السفير السعودي لدى السودان يعلن خطة المملكة لإعادة إعمار ستة مستشفيات في السودان    مليشيا الدعم السريع تكرر هجومها صباح اليوم على مدينة النهود    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    شاهد بالصور والفيديو.. على أنغام الفنانة توتة عذاب.. عروس الوسط الفني المطربة آسيا بنة تخطف الأضواء في "جرتق" زواجها    المجد لثورة ديسمبر الخالدة وللساتك    بالصورة.. ممثلة سودانية حسناء تدعم "البرهان" وثير غضب "القحاتة": (المجد للبندقية تاني لا لساتك لا تتريس لا كلام فاضي)    المجد للثورة لا للبندقية: حين يفضح البرهان نفسه ويتعرّى المشروع الدموي    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    الناطق الرسمي للقوات المسلحة : الإمارات تحاول الآن ذر الرماد في العيون وتختلق التُّهم الباطلة    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    قرار بتعيين وزراء في السودان    د.ابراهيم الصديق على يكتب: *القبض على قوش بالامارات: حيلة قصيرة…    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    باريس سان جيرمان يُسقط آرسنال بهدف في لندن    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    صلاح.. أعظم هداف أجنبي في تاريخ الدوري الإنجليزي    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    المريخ يخلد ذكري الراحل الاسطورة حامد بربمة    ألا تبا، لوجهي الغريب؟!    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    بلاش معجون ولا ثلج.. تعملي إيه لو جلدك اتعرض لحروق الزيت فى المطبخ    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حجاب المراة- قضية دين ام ازمة عقل..الحلقتين 3و4
نشر في الراكوبة يوم 30 - 08 - 2012


حجاب المرأة – قضية دين أم
أزمة عقل
إن الله لا ينظر الى أجسامكم ولا إلى صوركم بقلم: امين عمر سيد احمد
ولكن ينظر إلى قلوبكم - رواه مسلم
الحلقة 3/8 – مزيداً من أدلة العقل
لقد أوصل الإنقياد الأعمى والخضوع لسلطة التقليد بفعل الأسباب والعوامل التي ذكرناها آنفاً، المجتمع العربي الإسلامي لإطلاق صفة "متبرجة" بكل سهولة على الأنثى التي تظهر شعرها أو جزء منه، على الرغم من أن الشعر نفسه لا يمثل دوراً ذا قيمة من الناحية النظرية والعملية في عملية الإغواء التي عادة ما تكون الهدف الأساسي لعملية "التبرج"، مع ملاحظة أن نفس المجتمع يتفادى إطلاق ذات الصفة على الرجل الذي يخالف المألوف من الملبس كإرتداء قميص أو جلباب نصف كم، أو بنطال متوسط الطول، إلخ، مما يؤكد أن الأمر ليس متعلقاً باللبس أكثر من كونه مفهوماً إجتماعياً مستمد من تلك النظرة التجريمية للمرأة.
لقد حاولنا في الفقرات السابقة توضيح الإطار النظري للتعامل مع موضوع الملبس بشكل عام من زاوية العقل، إلا أننا نرى أيضاً وحتى تكتمل الصورة من الناحية المنطقية أن نناقش دعوى المطالبين "بالحجاب" بشكل أكثر تفصيلاً وإثارة للإهتمام، وقد رأيت أن ما كتبه الأستاذ هشام سمير دهشان في هذا الشأن يقدم إجابة رائعة بمقاله المعنون "الحجاب المزعوم" بتاريخ 24/3/2007 والمنشور بموقع مركز الدراسات والأبحاث العلمانية في العالم العربي. وها أنذا أورد بعض النصوص المطولة من مقالته تلك مع بعض التصرف بغرض خلق السلاسة المطلوبة مع مقالتنا هذه.
"هناك شبه إجماع عند رجال الدين المسلمين بان غطاء الرأس (الحجاب ) فريضة إسلامية، وإجماعهم هذا يرجع إلى زعمهم أن هذا الغطاء حجاب، فرضه الله سبحانه تعالى على المرأة المسلمة من أجل حجب زينتها وجمالها عن عيون الناس، ومن أجل حمايتها من الذئاب البشرية المتربصة بها."
"بكل صراحة مطلقة أرى أن كلامهم هذا غريب جدا وغير مقبول فكريا وذلك لسببين
السبب الأول لأن جمال وزينة المرأة موجود بقدر كبير في وجهها وليس شعرها،
السبب الثاني أن من ينظر للمرأة بغرض الإطلاع على زينتها أو مغازلتها، ينظر ويدقق في ملامح وجهها (عينها، شفاتها ،خدودها ،وجناتها) أما شعرها فليس مهماً بقدر أهمية الوجه الكبيرة جدا في مسألة زينتها وحسنها وللإيضاح أكثر في التالي هناك عدة أسئلة مهمة جدا ومفصلية في قضية الحجاب، ومن خلال الإجابة عليها سوف تتكشف لنا حقائق مهمة جدا في كشف أكذوبة الحجاب:
السؤال الأول أين تكمن زينة وجمال المرأة؟ السؤال الثاني ما هي مواصفات المرأة الجميلة التي تجعلها محط إعجاب واهتمام الرجال؟"
"أولا بالنسبة لمواصفات المرأة الجميلة فهي تختلف من شخص لأخر، ومن مجتمع لأخر ولكن سوف أتكلم عن العام والمشهور منها. من مواصفات المرأة الجميلة العيون الملونة (خضراء ،زرقاء، عسلي) ،البشرة البيضاء الصافية، الشفاه الغليظة الممتلئة، العنق الصافي الطويل،الأنف الدقيق، صغر السن، الشعر الأشقر أو الأسود، القوام المتناسق. ومن خلال تعرفنا على مواصفات المرأة الجميلة في السابق، ندرك الحقيقة المعلومة لدي الجميع، وهي أن جمال وزينة المرأة موجود معظمه في وجهها، وأن المرأة تعرف بين الناس بأنها جميلة من خلال جمال وجهها، فيقال إنها ذات عيون ملونة ساحرة، وأنها ذات بشرة صافية بيضاء وناعمة الملمس. و كذلك من السابق نعرف أيضا أن الوجه هو مقياس جمال المرأة عند الرجال ومن خلال جمال وحسن الوجه يقع الرجال في حب النساء. وكما أن المرأة الجميلة تكون جميلة من خلال جمال وجهها كذلك المرأة الغير جميلة يكون سبب تدنى جمالها بسبب عيوب في شكل الوجه"
"ليس ما يميز وجه المرأة عن شعرها أن الوجه يوجد به القدر الأكبر من جمال المرأة فقط ، فبجانب هذا للوجه مميزات أخرى مهمة، وهى أن الوجه شيء حي قادر على التعبير فالوجه به نظرات المرأة التي تعبر بها عما بداخلها وما تريد قوله، وتكون نظرات حب وإعجاب أو نظرات رفض واستياء، وكذلك يوجد بوجه المرأة ابتسامتها الصافية التي تعبر بها عن ارتياحها و رضاها عن حبيبها، ويوجد بوجه المرأة أيضا ضحكتها التي تهز الأرض معها والتي تخطف بها قلوب العاشقين.
فإذا كان هذا حال وجه المرأة، القدرة على التعبير والحيوية والحياة يأتي على النقيض تماما شعرها، فشعر المرأة مجرد شكل صامت يحتوى على قدر ضئيل من الزينة مقارنة بقدر الزينة الموجودة في الوجه، فشعر المرأة مجرد صورة صامتة غير قادرة على التعبير عكس الوجه تماما.
وأخيرا وليس أخر المرأة ليست مجرد صورة جميلة فقط ينظر الرجل إليها ويستمتع بالنظر إليها فبجانب جمال الصورة هناك أشياء أخرى مهمة جدا جدا في مسألة جمال المرأة وإعجاب الرجال بها مثل أنوثتها، ومستوي ذكائها، ومقدار ثقافتها، ومستوى التعليم والمعرفة لديها، ومدى تقبل الناس لها، فكثير ما نجد امرأة جميلة الشكل والصورة ولكن بسبب تدنى أنوثتها أو بسبب خشونتها في التعامل مع الغير لا تكون محل اهتمام الرجال، بعكس امرأة أخرى تكون متوسطة الجمال ولكن بفضل أنوثتها وأناقتها تكون محل إعجاب واهتمام الرجال."
"من خلال ما سبق ذكره أعتقد أن لنا الحق في أن نسأل رجال الدين وكل من يزعم أن غطاء الرأس فريضة إسلامية فرضها الله سبحانه وتعالى علي المرأة المسلمة من أجل حجب جمالها وزينتها.
ونقول لهم هل من الممكن أن يفرض الله سبحانه وتعالى وهو العظيم الجليل حجاب على شعر المرأة صاحب القدر الضئيل من زينتها ويسمح لها بالكشف عن وجهها مكمن زينتها وجمالها؟
وهل من الممكن أن يفرض الله الحجاب على شعرها الصامت صاحب القدر الضئيل من الزينة، ويسمح لها بالكشف عن وجهها المعبر الذي يوجد به ابتسامتها الجميلة الصافية ،وضحكتها الرنانة، ونظرتها الساحرة؟ طبعا ليس من المقبول والمعقول أن يفرض الله سبحانه وتعالى حجاب بهذه الصورة، لأن العقل والمنطق يقولون انه لو أراد الله سبحانه وتعالى فرض حجاب على المرأة بقصد حجب زينتها سوف يكون هذا الحجاب على وجهها مكمن زينتها ومقصد من يريد الإطلاع على زينتها أو مغازلتها، وبالطبع لن يكون هذا الحجاب على شعرها صاحب القدر الضئيل من الزينة فقط"
"التجربة والواقع اثبتا أن هذا الغطاء المزعوم دون أي جدوى أو فائدة تذكر في مسألة حجب زينة المرأة، أو حمايتها من عيون الناس أو أي مضايقات تتعرض لها من أي نوع، فهو لم يحجب زينتها ولم يحميها من عيون الناس، والدليل على ذلك عشرات المعاكسات التي تتعرض لها الفتاة المحجبة يوميا في الشارع، وتكون هذه المعاكسات بكلمات مدح وثناء على قوامها، وعلى جمال عينها، وعلى رقتها وأناقتها، وأشياء كثيرة من هذا القبيل من مميزات المرأة الجميلة التي لها علاقة بشكل مباشرة بجمال وجهها."
"لذلك نسأل رجال الدين وكل من يزعم أن غطاء الرأس يحجب زينة المرأة ونقول لهم
ما هي جدوى وفائدة هذا الغطاء أن لم يستطع حجب زينة المرأة وكذلك لم يستطع حمايتها؟ وهل من الممكن أن يفرض الله فريضة ثبت أنها دون أي جدوى أو فائدة تذكر؟ ولماذا التمسك بقطعة من القماش ثبت أنها دون أي جدوى أو فائدة تذكر بالنسبة للقيام بالغرض الذي وجدت من اجله وهو حجب زينة المرأة، وأيضا ثبت أن وجودها مثل عدمها؟"
"هناك عدة أسئلة مهمة جدا إلى كل من يزعم أن شعر المرأة عورة : السؤال الأول لماذا شعر المرأة عورة وشعر الرجل ليس عورة؟، السؤال الثاني لماذا شعر المرأة يثير الغرائز والشهوات وشعر الرجل لا يثير الغرائز والشهوات؟، السؤال الثالث ما هو الفرق بين شعر المرأة وشعر الرجل الذي يجعل من شعر المرأة عورة و يثير الغرائز والشهوات وشعر الرجل ليس عورة ولا يثير الغرائز والشهوات؟"
"أنا آري من وجهة نظري انه ليس هناك أي فرق محسوس بين شعر المرأة وشعر الرجل يجعل من شعر المرأة عورة تثير الغرائز والشهوات وشعر الرجل ليس عورة، غير الفرق في عادات وتقاليد خاصة بإطالة المرأة لشعرها وتقصير الرجل لشعره وكثيرا ما يحدث العكس، ولو كان شعر المرأة يثير الغرائز والشهوات لكان شعر الرجل هو الآخر يثير الغرائز والشهوات، وعلى من يزعم أنه هناك فرق بين شعر المرأة وشعر الرجل يقول لنا ما هو الفرق، وكيف يمكنه التفرقة بين خصلتين من شعر رجل وامرأة." إنتهى.
مما يؤكد دقة تعبير كاتب النصوص أعلاه، وقوة منطقه وحجته في أن الوجه هو منبع الجمال والفتنة وليس الشعر، إستخدام إسلاميو السودان لشعار "الحسن أسفر بالحجاب" والذي يرفقون معه صورة إمرأة "محجبة" فائقة الجمال، وأظنها النائبة التركية مروة قاوجي، بغرض ترغيب النساء في "الحجاب"، في مخالفة واضحة لفلسفة الحجاب من الزاوية السلفية، تلك التي تستهدف من الناحية النظرية إخفاء هذا الجمال، وليس إسفاره، حتى لايفتح باباً للشيطان، مما يدل على إرتباك عظيم لا يمكن تفسيره إلا بعزو الأمر كله للتهافت السياسي الذي يستخدم الدين كوسيلة لتحقيق مراميه!!
وعلاقة إسفار الجمال عبر "الحجاب" ليست جديدة فقد سبقهم الشاعر القديم حينما قال:
قل للمليحة بالخمار الأسود
ماذا فعلتِ بناسكٍ متعبد
قد كان شمر للصلاة ثيابه
حتي وقفت له بباب المسجد
ردي عليه صلاته وصيامه
لا تقتليه بحق دين محمد
لا عجب إذا علمنا بأن هذه الإشادة بالخمار إنما كانت في معرض الترويج لبيع تلك الأخمرة التي كسدت عند تاجرها، فاستغاث التاجر بالشاعر الفحل لترويج بضاعته، تماماً مثلما إستنجد السياسي بالمصور البارع لتسويق فكرته في المثال الأول!!.
حجاب المرأة – قضية دين أم
أزمة عقل
إن الله لا ينظر الى أجسامكم ولا إلى صوركم
ولكن ينظر إلى قلوبكم - رواه مسلم
الحلقة 4/8 – الدليل الديني للوجوبية : آيات سورة النور
بقلم: امين عمر سيد احمد
[email protected]
إن الإحتجاج بالنصوص في المسائل المتعلقة في غير مايختص بالعقيدة والعبادات، لا يجب أن يشكل في نظرنا معياراً قاطعاً من الأساس، حيث أن الكثير من النصوص الواردة في هذا الإطار ترتبط بشروط وظروف الزمان والمكان الذي نزلت فيه.
على الرغم من أنه ليس من أهداف هذه الورقة مناقشة أهلية أسس وآليات الفقه التقليدية والتي من أهمها الإحتجاج بالنص بدون النظر في أسباب نزوله أو سياقه التاريخي، وهو أمر عالجناه بشكل مفصل في ورقة أخرى، إلا أننا نرى، ولفائدة النقاش، أن نتطرق لواحد فقط من دواعي رفضنا لإعطاء النصوص حجية مطلقة لا ترتبط ببعدي الزمان والمكان المتغيرين بطبيعتهما، وهي إبطال ذلك الفقه بنفسه لبعضها نتيجة لتخطي الزمان لها. والأمثلة كثيرة، فلماذا لاينهى السلفيون الناس، وأنفسهم إبتداءاً، عن إستعمال الأدوية وإلتماس العافية في المشافي، ويأمرونهم بالتداوي بالحبة السوداء والحجامة والرقية الشرعية بإعتبار أن هناك نصوص صريحة تنادي بذلك، كالحديث الوارد بصحيح البخاري (إن هذه الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا من السام) ؟ ما الذي يمنعهم من مطالبة الدولة بتوزيع غنائم الحرب على محاربيها إمتثالاً لما جاء بالقرآن والسنة، بدلاً عن ضمها لممتلكاتها كما هو الحال الآن؟ لماذا يقبلون من الدولة أن توقع على المواثيق الدولية الخاصة بتحريم الإسترقاق المشروع دينياً وفقاً لنصوص محكمة، وتحرم بالتالي ما أباحه الله، علماً بأن القرآن الكريم نفسه يمنع تحريم ما أحل الله وفقاً لما جاء بسورة المائدة :(يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) ؟ ما الذي جعل بعض النصوص للإطلاع وأخرى للإتباع؟
على كل حال، وحتى نرد حجج أولئك المنادين بالحجاب، سنتطرق إبتداءاً من هذه الحلقة مناقشة أمره بإستخدام نفس مناهج وآليات الفقه التقليدي، بغرض إثبات أن لا أصل ديني لما يعرف بالحجاب الإسلامي بشكله المطروح حالياً، وأن الأمر لا يعدو أن يكون رأي بشر عاديين، ليس لديهم أي قدسية، فرضت عليهم ظروف عصرهم فهم معين للنص الديني لا ينبغي أن يكون ملزماً للآخرين. ولأجل ذلك سوف نتناول بالنقاش كل النصوص الواردة بالكتاب والسنة المعلومة لدينا والتي يستند عليها الداعون للحجاب.
سورة النور – آية 31: "وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون".
إن هذه الآية لا تؤسس حكماً بإلزامية "الحجاب الإسلامي" بل أننا نزعم أنها لاتشير إليه، وذلك للآتي:
غض البصر وحفظ الفروج هو أمر مطلوب من النساء والرجال ويدخل في باب آداب الإسلام المتفق عليها وليس له علاقة مباشرة بشكل اللبس.
ضرب الخمر على الجيوب المقصود به تغطية جزء حساس من صدر المرأة كان مكشوفاً في الجاهلية وذلك عبر إسدال الخمار الذي كان يلبس لتغطية رأس المرأة على الصدر بدلاً عن الظهر كما كان متبعاً في ذلك الزمن علماً بأن الآية لم تشر لشعر المرأة من الأساس. الجدير بالذكر أن الآية لم تحدد طول وعرض هذا الخمار أو إذا ماكان مطلوباً منه تغطية الرأس أو جزء منه، كما لم تشر إلى ما إذا كان يجب أن يكون شفافاً أو سميكا، وإنما أشارت إليه فقط كوسيلة لتغطية الجيوب (الصدر).
تشير كلمتي خمار وعمامة لمعنىً واحد وهو غطاء الرأس الذي يستعمل للحماية من اشعة الشمس والعوامل الطبيعية الأخرى، ففي الحديث الذي رواه مسلم أن رسول الله (ص) مسح على الخفين والخمار (ويعني العمامة)، مما ينفي عن الخمار أي صبغة دينية يحاول البعض إلصاقها به وإلا لكانت العمامة أيضاً ملزمة لنا بإعتبار أنها كانت الغطاء المستخدم لرؤوس الرجال. الخلاصة أن الآية لم تفرض الخمار تماماً مثلما لم تفرض آية أخرى لبس العمائم التي كانت تغطي روؤس الرجال.
تعرضت الاية لزينة المرأة ولم تتعرض لجسد المرأة وطلبت منهن عدم ضرب أرجلهن للفت النظر للزينة المخفية التي لايجب على الآخرين الإطلاع عليها، أي تلك التي تلفت النظر لمكامن الفتنة بها كما يفهم من سياق الآية.
الآية إذاً، نصاً ومعنىً، تطلب من المؤمنات الإحتشام والبعد عن تعمد الإثارة والإغواء ولم تضع قالباً مرسوماً لما ينبغي أن يكون عليه لبس المرأة المسلمة، إلا أن الففه التقليدي ولأسباب سبق الإشارة إليها ومناقشتها في بداية هذا البحث، ظل يدور ويلف ويبحث عن أي إشارة هنا أو هناك من أقوال وآراء السلف لإنطاق الآية بغير ما نطقت به. لا يمكن لنا بأي حال التشكيك في ذمم ومقاصد أولئك الصالحين من السلف الذين كرسوا كل جهدهم لأن تعني هذه الآية شيئاً آخر غير ما نطقت به، وهم في النهاية بشر من لحم ودم يصيبون ويخطئون، إلا أن لنا حقاً لا لبس فيه في التحفظ على إستنتاجاتهم التي كانت نتاجاً لمستوى تطور عصرهم وموروثات مجتمعاتهم التي يغلب عليها طابع البداوة وغلبة الآراء المناهضة للمرأة (أليس هو ذات المجتمع الذي كان أجدادهم يمارسون فيه وأد البنات؟؟!).
لم تنص الآية لا صراحة ولاضمناً على أن تغطية شعر المرأة وجسدها بأكمله واجباً دينياً. بل أن حديث "لا تقبل صلاة الحائض إلا بخمار" الذي ورد بصيغ متشابهة في مجموعة من كتب الحديث المعروفة يفيد بجواز الصلاة بدون خمار في غير أيام الحيض، أي في الأحوال العادية، وهو ما ينفي صفة "العورة" عن شعرها حيث أن ستر العورة من شروط صحة الصلاة.
عندما لم يساعد النص الفقهاء التقليديين في الوصول لمقصدهم لجأوا لتأويل الزينة لتقود للمعنى الذي لم يرده النص القرآني مما أدى لإختلافاً عظيماً فيما بينهم فمنهم من قال بأن الزينة الظاهرة التي يمكن إبداءها للغير- أي المسموح بها - والتي أشارت إليها الآية هي الثياب فقط وكل أنواع الزينة الأخرى تندرج في تلك المخفية التي لايجوز إطلاع الآخرين عليها كالخلخال والسوارين والقرطين والقلائد، ومنهم من وضع الكحل والسواران والخاتم في باب الزينة الظاهرة التي يجوز للآخرين الإطلاع عليها في منافاة كاملة للرأي الأول. بل أن منهم من جعل الزينة الظاهرة أجزاء من جسد المرأة نفسه وهما الكفان والوجه إستناداً على فهمهم لحديث سنناقشه لاحقاً في إطار دراستنا هذه.
بالنظر لنص الآية تبرز اشكالية لغوية بين لفظي الإبداء والإظهار أمام أصحاب إستخدام آية الزينة في التدليل على وجوب الحجاب، وهو أمر عالجه مقال بقلم غالب حسن الشبندر بعنوان "قراءة أخرى في آية (زينة) المرأة في القرآن" ورد بموقع إيلاف – يوليو 2007. تتمثل هذه الإشكالية في الإختلاف الواضح بين لفظي "الإبداء" و "الإظهار". فالإبداء لغة هو الإظهار الشديد وليس الإظهار العادي، على هذا الأساس يمكن أن يفهم الشطر من الآية: "ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن" بإعتباره يسمح بإظهار الزينة لغير بعولتهن بشرط عدم الغلو في إظهارها لأن الإبداء خاص بالزوج والمحارم والإظهار خاص بغير المحارم والدليل على ذلك الشطر من الآية الذي يقول "ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها". فكلمة إبداء لا تعني مطلقاً إظهار وإلا لكان الشطر الأول من الآية مختلاً من الناحية اللغوية حيث يمكن قراءته في تلك الحالة "ولا يظهرن زينتهن إلا ما ظهر منها" وهو أمر لا يمكن تصوره علي أي حال. بناء على ما سبق، نفهم أنه من الجائز إظهار المخفي من الزينة، لان الممنوع هو إبداء هذه الزينة المخفية وليس إظهارها مما يعني أن النظر للآية في مجملها لا يفيد في تأكيد وجوب تغطية الجسم بالكامل.
إن الفهم البسيط والمباشر والواضح للآية بإعتبارها تدعو للتمسك بالعفاف والفضيلة عبر الإعتدال في الملبس والزينة يجنبنا كل تلك التناقضات التي قادنا إليها الفقه التقليدي في سعيه الحثيث للتضييق على المرأة، فإبداء الجمال أمر مشروع وإستخدام الزينة لإبرازه شيئ طبيعي وهو أمر يؤكده صحيح الدين نفسه. وشاهدنا على ذلك الأحاديث الثلاثة الصحيحة التالية : الحديث الأول وجاء بصحيح البخاري: "كتب عمر بن عبد الله بن الأرقم إلى عبد الله بن عتبة بخبره أن سبيعة بنت الحارث أخبرته أنها كانت تحت سعد بن خولة وهو من بني عامر بن لؤي وكان ممن شهد بدرا فتوفي عنها في حجة الوداع وهي حامل فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته فلما تعلت من نفاسها تجملت للخطاب (أي تزينت لتلفت النظر - الكاتب) فدخل عليها أبو السنابل ابن بعكك رجل من بني عبد الدار فقال لها ما لي أراك تجملت للخطاب ترجين النكاح فإنك والله ما أنت بناكح حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشر . قالت سبيعة فلما قال لي ذلك جمعت علي ثيابي حين أمسيت وأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي وأمرني بالتزوج إن بدا لي"، نلاحظ أن أبو السنابل لم يعترض على مبدأ التجمل وإنما في توقيته كما نلاحظ أن الرسول (ص) لم يستهجن مسلكها المتمثل في التجمل للخطاب. الحديث الثاني وجاء بصحيح البخاري أيضاً: "عن ابن عباس رضي الله عنهما أن أخاه الفضل كان رديفاً للنبي صلى الله عليه وسلّم، في حجة الوداع فجاءت امرأة من خثعم فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه فجعل النبي صلى الله عليه وسلّم، يصرف وجه الفضل إلى الشق الأخر"، نلاحظ، أيضاً أن الرسول (ص) لم يستهجن هذا الإبداء للحسن، الذي جعل الفضل يطيل النظر، ولكنه وجه بغض البصر. الحديث الثالث وجاء بصحسح مسلم: "عن بن سعد أن امرأة جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله جئت لأهب لك نفسي فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فصعد النظر إليها وصوبه ثم طأطأ رأسه فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئا جلست .. إلى آخر الحديث" والحديث يثبت بوضوح أن الرسول (ص) كان يتأمل في وجهها. مع كل هذه الحقائق الواضحة لا يسع المرء إلا الإستغراب من هذا القدر الهائل من تعذيب الذات، وتغريبها عن الجمال الذي تعتبر الزينة وسيلة إبرازه، والتعقيد الغير مبرر لحياتهم ذلك الذي يمارسه المسلمون على أنفسهم بإصرار لا يعرف الكلل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.