[email protected] مما لا مشاحة فيه أن نهضات الشعوب وتطلعها نحو الحرية والتحرر من نير الإذعان وبطش الأنظمة الشمولية يحتاج إلى شعراء مثل شاعرنا ؛ يشحذون العزائم والهمم ليحدو تلك الجماهير الأمل في النماء والثراء ومن قبلهما التحرر وتنشق الحرية ، فكلما تيقظ الشعراء لمثل هذا تحركت العواطف واعتلجت السرائر وتنادى الجميع من أجل الوطن وإنسانه ليعيش على (كيفه) ، وإلا .. فليقل يا سلام ... وعبد القادر الكتيابي ؛ شاعر من الشعراء الذين يستوحون الشعر من صدق قلوبهم وإحساسه بالإنسان ووجعه لذا تجد شعره كأنه يتقطَّر على الورقة البيضاء من دمه ، شاعر تسيطر عليه في تحركه ، وفي تفكيره عوامل الإحساس بالأخر وحب الوطن وإنسانه ، فكل ما يقع على يدك من بوح الشاعر إنما هو وحي ذهن غير عابث ولا ينظر إلى الحياة ويفهمها دون رؤية ، فهو لا يرى وجوده دون جدوى وإنما هو يشعر بدوره تجاه وطنه وإنسانه ، فلا تجد قريضه في طرحه يوصد الباب أمام من يريد أن يرى سمو الإحساس تجاه الوطن ، ولا في وجه من يطلب الحق ، أو ترى مفرداته تضن بفسيح الأحلام وعالي الخواطر وعلو الأوطان والمشاعر ، والدعوة للتحرر من نير التسلط أياً كان شكله عسكرياً أو مدنياً ! يقول شاعرنا الفذ قولاً غريباً مُدرِجاً إياه في قائمة الفكاهة متخذاً منه سهماً للنقد والسخرية ضد ما يسمى (بمقص الرقيب) في صحافة البلاط أو التابعة لها ، أو المؤتمرة بأمرها ، أو المذعنة لها ، أو التي كان قدرها أن تمارس (الكفاف الصحفي) في جو بلا حرية ولا سماح بتعبير ، فقال ساخراً من القص والحذف الذي تعرضت له قصيدته (على كيفي) حينما تم نشرها في إحدى الصحف في هذا الزمن البئيس : (حكى أن تشكيلياً مر بلافتة سماك كتب عليها ( محلات السر لبيع السمك المشوي والمقلي والمحمر ) . فأقنع السماك أن يستغني عن عبارة ( محلات بيع ) لعدم جدواها ففعل ثم مر عليه بعدها وأقنعه بأن السمك عادة يشوى أو يقلى أو يحمر ولا داع لها في اللافتة فحذفها ثم مر عليه بعدها وفهمه أن كلمة السمك تحصيل حاصل بسبب الرائحة المنتشرة في الشارع فلم تبق على اللافتة إلا كلمة ( السر) . وهو ما حدث لهذه القصيدة من المقصات وحينما نشر المقطع المسموح به فاحت رائحة السمك وكثر السؤال عن الفائح الغائب. ليس لدينا إلا أن نرقم النكات حتى نضحك لمجرد ذكر الرقم ) . أ .ه . فالكتيابي شاعر تكشفت له أباطيل الأنظمة الديكتاتورية ؛عسكرية كانت أو مدنية ، وذهب عن قلبه الرجاء من ودها ، فمن حسن كمال الشعر أن يأتي معبراً عن رأي وفكرة وإيمان بهما ، فجاء شعره أصدق ما يكون ؛ صدقاً يكشف له الزيف والإدعاء الباطل ، فتأتي القصيدة كما هي في خلجات النفس وخواطر القريحة مليئة بالصدق في كل تفاصيلها ، وساعده على ذلك مقدرته الهائلة على النظم والانضباط الموسيقي ، فتدخل عليك برداً وسلاماً ، كما هو الحال في قصيدته الرائعة (على كيفي ) . والكتيابي شاعر خير الطبائع لذا تجده عنده القدرة على السخرية والسخط على الظل المعوج وعوده ، وتلك لعمري خصلة يُجبل الإنسان عليها ، فمن كان ذو حاسة خُلقية عظيمة الشعور بالواجب المناط بها كان السخط والسخرية معبران عن صدق الطوية ودواخل النفس المسؤولة تجاه كيانها أولاً ، ومن بعد أمام إنسان محيطها ، فتأنف كذا نفس الركون والخنوع والرضا إلا بعلو صوت الحق ، والرغبة في انتهاء سطوة الحاكم الأشر .. ( على كيفي ... أرقع جبتي أولا أرقعها.. أطرزها من اللالوب .. ألبسها على المقلوب. أخلعها .. على كيفي . أنا لم أنتخب أحدا... وما بايعت بعد محمد رجلا . ولا صفقت للزيف .. لماذا أعلنوا صوري؟ لماذا صادروا سيفي..؟ أنا ما قلت شيئا بعد حتى الآن .. حتى الآن أسلك أضعف الايمان.. ما أعلنت ما أسررت ما جاوزت في الأوبات .. سرعة زورة الطيف أهرول بين تحقيقين أصمت عن خراب الدار .. عن غيظ مراجله تفك مراجل الجوف سئمت هشاشة الترميز ما بعد الزبى يا سيل من شيء .. لمن يا طبل والخرطوم غائبة و أمدرمان والنيلان يختلفان .. والأطفال في الخيران والحرب الدمار الجوع كيف الحال ؟ لا تسأل عن الكيف .. حبيبي أنت يا وطن النجوم الزهر .. سلهم كيف ؟ سل عني .. لماذا لم يخلوني على كيفي ..؟ أنا والله ضد نخاسة الأحرار باسم الذين .. ضد الضد والضدين ... ضد جهاز خوف الأمن .. ضد الأمن بالخوف .. أنا في هذه الدنيا على كيفي .. إلى أن تكمل الأشراط دورتها . بمهدي حقيقي لينقذنا من الدجال والتمثال . والإشراك والحيفِ سأبقى ما حييت أنا على كيفي إلى أن تطهر الدنيا وينزل سيدي عيسى لأن طريقتي في الحب يا وطني على كيفي ... ) . عروة علي موسى ،،،