ما قاله المراجع العام أمام المجلس الوطني بخصوص الاعتداء على المال العام يثير القلق والفزع ويجعلنا وجهاً لوجه أمام معضلة كبيرة تستوجب الدراسة المتأنية لتشخيص الحالة تشخيصاً دقيقاً وهذا يجب أن يكون إلى جانب المضي في معاقبة المجرمين ان أمكن الوصول اليهم.. فالذين يستطيعون جمع الملايين بالتزوير والنهب لا ينقصهم الذكاء، وفي مقدورهم أن يفرقوا بين ما هو خطأ وما هو صواب، وهم قادرون على إدراك طبيعة السلوك الاخلاقي والسلوك غير الاخلاقي.. وهم لا يتجاسرون على تخطي حواجز وحدود الاخلاق.. ولا لا يتجاسرون على تجاهلها وإل?ائها إلا إذا وجدوا المبررات. * انهم فئة خطرة واخطبوطية التكوين.. تبدع المبررات المنطقية والمعقولة من وجهة نظرها.. طبعاً لاختيار الكسب غير المشروع.. ولا شك أن هذه العناصر تكون حريصة على مكانتها الاجتماعية والسياسية وتتردد ألف مرة قبل أن تقدم على تصرف أشبه بالانتحار لأنه إذا انكشف يفقدها كل شيء ومن هنا تظل بعيدة عن دائرة التنفيذ المباشر وتسقط عناصر أخرى نصيبها الفتات من كيكة المال العام. * في تقديري أن نقطة البداية في الوقفة أمام هذه الظاهرة هي سياسية واقتصادية قبل أن تكون اخلاقية مع التسليم بأنه لا توجد حدود فاصلة تفرق تماما ما بين ما هو سياسي واقتصادي وما هو اخلاقي. * فالأوضاع الاجتماعية والقيم السائدة فيها هي وليدة للأوضاع السياسية والاقتصادية وهذه حقيقة لا يختلف حولها اثنان.. واذا كان هناك اختلاف فهو حول الأولويات.. هل النظام الاقتصادي هو الذي يؤثر بشكل أساسي على سلوك المجتمع وقيمه ويتبعه النظام السياسي، أم الأولوية للنظام السياسي ويتبعه النظام الاقتصادي.. ولكن رغم هذا الاختلاف وخطورته إلا أن الجميع يعترفون بأن السياسة والاقتصاد لهما تأثير مباشر على المجتمع وقيمه. * وهنا تبرز أهمية القيادات السياسية كقدوة وهي لا تقدم النموذج الاخلاقي فقط بل هي كقدوة تقوم بوظيفة سياسية لأنها تضع المعايير التي يزن بها المجتمع تصرفاتهم وهي التي تهييء المناخ الصالح لنشأة الدوافع والطموحات سواء كانت طيبة أو شريرة أو خسيسة.. تتجه الى الصالح العام أو محصورة في نطاق المصالح الخاصة. هذا مع تحياتي وشكري.