تقرير: التقي محمد عثمان [email protected] تعتبر معركة اليرموك من المعارك الإسلامية الأبعد أثرا في حركة الفتح الإسلامي، فقد لقي جيش الروم (أقوى جيوش العالم يومئذ) هزيمة قاسية على يد القائد خالد بن الوليد وجنده مما مهد الارض لفتوحات اخرى تلت يوم اليرموك، استمرت معركة اليرموك ستة ايام بلياليها يقاتل فيها ست وثلاثون الف مقاتل مسلم مائتين وخمسين الف مقاتل رومي لتمثل بعد انجلائها بداية أول موجة انتصارات للمسلمين خارج جزيرة العرب، مؤذنة بتقدم الإسلام السريع في بلاد الشام كما يذكر موقع ويكيبيديا . ولكن ماذا عن يرموكنا المهدم بصواريخ اسرائيلية في ظرف دقائق، هل يؤذن بنتائج تدني السودانيين من سودانهم وتجعلهم اقرب الى انفسهم ليتجاوزوا عبر معرفة واقعهم وقدراتهم الحقيقية هزائمهم المنظورة وغير المنظورة؟؟! كانت معركة اليرموك في التاريخ العسكري مثالا عندما تستطيع قوة عسكرية صغيرة تحت قيادة حكيمة التغلب على قوة عسكرية تفوقها عدداً، وربما هذا الدرس المستخلص هو ما دار في اذهان من اطلقوا اسم اليرموك على المصنع المدمر، ولكن ماذا تعتبر محرقة مصنع اليرموك، هل هي بداية لتسطير تاريخ جديد تكتب حروفه بالشظايا المتطائرة على اسطح المنازل وتدون كلماته بذرات التراب المنسرب بين اقدام المهرولين من بيوتهم الى فيافي الكلالكلة والحزام الاخضر، وهل ستكون ضربة البداية ليعيد مطلقو الاسم النظر في قناعاتهم السياسية وفي طرائق تفكيرهم حيث لم تعد موازين القوة تعتمد على عدد المقاتلين وانما على السابحات سبحا في الجو وعلى مضاداتها الراصدات رصدا في الارض. لم تكن عملية إسرائيل بقصف مصنع اليرموك هي الأولى، فقد سبق لها أن قصفت شرق السودان ثلاث مرات، استخدمت خلالها الطيران الحربي، ولم تستطع الحكومة تحريك ساكن، بالطبع ليس من الانصاف دمغ الحكومة بالعجز لوحدها فهذا هو منطق الزمان الاحادي الذي تسيطر عليه قوة وحيدة من ورائها ربيبة وحيدة مما يجعل من الصعوبة بمكان أن تدخل الحكومة في سباق تسلح مع اسرائيل، وليس من المجدي الدخول في مثل هذا السباق إذ لا تنتطح عنزتان على تفوق اسرائيل العسكري على كل دول الاقليم منذ عقود وتتسع المسافة عقب كل صباح يطل، فضلا عن اسرائيل تبذل كل ما في وسعها للحفاظ على ترجيح كفتها على الدوام بمختلف الاساليب فقد لاحقت كما يرصد مهتمون الفلسطينيين في تونس وقامت طائراتها برمي القنابل لتحدث مذبحة كبيرة في العاصمة التونسية، واستطاعت تدمير مفاعل تموز العراقي، وألحقت بآخر تحت الإنشاء في سوريا خسائر لم تقم له بعدها قائمة، وتدمير أسلحة سورية في البقاع اللبناني، وحامت طائراتها فوق قصر الأسد في اللاذقية في تحد أن أذرعها تستطيع الوصول إلى رقاب الآخرين بدون موانع. بسبب كل هذا وبغيره يتوجب على الحكومة كما يقدر مراقبون اعادة النظر في طريقة نظرها للاشياء وفي طريقة تعاطيها مع معطيات الواقع، فبخلاف ان السودان ليس دولة مواجهة فان ما فيه يكفيه، وبحسب الكاتب والمحلل السياسي طارق الحميد فان من ينظر لواقع السودان، من استضافة أسامة بن لادن، إلى عمليات تهريب السلاح، ثم بناء مصانع الأسلحة، وقبلها الحروب الداخلية، والأزمات، والتقسيم، يدرك أن السودان ليس دولة مواجهة، كما يردد بعض مسؤوليه، بل دولة ارتكاب الأخطاء الممنهجة، مما يعني أن السودان، والمواطن السوداني هما الضحية أولا وأخيرا. وبالتالي فان الحكومة ليست بحاجة الى الاستمرار في ما لا طائل من ورائه كما انها ليست في حاجة الى التبريرات التي يقدمها وزير الخارجية من شاكلة أن إسرائيل أرادت بعدوانها على «مجمع اليرموك للصناعات العسكرية»، التأكيد للإسرائيليين أن رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو هو من يحمي أمنهم ومصالحه، فما يقدمه على كرتي من تفسير يزر الرماد في العيون ولا يساعد في الاستدراك على منهج احول يحكم نظر الحكومة، قال كرتي أن ضرب المجمع جاء في إطار السباق الانتخابي في إسرائيل حيث يعاني التحالف المؤلف للحكومة الإسرائيلية حال ضعف ويحاول أن يلملم أطرافه، وأضاف: «إن ضرب المجمع لن ينفع اليمين الإسرائيلي فالأرض تنهار من تحته والعالم أجمع يرفض مواقف إسرائيل السلبية ويرفض مواقفها تجاه القرارات الدولية والإقليمية التي تؤكد حقوق الفلسطينيين»، ولكن ما يدركه راعي الضأن في الخلاء ان اسرائيل قامت بما قامت به حفاظا على ما تسميه امنها القومي وقد كشف تقرير إسرائيلى، نشر امس الاثنين، أن قصف مصنع "اليرموك" للأسلحة والذخيرة فى العاصمة السودانية الخرطوم الأسبوع الماضى استهدف شحنات أسلحة متطورة من صنع إيران كانت سترسل إلى قطاع غزة، وليس مصنع الأسلحة نفسه. ونقل الخبير العسكرى الإسرائيلى رون بن يشاى فى تقرير له بصحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية عن مصدر أمنى غربى وصفه بأنه "موثوق للغاية" قوله إنه "لو وصل قسم صغير من هذه الأسلحة إلى غايتها فى قطاع غزة، لكان من شأنها أن تشكل تهديدا خطيرا على إسرائيل والجيش الإسرائيلى".. اذن ربما نجد أهم الدروس التي يمكن استخلاصها في بيان الحزب الشيوعي السوداني الصادر قبل يومين وهي ان " نمد رجلنا على قدر لحافنا" وأن يبتعد السودان- كعهده منذ الاستقلال- عن سياسات المحاور في قضايا السياسة الخارجية والتبعية، وانتهاج سياسة خارجية متوازنة لا تدخل بلادنا في مواجهة مع المجتمع الدولي، أو كما قال بيان حزب الامة القومي فان الوعي السياسي والواجب الوطني يقتضيان أن نتخذ من الأزمة فرصة لتحقيق أربعة أهداف: أولها، معرفة مدى التقصير الدفاعي وتحقيق الكفاءة الدفاعية المطلوبة. ثانيها، استنفار الهمم لوضع حد للاقتتال الأهلي بموجب اتفاقيات تحقق سلاماً عادلاً وشاملاً في ظل وحدة البلاد. ثالثها، الالتزام بخريطة طريق تنقل البلاد من النهج الانفرادي إلى نهج قومي يحقق التحول الديمقراطي الكامل يجسده دستور جديد قومي ديمقراطي. واخيرا، الاتفاق على برنامج شامل لتطبيع علاقات السودان الدولية.