اتفاق اديس أبابا بين شمال وجنوب السودان إنتصار إرادات السلام على صيحات الحرب منير عوض التريكي [email protected] بالطبع كانت رغبة الجميع ان تحل كل القضايا العالقة بين الشمال والجنوب دفعة واحدة . ولكن ما تحقق يعد انجازا كبيرا واذا توفرت له الارادة القوية لتنفيذ بنوده فانه كفيل بحل كل القضايا العالقة للشعب الواحد الذين انقسم بين بلدين شمالا وجنوبا الاتفاق يعتبرا نجاحا للسودان وجيرانه وأصدقائه ولأفريقيا. انه يعني تفوق لغة العقل والحوار على صيحات الحرب وعنف السلاح. ان الغشاوة تصيب الأفراد احيانا وتتشوش عقولهم فيقومون بتصرفا خاطئة. هذه الغشاوة يمكن ان تصيب الجماعات والشعوب كما تصيب الافراد. مامعنى ان يتحارب طرفان ويتقاطعا ويعطلا التنمية في بلديهما ويتخلفا طواعية عن العالم التي تتسارع وتيرة تقدمه بصورة مذهلة؟. انها غشاوة تجلوها النوايا الخالصة والرغبة الصادقة في القيام بالأمور الصحيحة. السلام يحقق الأمن والإستقرار يوفر معينات الإنتاج والتداخل مع الآخرين يساعد على التسويق و على تطور الصناعات وتبادل الخبرات. الإتفاق الأخير بين السودانيين في أديس ابابا المضيافة اثبت ان الأرادات القوية والصبر والتسامح والإستعداد للقيام بالأعمال الطيبة صفات تحقق امور افضل بكثير من الصراخات الغاضبة والشجارات التي تمهد للحروب. ومن الأمور الطيبة تحقيق السلام وبناء ثقة عميقة تؤسس لتنمية مستدامة. تنمية تبدأ من مناطق التماس وتمتد لجوبا والخرطوم وتتواصل لتعم كل المناطق شمالا وجنوبا شرقا وغربا. ان عقدا جميلا من الخرز تصنعه جنوبية بحب اوطبقا جميلا تنسجه شمالية بإخلاص يقوى الإقتصاد و يزيد من قوة العملة شمالا وجنوبا ويضيف قدرا من الجمال على هذا الكون .سواء ان اشتراه سائح اوربي علقه في مكتبه او غطى به سوداني صينية يخرج بها مشاركا طعامه غيره. بمجرد الإعلان عن الوصول إلى إتفاق ارتفعت قيمة العملة امام مثيلاتها. فإذا نجح الطرفان في الحفاظ على ما تحقق واستطاعا حلحلة ما تبقى من قضايا عالقة فإنهما يكونا قد تفوقا على انفسهما. احسنت افريقيا حين ارتكزت على خبرة وصبر تابو امبيكي ورفاقه الكرام.انهم يببذلون جهودا مضنية ليعم السلام وتتحقق التنمية في افريقيا. هذه جهود ان تستحق التقدير والدعم اللامحدود. انها جهود توقف الحروب وتنزع فتائل النزاعات وتؤسس للتنمية في القارة. ولإثيوبيا الحب والتقدير. بداية التسعينات بينما جنوب افريقيا تعد نفسها بفترة الإنتقالية للتحول للديقراطية.ظل متطرفون من غلاة البيض والسود يرفضون كل ترتيبات التحول. قلة من البيض المتشددين يرفضون تسليم البلاد إلى الأفارقة وللأسف يستدلون بتجارب سابقة حيث خرج المستعمر الأبيض وتخلفت البلاد التي نالت استقلالها. و المتشددون السود طالبوا البيض بمغادرة للقارة السوداء والرجوع إلى اوربا. لكن ما يرفض فهمه هؤلاء هو ان البيض الذين جاء اجدادهم الى كيب تاون ومنها انتشروا شمالا- جاؤا قبل مئات السنين. وبسماع كلتا الحجتين بنصف وعى او بغشاوة على البال فإن المستمع قد يميل إلى احد الطرفين دون التفكير في حل ثالث. هذا الحل الثالث وجده قادة جنوب افريقيا وتابو امبيكي احد هؤلاء العظماء.بالصبر والعمل الدؤوب والتسامح تناقصت نسبة المتطرفين إلى أقل من عشرة بالمائة. واستطاع القادة في جنوب افريقيا - سياسيون ومفكرون ودينيون- ان يحققوا تحولا ناعما تصحبه تنمية متواصلة والأهم ان الشركات الكبرى ورؤوس الأموال المحلية والأجنبية لم تهرب للخارج. بل توافدت اخرى لوجود شروط الإستثمار من فرص وعمالة وتسويق وتقنية وقوانين مشجعة. اذن السواد الأعظم من السودانيين شمالا وجنوب مع السلام .انه يحقق لهم الإستقرار والتعايش السلمي والتداخل والتعاون المثمر وتبادل الخبرات.اوهذا بدوره يساعد على الإبتكار وعلى مزيد من الإنتاج وينعش التجارة ويعمل على جذب إستثمارات لهذه المناطق البكر. من اعظم انجازات الشعوب هو مسح كلمة الحرب من دواخلها وكتابة كلمة السلام في وجدانها . ما تحققه الشعوب من تنمية وتقدم في سنوات طويلة تنسفه الحرب في ساعات قليلة. وبالنسبة لشمال وجنوب السودان فإننا نأمل أن يكون الإتفاق الأخير قد مسح من دواخلنا حرف الحاء من السلاح وكتب مكانها حرف الميم للسلام. يجب ان نتذكر انه في سنوات الحرب العجاف بقى كثير من الشماليون في الجنوب (العدو انذاك) وعنما غادر الجنوبيون مناطقهم اتجهوا شمالا حيث (العدوحينذاك). كثير من هولاء واؤلئك هم الذين أسسوا لحوار بنّاء بين الشمال والجنوب . فعلوا ذلك بأفكارهم وخبراتهم وصداقاتهم وتصرفاتهم اليومية العفوية.آن لهم الآن أن يسعدوا بما تحقق. التحية والتقدير للرئيسين ولوفدي التفاوض الذين احتملوا كل الضغوط وعالجوا التفاصيل والجزيئيات بصبر وحكمة ثم أعلنوا ما اتفقوا عليه بشجاعة. الإتفاق الأخير يعني إنتصار الإرادة وتحكيم صوت العقل لدى الطرفين .هذا الإنتصار يكبر ويتعاظم بالصبر على تنفيذ بنود الإتفاق. ويعززه الإستفادة منه معنويا وماديا . معنويا بترسيخه قيمة وسلوكا وماديا بالإستفادة من عائداته نفطا وتجارة في تحقيق التنمية في كل القطاعات في البلدين. يبدأ ذلك بتبادل زيارات وفود الإداريين والفنين والعمال وتبادل الخبرات ولا ينتهى بإستصلاح الأراضى وإنشاء المصانع ودعم الصناعات الصغيرة في البلدين.وبالنسبة لبعض المتشككين فإننا نذكرهم بالآية التي تأمر بالدعوة لسبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة . إن هداية رجل واحد للإسلام خير من حُمر النِعم. السلام يساعد على نشرالدعوة لدين الله. والله الموفق