.. [email protected] في حقبة الاستعمار البغيضة كان أهل السودان يصنفون حتى في الوثائق والمكاتبات الرسمية بواسطة المستعمرعلى أسس قبلية وذلك بغرض ضرب الشعور والحس الوطني الواحد الذي يدفع في اتجاه تماسك أهل البلاد ككتلة قوية . فتجد مثلا في وثائق محاكمة ثوار حركة الشهيد عبد القادر ود حبوبة التي تنادى لها الأبطال من عدة جهات ، وعند نشر قائمة أسماء الذين حوكموا بمختلف العقوبات تلاحظ ذكر قبيلة الشخص نظير اسمه ..فيقال هذا شايقي وذاك دباسي والآخر كاهلي أو عامري ، أما من كانوا يعتبرونهم رقيقا فلا ينسبون الى القبيلة بل يشار الى الواحد منهم بأنه سوداني ! وهي أشارة بالطبع تهدف الى نشر التفرقة بين الناس وأثارة النعرات القميئة وهي سياسة كان لها اثرها الذي ظل لفترة من الزمان ،ولكنه بدأ يتبدد رويدا رويدا مع انتشار موجة الوعي في المجتمع . في فترات الديمقراطيات المتقطعة وعلى تعثرها وسوء ادارتها لحكم البلاد ، الا أن تحسنا نوعيا قد ساد في ذلك الصدد أعلاه بالقدر الذي يحسب لتلك الديمقراطيات المؤودة ، فلم نكن نشعر بجهوية أو نسأل عن قبيلة مرشحي الأحزاب ، وانما كانت أحزابهم تبعث بهم ليترشحوا في مناطق نفوذها دون أن يستنكر أو يستفسر أهل المنطقة عن الجهة أو القبيلة التي ينتمي اليها المرشح، فتجد أن حزب الأمة يرشح ابن العاصمة السيد محمد داؤد الخليفة في دائرة كوستي والجبلين والحزب الشيوعي يدفع بالأستاذ عمر مصطفى المكي ابن بربر ليكون مرشحه في دائرة بورتسودان منافسا لمرشح الحزب الاتحادي الديمقراطي هناك السيد مامون سنادة ابن رفاعة ، وحتى الأخوة الجنوبيون لم نكن نتوقف وقتها عن قبائلهم كثيرا ، فكنا نعرف مثلا أن السيد وليم دينق هو رئيس حزب سانو وذلك هو المهم ولم يسال أحد ان كان الرجل من الدينكا أو الشلك أو النوير ! ولعل ذلك هو النموذح الذي طرحه الراحل الدكتور جون قرنق كتصور مثالي للسودان الجديد الذي يتساوى فيه أهله على أصالة المواطنة ولا يصنفوا بالتفاوت على اساس دينهم أو قبيلتهم أو لونهم أو السنتهم ! الان وبعد وفاة الرجل أو تصفيته وبعد انقسام البلاد ، تتجلى ملامح التفرقة البغيضة التي أعادت بها الانقاذ تصنيف الناس على ذات الأسس القديمة التي أشعلت نيران الفتن والتشظي ، فنلاحظ حتى في طلبات الوظائف عودة خانة القبيلة التي كنا نظن اننا تجاوزناها بوعينا وديمقراطيتنا تلك على علاتها ! قطاع الشمال الخارج من رحم مباديء قرنق يسعي على ضعف بنيته المستهدفة وتقطع أنفاسه اللاهثة الى تكريس تلك المباديء واعادة انتاجها من خلال تمثيله لمناطق النيل الأزرق وجنوب كردفان دون التقيد بجهويات أو قبائل كوادره المفاوضين للحكومة حول قضايا تلك المناطق المغبونة، بينما تسفر الانقاذ عن وجهها العنصري برفضها لذلك التوجه بخبث من خلال المناداة بان يمثل كل منطقة نفر من أهلها وهو ما يوطد حقيقة تقسيم السودان الى اثنيات وجهات كل لها مطالب تنفصل عن الجسد الأم بالقدر الذي يفرق بين أهل الوطن أيد سبأ لتسود في وسط ذلك الجو المتوترقبيلة الاسلاميين دون غيرها وفي هذا التشتت الوطني وهي التي دابت على العيش كالجرثومة في بيئة الحروب والشد والحذب بين الجهات والمناطق والقبائل التي احيت فيها تلك النعرات التي ابتدعها الاستعمار لشيء في نفسه ! حتى الحاج آدم نائب الغفلة ، طفق يتحدث في هذا الجانب دون حياء أو خجل ، وهو آخر من يحق له هذا الحديث ، اذ لم يدخل الى القصر ممثلا لأهل دارفور المنبوذ منهم والذين لم يطأ ديارهم حتى منذ أن عاد بخزيه وعاره منكسرا ليقتات من فتات الانقاذ التي غادرها طريدا وصورته تملاء الصحف باعتباره خائنا وعميلا وقد كان متهما بايواء الراحل خليل في منزله مختفيا بعد غزوته النهارية تلك ! الآن تتضح جليا ملامح الهدف من تغييب الراحل قرنق عن الساحة ، وهو الذي كان يمثل صمام الأمان لوحدة السودان الجديد ، ولعل أهداف الاستعمار القديمة التي عادت من بوابات حديثة أخرى لابد أنها تلاقت مع أهداف أهل الانقاذ الساعية الى تفتيت السودان ! وكان موت أو تصفية قرنق الفكرة ..هو دون شك أحياء للقبلية النعرة ! وستكون مشاهد الشريط مستمرة ، اذا ما تمادى شعبنا المقهور والطيب في صمته عن أفعال جزار السكين الممسك بها وهو يمتثل لأوامر من يطلبون منه المزيد من تقطيع جسد الوطن الذي كان واحدا ولا أحد يعلم كم سيكون غدا ..وهو يستصرخ نخوتنا فهل نسمع .. مع تمنياتي بجمعة جامعة سعيدة وهي كما يقول المثل أن الدعوات فيها لخلاص الوطن سامعة ، هذا اذا مارفعنا ايادينا صادقة بالدعاء أو الهتاف! والله المستعان