بسم الله الرحمن الرحيم.. إنه إتفاق المخادعين فلا تفرحوا به كثيراً ! عبدالغني بريش اليمى ... الولاياتالمتحدةالأمريكية... [email protected] وقع سلفاكير مارديت رئيس دولة الجنوب والجنرال عمر البشير يوم الخميس 27/9/2012 اتفاقا بينهما لاستئناف صادرات النفط من الجنوب عبر السودان . وكان رئيسا البلدين قد بدأ يوم الأحد 23/9/2012 قمتهما بخصوص القضايا العالقة التي كادت أن تؤدي إلى حرب شاملة بينهما في شهر أبريل المنصرم . واستمرت القمة حتى الخميس 27/9/2012 ، حيث اتفقا فيها على الملف الإقتصادي والملفات ذات صلة ، لكنهما فشلا في الإتفاق على ملفي - أبيي وترسيم الحدود بين بلديهما ، أخطر الملفين على الإطلاق . عقب التوقيع على هذا الإتفاق الجزئي ، تصافح الرئيسان وسط هتافات الله أكبر ، وهالولويا ، من وفدي الجانبين . ووصف سالفا كير هذه الخطوة بأنها تعني " نهاية نزاع طويل " بين البلدين . بينما أكتفى الجنرال عمر البشير بالرقص لمدة دقيقة داخل القاعة التي تم فيها التوقيع . بجانب التوقيع على الملف الإقتصادي ، وقع وزير دفاع عمر البشير عبدالرحيم محمد حسين ونظيره الجنوبي جون كونغ نيون على اتفاقية أمنية - قِيل إنها تمهد الطريق لإقامة منطقة منزوعة السلاح بين البلدين لتأمين حدود بلديهما ، وضمان تدفق نفط الجنوب عبر السودان دون مشاكل . What a joke ? What a funny way to mislead the people? أولاً - نرحب بأي إجراء أو خطوة تؤدي إلى استقرار حقيقي ودائم في البلدين .. غير أننا في الوقت ذاته ، لن نسكت على الإستهبال والتضليل والغش والخداع الممارس من قبل الطرفين على شعبيهما ، من إخفاء للحقائق ، والتوقيع على قضايا وملفات كانت لا تحتاج أصلاً لحضور البشير وسلفاكير لأديس ابابا ! . وللوقف على حقيقة هذا الإتفاق - يجب التذكير على أن : تم اعلان استقلال جنوب السودان في التاسع من يوليو 2011 عن السودان ، وبما أنه كانت هناك قضايا عالقة بين الدولتين ، إلآ أنها رحلت إلى مفاوضات مستقبلية بين الدولتين ، ومع ذلك إستمر تدفق نفط جنوب السودان عبر شمال السودان حتى يناير كانون الثاني 2012 . إلآ أن جوبا أوقفت إنتاجها بالكامل ، الذي يبلغ 350 ألف برميل يوميا بعد أن اتهمت الخرطوم والشركات النفطية العاملة في الدولة الوليدة وغالبيتها من الصين بنشر بيانات غير صحيحة عن الإنتاج بما يضر بمصالح الجنوب . لن تعجب الإجراءات الإقتصادية التي اتخذتها دولة جنوب السودان بوقف ضخ بترولها عبر شمال السودان ، حكومة عمر البشير ، وبدأت الأخيرة تتحرش بالأولى ، حتى كادت أن تؤدي هذه الإستفزازات إلى حرب شاملة بين الدولتين في أبريل من العام 2012 ، لولا تدخل مجلس الأمن الدولي بقراره 2046 الذي طالب فيه الدولتين بحل القضايا العالقة بينهما في مدة أقصاها الثالث من أغسطس/آب 2012 وإلآ واجها عقوبات مختلفة . عندما بدأت المفاوضات بين الدولتين قبل شهر رمضان المنصرم ، كان الجميع يأمل ان يتمكن الطرفين من ايجاد حلول لكل القضايا العالقة بينهما ، الآ أن هذه المفاوضات لم تفضي إلى حل أعقد الملفين - وهما/ ملف أبيي وترسيم الحدود بين الدولتين ، الأمر الذي يعني عدم وجود قناعة لدى قادة البلدين في مناقشة القضايا التي تعتبر لكل منهما مصيرية وخط أحمر . إذن الاتفاق الذي تم التوقيع عليه بين البلدين هو اتفاق للإلتفاف على تهديدات مجلس الأمن ، أو ما يمكن تسميته باتفاق إعادة الحال إلى ما كان عليه قبل شهر يناير 2012 ، وهو الشهر الذي اوقف فيه سلفاكير تصدير نفطه عبر شمال السودان . ( الطرفان فقدا مصدرهما الإقتصادي الأول والأخير ، وهو النفط ، واوصلا دولتهما حافة الإنهيار الكلي ، وعندما هددهما مجلس الأمن الدولي بفرض عقوبات لم يحدد شكلها عليهما في حال لم يتوصلا إلى اتفاق مع المهلة المحددة لهما ، مارسا الاحتيال والخداع ووقعا على اتفاق " الخداع والإستهبال " ، دون ان يبذلا مزيداً من الجهد في الإتفاق على الملفات الخطيرة التي قد تشعل حربا شاملة بينهما في المستقبل ) . نعم - انه اتفاق " المخادعين " ، تم التوقيع عليه ، لضمان استمرارهما في الحكم ، وتضليل المجتمع الدولي بأنهما حريصان على استقرار البلدين ، ويفعلان كل شيء في وسعهما للإتفاق على القضايا العالقة بعد هذا الإتفاق . ماذا يعني هذا الإتفاق للطرفين ؟ أولاً/ بالنسبة لحكومة الجنوب ، فليس سراً ، ومنذ ان توقف انتاجها من النفط ، أن المجتمع الدولي هو الذي يمدها بالسيولة اللأزمة ، وقد أفلس هو نفسه- أي المجتمع الدولي ، ولم يعد بمقدوره تحمل نفقات الجنوب مرة أخرى ، الأمر الذي جعله يمارس ضغطاً عليها للتوصل إلى اتفاق مع الشمال- وبأي ثمن كان ، وإلآ واجهت عقوبات دولية قاسية عليها . وأمام تهديدات المجتمع الدولي ، والواقع الإقتصادي المظلم ، لم يكن بوسع حكومة الجنوب سوى التوصل مع الشمال على هذا الإتفاق الإستهبالي ، وهكذا تكون قد حفظ ماء وجهها وتفادت العقوبات الدولية . ثانياً/ أما بالنسبة لنظام البشير الذي كان " اون لايف سبورت " منذ توقف تدفق نفط الجنوب عبر ميناء بورتسودان السوداني ، حيث كاد الحراك الجماهيري أن يسقطه ، لولا تخاذل قوى المعارضة السودانية بعدم وقوفها مع الحراك الطلابي ، وتآمر بعضها مع الحزب الحاكم لعرقلة حركة الإحتجاجات الشوارعية . هذا الاتفاق الجزئي بين الدولتين ، كتب حياة جديدة لنظام عمر البشير الذي كان على وشك الموت .. وفي هذا الصدد يقول : (( الدكتور صابر محمد الحسن الخبير الاقتصادي السوداني ورئيس مجلس ادارة البنك الأهلي المصري بالخرطوم ، بأهمية الاتفاقات التي تم التوصل إليها اليوم فى أديس أبابا بين السودان ودولة جنوب السودان في الملف الاقتصادي .وقال الحسن الذي عمل محافظا لبنك السودان ووزيرا للدولة بوزارة المالية الاتحادية في فترات سابقة ، أن هناك الكثير من الفوائد سيجنيها السودان من التوقيع علي هذه الاتفاقات في مجالات النفط والتجارة والزراعة وغيرها . وأوضح في تصريحات صحفية له قائلا : إذا كان السودان سيتحصل في المتوسط علي كل برميل 24 دولارا نظير الرسوم المختلفة المتعلقة بعمليات نفط الجنوب حتى تصديره عبر الأراضي السودانية فهذا يعني أن الإيرادات السنوية في المتوسط تقدر باثنين مليار دولار سنويا مما سيسهم في تخفيض سعر الصرف . وعن أثر ذلك في الميزانية القادمة ، أكد أن الاتفاقيات ستؤثر ايجابا عليها ، داعيا إلى ضرورة الاستغلال الأمثل لهذه الموارد التي سيجنيها السودان من النفط والذهب )) . حمل ابرام هذا الإتفاق الجزئي دلالات سياسية سلبية خطيرة للسودانيين ، حيث مثل هذا الإتفاق طوق نجاة لعمر البشير وحزبه في خضم الأزمة السياسية التي تعصف بهما لفترة .. كما مثل هذا الإتفاق طعنة غادرة جديدة لحركة الطلاب في الجامعات السودانية ، وبعض القوى السياسية الوطنية التي تنادي برحيل النظام السوداني الذي دخل غرفة العناية المركّزة منذ أن أعلن الجنوب رفضه تصدير نفطه عبر الموانيء السودانية . سنوات مضت وحزب المؤتمر الوطني تعمد الى خداع السودانيين ، وتجميد الحراك السياسي في السودان تحت يافطة الحوار الوطني ، وجند من أجله الأحزاب الكرتونية التي تتوالى معه ، وبعض الشخصيات السودانية التي تأكل من فتات النظام . وأن مسرحية الحوار الوطني تكتب فصولها في مطبح البشير لغرض إطالة عمره في السلطة . ان الأزمة الإقتصادية التي يمر بها السودان ، أجبرت النظام لأن يكشف عن وجهه القبيح الجبان المعفن بتوقيعه على اتفاق تصدير نفط الجنوب عبر الأراضي السودانية ، بعد ان رفض البشير من قبل- قائلاً : ( لا نريد رسوماً من بترول الجنوب ولن نفتح أنابيب البترول ، وبترول الجنوب لن يمر عبر أراضينا الطاهرة حتى لا يذهب دولار واحد إلى هؤلاء المجرمين ) . هذا الإتفاق المهزلة ، يفضح بكل وضوح وجلاء دور حزب المؤتمر الوطني التآمري القبيح ، ليس فقط ضد شعب النوبة والمسيرية والفور وغيرهم ، بل وحتى ضد شعوب السودان في الشمال ، من خلال تجنب النظام الحاكم مناقشة القضايا المصيرية التي قد تؤدي مستقبلا ، في حالة عدم التمكن من حلها إلى حرب شاملة بين البلدين ، وتوقيعه على قضايا تعتبر قشوراً بالمقارنة . توقيع هذا الإتفاق ، جاء في والوقت الذي اشتدت فيه الضغوط الخارجية والدولية على النظام السوداني بضرورة إجراء حوار حقيقي وجاد ، ليس فقط مع الأحزاب السياسية السودانية المعارضة ، بل وأن يشمل هذا الحوار الحركة الشعبية شمال . ومعروف أن مجرد ذكر اسم الحركة الشعبية شمال يعرقل الحسابات السياسية لهذا النظام . وكان قرار مجلس الأمن الدولي ( 2046 ) الذي يطالب حكومة البشير بضرورة الدخول في مفاوضات مباشرة مع الحركة الشعبية شمال من دون شرط أو قيد . أمام هذه الضغوط ، لم يجد عمر البشير مخرجا له سوى إرضاء الجنوبيين ، وتوقيع هذا الإتفاق المهزلة معهم ، لعلهم بهذا يقنعون المجتمع الدولي أن ثمة جهودا مبذولة بين الطرفين لحل القضايا العالقة ، وأن الأمور تسير على مايرام ... لكنهم بهذا يخادعون الآخرين إلى حين تجهيز قواتهم للجولة القادمة . وبهذا فإن إتفاق اديس ابابا كان الغرض منه مساعدة النظام وتقديم طوق نجاة له أمام الضغوط الخارجية والداخلية ، ومثل خيانة بشعة وغادرة للشعوب السودانية التي طالبت وتطالب بتغيير النظام . والسلام عليكم...