شهد الأسبوع المنصرم حدثين هامين في الساحة السياسية السودانية، محورهما حزب الأمة القومي. اللافت فيهما أن الأول كان مُفرحاُ وساراً وأعطي أملاً في سرعة التغيير القادم، وتلخص في توقيع بيان مشترك بتاريخ 14 نوفمبر مع الحركة الشعبية قطاع الشمال والمؤتمر الشعبي، إذ أن المعني الايجابي لهذه الوثيقة تصب في اتجاه بداية خطوات عملية جادة لتوحيد قوي المعارضة، وهي العامل الأساسي – كما أجمع المراقبون السياسيون – لزوال هذا النظام. كذلك حسم كل الأصوات التي كانت تدعي عدم حماس الحزبين الكبيرين لتحالف الجبهة الثورية. فالتوقيع علي الوثيقة جعل حزب الأمة يقف في موقف متقدم مقارنة بالأحزاب الأخري، سواء كانت يمينية أو يسارية. من المؤكد إن هذه الخطوة ستقرب من إمكانية إلتآم الجبهة الثورية مع تحالف قوى الاجماع الوطني. وقد حضر توقيع الاتفاق بالعاصمة البريطانية لندن السيد الصادق رئيس الحزب، صحيح أنه لم يوقع شخصياً علي الوثيقة وإنما أدخل عليها بعض التعديلات قبل أن تظهر في نسختها الأخيرة، وتبعاً لذلك وقع نيابة عن الحزب السيد نصر الدين الهادي المهدي نائب الرئيس . ثالثاً: ما الفرق علي ما أقدم عليه نصر الدين وما أقدمت عليه الدكتورة مريم الصادق، حينما وقعت علي مذكرة تفاهم مع حركة مناوي بكمبالا. فحركة مناوي والحركة الشعبية كلاهما مكون من مكونات تحالف القوى الثورية. لعل الأدهي وأمر أن السيد الصادق لم يمارس صلاحياته كرئيس للحزب بإنزال عقوبة الفصل أو التجريد من المنصب تجاه الأمين العام السابق ، رغم الاشارات المرئية والمسموعة حول دوره الأمني ، فالسيد الأمام كان هنالك غفوراً رحيماً وهنا شديد العقاب . رابعاً : ذكر السيد الصادق في ندائه الذي وجهه للصحفيين في الخرطوم ودعوته إلى الاعتصامات:" إن حزبه يسعي لتجميع قوي المعارضة لتنظيم اعتصامات في أنحاء البلاد وكافة السفارات السودانية بالخارج “. هل الحديث عن تجميع قوي المعارضة يتسق مع المسلك الأخير بعزل نصر الدين عن منصبه كنائب للرئيس ؟ في التقدير أن هذا التصرف جاء على النقيض ، فقد بدأ السيد الصادق في تفكيك حزبه قبل أن يجمع الآخرون وهذا عين ما يريده المؤتمر الوطني أي بذر الشقاق في صفوف قوي المعارضة واتخاذ أسوأ الأساليب في ذلك... الدسيسة... النميمة ..التهديد... الابتزاز، وتسخير المال العام في كل ذلك . خامساً: لعل السؤال الذي يطرح نفسه بلا مواربة، هل قيّم السيد الصادق وقع اتخاذ قرار عزل نصر الدين علي جماهير الأنصار في الجزيرة أبا أو نيالا مثلاً ؟ الذين سيفهون لا محال في هذا السياق أن السيد الصادق خسر ابن عمه مبارك، وحالياً فصل ابن عمه الذي لم يعاديه، ويعلمون في عقيدتهم الراسخة أن الإمام هو الرجل الأكبر الذي تفرض عليه مكانته الدينية التنازل عن كل هذه الصغائر وتوجيه النصح والأرشاد. كما أن جماهير الأنصار ستذكر له حينما حارب عمه، أي الأمام الهادي والد نصر الدين، كيف كان الإمام الهادي متُسامحاً معه. وعلي الرغم من كل هذا جمع السيد الصادق الإمامة وزعامة الحزب ولم يعارضه نصر الدين في ذلك، بل لم يحقد علي تصرفه مع والده . سادساً : إذا ما أسلمنا جدلاً أن السيد نصر الدين قد إنضم للجبهة الثورية بقرار منه وليس بموافقة رئيس الحزب، هل تم تشكيل مجلس محاسبة له وخضع لكل الإجراءات القانونية والإدارية اللازمة؟ وهل قُدم له التوجيه أو التوبيخ – سيان - من الأجهزة المحاسبية ؟ هل تم إنذاره قبل أعفائه ؟ إذ لا يستقيم عقلاً أن يكون السيد الصادق الخصم والحكم في آنٍ معاً؟ سابعاً : هب أن نصر الدين التحق بالجبهة الثورية بدون رضى رئيس الحزب. هل هذه الخطوة في صالح الحزب أم في ضرره؟ بالتأكيد إذا حزم الحزب أمره وقرر كما جاء في أدبياته الانضمام إلى المعارضة، بل قيادة تجميع قوي المعارضة، فإن تلك الخطوة الاستباقية تُحسب في ميزان حسنات حزب الأمة. علماً بأن السيد الصادق يعلم أن توقيع ميثاق مع تحالف الجبهة الثورية لا يعني منارلة الحكم العسكري. فلهؤلاء رجال آخرون تدثروا بروح الأنصار الجهادية وتركوا متاع الدنيا تماماً كما فعل هو في يوليو 1976 والآن هم يصطفون علي مشارف ماس وقدير وبالقرب من كادوقلي وعلى بعد بضع كيلومترات من فاشر أبو زكريا، وربما قريباً سنشهد للمرة الثانية سقوط الخرطوم علي أيديهم تماماً كما تمت علي أيدي الأمام المهدي عليه السلام. ففي هذه الحالة يصبح توقيع الميثاق دعماً معنوياً، ويعني إشارة لمواطني الحزب الذين يقطنون في أماكن النزاع، بتقديم المساعدات الإنسانية لمقاتلي تحالف القوي الثورية. نعرف جميعاً أن (الدواس) يحتاج (لغبينة) وإذا كان السيد الصادق لا يملك هذه الغبينة حتي الآن، وظل متسامحاً مع هذا النظام الذي اغتصب منه الحكم عنوة، فلا يجوز له أن يُحجر الآخرين المكتوين بالجمر حقهم في منازلة ذات النظام، حتي وأن تطلب الأمر تدخلاً عسكرياً . ثامناً : بحسب ما صدر أجتمع السيد نصر الدين مع السيد الصادق، حيث عرض الأول للثاني خيارين ، أما الاستقالة من حركة القوى الثورية أو الاستقالة من منصب نائب رئيس الحزب. وتبعاً لذلك رفض الثاني أي من الخيارين، فدلف السيد الصادق بمظروفاً في داخل جيب نصر الدين تم تحضيره مسبقاً ، لاحقاً أتضحت محتوياته وهو خطاب الأعفاء . تاسعاً : ألا يحق لنا أن نصف مسلك السيد الصادق أعلاه بالمسلك الديكتاتوري. ولعله في ذلك ماثل موقف الرئيس المخلوع جعفر نميري الذي كان يقيل وزرائه في نشرة الساعة الثالثة بعد الظهر، وكان المقيلون يسمعون خبر إقالتهم من المذياع. تماماً مثلما علم نصر الدين بخبر إعفائه بعد وصوله إلى منزله. في حين كنا نعتقد أن العمل السياسي يتطلب استقامة أخلاقية قبل كل شيء. عاشراً : لعل ما يلفت النظر ما قرأناه في تعليق البروفسير مهدي أمين التوم (صحيفة حريات الالكترونية بتاريخ 14 نوفمبر) والذي جاء فيه “أحذروا وجود الصادق بينكم فإنه مبعوث إنقاذي يعشق تخريب أي جهد تلوح فيه بارقة أمل بخلاص السودان وأهله من عصابة الإنقاذ، فلقد فعلها مع تجمع الخارج وتحالف الداخل ولا يزال يفعلها داخل حزب الأمة ليعرقل تحركه الوطني الطبيعي". إنتهي الأقتباس. فهل هذه الخطوة تعتبر تحالفاً غير مُعلن بين السيد الصادق ونظام المؤتمر الوطني، خاصة إذا ما وضعنا في الاعتبار وضعية أنجاله في السلطة وتهميش ابناء عمومته في الحزب؟ أخيراً أتوجه بسؤال إلى تجمع المعارضة بالداخل ، والي تحالف القوي الثورية بالخارج ، ماهي استراتيجياتكم ومحذاريكم في حالة قبول السيد الصادق الانضمام لكم ، مع وجود عناصر أمنية أقرب إليه من حبل الوريد؟ الميدان