بعد انتفاضة أبريل كان لدينا شعار ينادي بكنس أو إزالة آثار مايو وقد بدأ التطبيق أولاً بحل جهاز الأمن القومي ولكن فيما بعد تحسر بعض الناس على التعجل لأنه لم يكن يخدم أمن مايو بقدر ما أنه يعنى بأمن الوطن من الاستهداف الخارجي أيضاً وله من الوثائق والدراسات ما لا يمكن الاستغناء عنه، ثم استغرق التغيير زمناً طويلاً لدرجة أن شعارات وصور حكام مايو ظلت في الطرقات وحتى في دواوين الحكومة لفترة دون أن ينتبه إليها الناس ناهيك عن العناصر الإدارية المتخصصة والتشريعات وعلى رأسها قوانين سبتمبر0 فإذا احتاجت آثار ستة عشر عاماً وقتاً طويلاً للإزالة قد يحتاج الإخوة المصريين قطعاً لوقت أطول حتى يستصلحوا الأرض لينبت زرع ثورتهم قبل قطف ثماره لأن كل الثورات الربيعية بدأت كالشرارة بواسطة شرائح مجتمعية وسياسية مختلفة الأفكار لكنها مشحونة بالغضب من الأنظمة الحاكمة، ولا شك أنها تحتاج للجلوس والتحاور للاتفاق حول البرامج والأهداف المقبولة للجميع الشيء الذي يتطلب في حد ذاته صبراً ومصابرة0