صدي المراجع العام وحديث كل عام (2) أمال عباس ٭ قلت بالأمس إن ظاهرة الاعتداء على المال العام بصورتها المتصاعدة تثير القلق والفزع وتجعلنا وجها لوجه أمام معضلة كبيرة تستوجب الدراسة المتأنية لتشخيص الظاهرة تشخيصاً دقيقاً.. هذا الى جانب المضي في معاقبة المتجاوزين ان امكن الوصول اليهم فالذين يستطيعون جمع الملايين بالتزوير والتغول والتبديد والاختلاس لا ينقصهم الذكاء وفي مقدورهم ان يفرقوا بين ما هو خطأ وما هو صواب وهم قادرون على ادراك طبيعة السلوك الاخلاقي والسلوك غير الاخلاقي.. وهم لا يتجاسرون على تخطي حواجز وحدود الاخلاق ولذا لا يتجاسرون على تجاهلها او الغائها الا اذا وجدوا المبررات.. انهم فئة خطرة واخطبوطية التكوين.. تبدع في الاتيان بالمبررات المنطقية والمعقولة من منظورها هي طبعا لاختيار طرق الكسب غير المشروع ولا شك ان هذه العناصر تكون حريصة على مكانتها الاجتماعية والسياسية وتتردد الف مرة قبل ان تقدم على تصرف اشبه بالانتحار لانه اذا انكشف يفقدها كل شيء ومن هنا تظل بعيدة عن دائرة التنفيذ المباشر وتسقط عناصر اخرى نصيبها الفتات من كيكة المال العام. ٭ في تقديري ان نقطة البداية هي الوقفة امام هذه الظاهرة.. وهي سياسية واقتصادية قبل ان تكون اخلاقية مع التسليم بانه لا توجد حدود فاصلة تفرق تماما بين ما هو سياسي واقتصادي وما هو اخلاقي. ٭ في تقرير هذا العام جاءت تجاوزات جديدة او بالاصح نوع عجيب ان تختفي مبالغ من السجلات مثلا «قال التقرير ان المراجعة لاحظت ان هناك مديونيات ببنك السودان المركزي باسم وزارة المالية بلغت 9.5 مليارات لم تظهر بسجلات المالية.. وقال التقرير ايضا تم سحب 172 مليون جنيه من قبل وزارة التعاون الدولي من منحة وجهتها مجهولة وحجمها واوجه صرفها غير معلومة.. بجانب وجود منحتين قطرية وجزائرية لم تظهر بالحساب الختامي يوجد ما يفيد بأوجه صرفها لوزارة المالية.. مسائل غريبة. «مش». ٭ عموما ان الاوضاع الاجتماعية والقيم السائدة فيها هي وليدة للاوضاع السياسية والاقتصادية وهذه حقيقة لا يختلف عليها اثنان.. واذا كان هناك اختلاف فهو حول الاولويات.. هل النظام الاقتصادي هو الذي يؤثر بشكل اساسي على سلوك المجتمع وقيمه ويتبعه النظام السياسي ام ان الاولوية للنظام السياسي ويتبعه النظام الاقتصادي ولكن رغم هذا الاختلاف وخطورته الا ان الجميع يعترفون بأن السياسة والاقتصاد لهما تأثير مباشر على المجتمع وقيمه. ٭ هنا تبرز اهمية دور القيادات السياسية كقدوة ليس في تقديم النموذج الاخلاقي فحسب.. بل وهي كقدوة تقوم بوظيفة سياسية لانها تضع المعايير التي يزن بها الجميع تصرفاتهم وهي التي تهيء المناخ لنشأة الدوافع والطموحات سواء أكانت طيبة او شريرة نبيلة او خسيسة تتجه الى الصالح العام او هي محصورة في نطاق المصالح الخاصة. هذا مع تحياتي وشكري الصحافة