مؤسف حقاً أن يتولى رئيس أكبر هيئة تشريعية في البلاد، الدعوة لما يصعد الحرب وينسف الاتفاقيات التي وقعت بين حكومتي شمال وجنوب السودان في الشهر الماضي. وتم التوافق عليها وتم الشروع الأولي في التنفيذ. وإستبشر شعبا البلدين بما تم التوصل إليه، لأنه سيوقف الحرب وسيفتح الباب أمام ترسيخ العلاقات بينهما وتنفيذ الحريات الأربعة وتفتح الحدود للتبادل التجاري وبهذا يعم الأمن والسلام. غير أن رئيس المجلس الوطني أحمد إبراهيم الطاهر ذكر أن دولة الجنوب اذا أرادت أن تضخ النفط لصالح الدولتين ولبناء استقرار وتعاون اقتصادي فعليها البدء بتنفيذ الترتيبات الأمنية. وأضاف: اذا لم تأمن على مواطنينا من إعتداء يقع عليهم بمساعدة الجنوب فإن الاتفاقيات الأخرى لن ترى النور. والواقع يقول إن المؤتمر الوطني ينظر إلى قضية الترتيبات الأمنية من أضيق زاوية لمفهوم الأمن. وهي قطع حكومة الجنوب علاقاتها مع الحركة الشعبية قطاع الشمال. بينما الحركة الشعبية قطاع الشمال لم يرد أي ذكر لها عند مناقشة القضايا العالقة بين الشمال والجنوب. والواقع يقول أيضاً أن حزب المؤتمر الوطني هو الذي صنع مشكلة أبيي رغم وضوحها في برتوكول أبيي ووقع عنها علي عثمان محمد طه النائب الأول في ذلك الوقت مع الدكتور جون قرنق، بعد أن احتقن الوضع وانسدت طرق الوصول إلى حل، إلا بعد إرسال الرئيس الامريكي مبعوثه الخاص دافنورث الذي صمم البرتوكول ووافق عليه الطرفان. المؤتمر الوطني هو الذي دوّلَ قضية أبيي عندما رفض تقرير الخبراء الدوليين و حول القضية إلى محكمة لاهاي. وبهذا أصبحت قضية دولية ورحب المؤتمر الوطني بقرار لاهاي، عندما جعلت منطقة ابيي الغنية بالبترول خارج حدود أبيي. ثم عادوا وتنكروا لاتفاق لاهاي عندما أكتشفوا أن قرار لاهاي يجعل منطقة أبيي داخل ولاية بحر الغزال. وفي الاتفاق الأخير بين حكومتي الشمال والجنوب أجلوا اتفاق أبيي وتركوا القضية في مجلس الأمن الافريقي. وهكذا يتضح أن المؤتمر الوطني لا يسعى إلى حلول سلمية أو عادلة ترضي الطرفين. المؤتمر الوطني يستهدف حلاً عسكرياً، لا ليضع أبيي بثرواتها البترولية تحت سيطرته وحسب، بل يرمي إلى احتلال الجنوب إن لم يكن بقواته مباشرة كما عبر قادة في المؤتمر الوطني ووكلاء أثرياء الحرب، فلبالوصاية مع القوى المعارضة الموالية له داخل الجنوب. وتشهد على ذلك النزاعات العسكرية المتوالية في العديد من ولايات الجنوب. ومحاولات الاغتيال المتكررة لسلفاكير وغيره من قيادات حكومة الجنوب، والقصف الجوي الذي استهدف بعض المناطق الحدودية في جنوب السودان. ولهذا فإن التحايل بالقضايا الأمنية وحسمها، هو آخر ما يرد في مخيلة قيادات المؤتمر الوطني ... وكل الدلائل تشير إلى أن الحل العسكري قد فشل من قبل في كافة المناطق التي صارعت فيها سلطة الرأسمالية الطفيلية كل حاملي السلاح. الآن هي أضعف من أي وقت مضى، سياسيا وعسكرياً ومالياً وليس لها المقدرة على فتح جبهات عسكرية جديدة. فلو كان بمقدورها ذلك لواصلت حربها في الجنوب والنيل الأزرق وجنوب كردفان/ جبال النوبة ودارفور. ولن تتورع في أن تضع السودان كله تحت رحمتها. أكثر من ذلك فإن حكومة المؤتمر الوطني تعيش أضعف حالاتها المالية منذ سطوها على السلطة، وهى تلهث لتغطية عجزها المالي الذي أصبح لا يغطي احتياجات الحاكمين المالية، ناهيك عن معاناة الشعب. ولهذا فإن حديث رئيس المجلس الوطني لا صحة له وهو أشبه بالحمل الكاذب. وإنما هو(مجرد نفخة كذابة) تراهن على شيءٍ هي نفسها غير مقنعة بنجاحه، بل أكثر من ذلك يرى رئيس المجلس الوطني أن الاتفاقيات الأخرى لن تُرى. إن سلطة المؤتمر الوطني، يجب أن تعترف بأن بروتوكولات أبيي وولايتي جنوب كردفان/ جبال النوبة والنيل الأزرق، هي جزء لا يتجزأ من اتفاقية السلام الشامل. وبدون حلها حلاً سلمياً ديمقراطياً، لا يمكن أن يستتب الأمن والاستقرار في السودان. فأهل هذه المناطق لديهم قضايا عادلة ومشروعة. وبدأوا حلها سلمياً قبل أن يحملوا السلاح. رئيس المؤتمر الوطني و رئيس الجمهورية عمر البشير هو الذي أجبرهم على الحرب، عندما صرح بأن من يريد نيل مطالبه فليحمل السلاح. ففتح على نظامه طاقة من جهنم لم تنسد حتى الآن ولن تنسد مطلقاً اذا لم تحل مشاكل أهل هذه المنطقة، واذا لم تعترف الحكومة بتنظيماتهم وزعمائهم الذين انتخبوهم ديمقراطياً، وتقر بما حدث من تزوير في الانتخابات الأخيرة. دون ذلك سيعاد إنتاج الحرب من جديد. وهذه المرة لن تستطيع الحكومة الافلات من هزائم ساحقة على كل الجبهات. مع كل ذلك وبالرغم منه فنحن في الحزب الشيوعي ندعوا للحل السلمي، وسنصارع ضد كل دعاة الحرب باعتبارهم المستفيدين منها، والناجين من ويلاتها، وإن شعب السودان هو الذي سيدفع الثمن من أبنائه وبناته وقوت يومه وعدم استقراره ودمار مناطق شاسعة من بلاده. ولهذا فإننا لن نمل تكرار أن يناضل جميع أهل السودان في شماله وجنوبه لبناء جبهة واسعة تضم كل المعادين لهذا النظام للإطاحة به. ولا سبيل لحل مشاكل البلاد جميعها غير ذلك. الميدان