د. أحمد شريف عثمان ٭ كتبت الحلقة الأولى قبل أكثر من شهر وددت ان اواصل الحلقة الثانية في الاسبوع الذي يليه لكن بالرجوع لمصادر معلوماتي والتي هي عبارة عن ذخيرتي من معلومات واحصائيات فعلية وحقيقية لمدى ثلاثين عاما خدمة بوزارة الصناعة والتعدين ثم وزارة الصناعة والتجارة وبعدهما وزارة الصناعة القومية وانتهاء بوزارة الصناعة والاستثمار وبالرغم من تغيير اسمها لمرات عديدة الا ان الحصيلة من المعلومات والاحصائيات الصناعية ظلت ممتدة دون انقطاع لأن المصدر كان واحدا وهو وزارة الصناعة المسؤول الاول عن التصديق بالمنشآت الصناعية ومتابعة شؤونها كافة..! لكن خلال العقدين الاخيرين تناثرت سلطاتها بين سلطات الاستثمار الاتحادية والولائية.. بالتالي صارت المعلومات والاحصائيات الصناعية مثل اللبن المقطوع؟! وخير دليل لذلك ان هنالك اعلانا صدر من وزارة الصناعة في مطلع العام الماضي في عهد وزيرها ووكيليها السابقين في لجنة ترأسها مفوض الاستثمار السابق بولاية الخرطوم تناشد وتطلب من كافة ادارات المنشآت الصناعية القائمة والتي تحت التنفيذ تقديم صور من تراخيصها واسماء اعمالها المسجلة وتوضيح عناوينها ومواقعها خلال فترة زمنية محددة! وهذا كان بالنسبة لي امر غريب ومؤشر بأن وزارة الصناعة فقدت البوصلة التي كانت تدير بها الصناعة بالبلاد! حيث المفترض ان تكون كل هذه المعلومات الاساسية عن المنشآت الصناعية موجودة طرفها وان لا تطلبها منها عبر اعلانات بالصحف وتشكل اللجان لجمعها وحصرها كما حدث بسبب غيابها الكامل لعقد من الزمان وهو العقد الماضي حين تولى امرها وزير ومعه وزير دولة لعشر سنوات فقدت خلالها حتى المقدرة بأن تكون لديها معلومات واحصائيات عن قطاع الصناعة المسؤولة حسب المراسيم الرئاسية عن الاشراف عليه...؟! ٭ اضافة لذلك قرأت في الصحف خلال الشهرين الاخيرين العديد من التصريحات لبعض قيادات اللجان بالمجالس التشريعية الولائية توضح ان معدلات واحصائيات المصانع المتوقفة بتلك الولايات تتراوح بين (75% الى 85%) مع ملاحظة ان بعض تلك الولايات تمثل الثقل في عددية المنشآت الصناعية..! ٭ وايضا اضافة لذلك فوجئت بحزن أليم عن حدوث متغيرات جذرية في تركيبة المناطق الصناعية الكبرى بالبلاد بتغيير وظائفها من مصانع الى مزارع بيوت محمية ومخازن للمعدات الآلية الثقيلة وخلافه بواسطة سلطات الاستثمار حيث تحول اكبر مصنع للغزل والنسيج بالسودان لبيوت محمية نتيجة لمثل تلك القرارات !!.. والغريب في الامر ان سلطات الاستثمار هذه في الوقت التي توافق فيه على تحويل اكبر مصانع للغزل والنسيج لمزارع بيوت محمية ترفض اقامة المصانع داخل الاراضي الزراعية ولو كانت لانتاج المنتجات الزراعية والحيوانية!.. ٭ هذه المتغيرات الناتجة عن اعلانات بعض الولايات عن حجم نسب المصانع المتوقفة بها اضافة للتغييرات التي حدثت في وظائف المناطق الصناعية جعلتني اواجه صعوبة في تحديد المائة مصنع التي اقترحها لتأخذ الاولوية في الاهتمام خلال برنامج المائة يوم الذي ارى ضرورة ان تتبناها وزارة الصناعة.. ٭ المائة مصنع التي اقترحها لتكون نقطة الانطلاق لبرنامج المائة يوم صفاتها الاساسية كالآتي: ٭ اولا: ان تكون مصانع تعتمد على مدخلات انتاج مواد خام محلية من القطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني بهدف تحقيق قيمة اضافية للاستهلاك المحلي وللتصدير لتوفير العملات الاجنبية او لزيادتها من التصدير. وذلك كصناعة الغزل والنسيج والتريكو والملابس الجاهزة ومدابغ الجلود والاحذية الجلدية ومنتجات الجلود عامة. اضافة لمصانع اللحوم والألبان والغراء والجلي..الخ .. اضافة لصناعة المنتجات الخشبية. وايضا المصانع التي تعتمد على معادن مستخرجة محليا. ٭ ثانيا: ان تكون مصانع تستوعب عددية كبيرة من القوى العاملة لزيادة فرص العمل وتقليل معدلات البطالة المتزايدة بالبلاد والتي قدرت مؤخرا فقط وسط الخريجين المسجلين في الشهر الماضي بعدد (590) خمسمائة وتسعون الف خريج وخريجة واتوقع ان يكون ايضا هنالك اكثر من هذا العدد غير مسجلين، دعك من العطالة خلاف الخريجين..!! ٭ ثالثا: اعطاء الاولوية للمصانع المثقلة بالديون من النظام المصرفي والتي تعسرت بسبب تضارب السياسات والقرارات الحكومية المتلاحقة والتي لم تضع اعتبارا للآثار السالبة لقراراتها على هذه المصانع..؟! لأن اعادة تشغيل مثل هذه المصانع سوف يجعلها قادرة على سداد ديونها وبالتالي ضمان عودة اموال البنوك للمودعين واعادة المصداقية والسمعة الطيبة للقطاع الصناعي بعد ان توقفت بعض البنوك عن تمويله بسبب كثرة الاعسار في هذا القطاع؟! ٭ هذه هي تقريبا بعض الصفات الاساسية للمائة مصنع التي ارى ان تشكل مجموعة المائة مصنع لبرنامج المائة يوم لقطاع الصناعات التحويلية بالبلاد تحت اشراف وزارة الصناعة واعداد وتنفيذ هذا البرنامج يحتاج لتوفير ضمانات لنجاحه تتمثل في تشريعات محددة توضح مسئولية وعلاقة وزارة الصناعة بالتنمية الصناعية بالبلاد ثم هيكل اداري بوصف وظيفي محدد لكافة الوظائف بذلك الهيكل وبعد ذلك وضع الاشخاص المؤهلين والكفاءات داخل ذلك الهيكل.. خاصة ان وزارة الصناعة منذ دمجها مع وزارة التجارة في عام 1993م، فقدت الاغلبية العظمى من كوادرها.. المؤهلة بالاحالة للتقاعد للصالح العام وبالغاء الوظيفة وبالنقل خارجها وكان لذلك آثاره السالبة القاتلة للصناعة المحلية.. وبالتالي فإن تنفيذ برنامج المائة يوم لإعادة تشغيل مائة مصنع يحتاج للآتي: ٭ تكون نقطة انطلاقة معتمدة على اصدار قانون للتنمية الصناعية تحت اشراف وزارة الصناعة وان تكون له لائحته التنفيذية التي تحكم كافة نواحي الاشراف على التنمية الصناعية.. خاصة ان وزارة الصناعة هي الوزارة الوحيدة التي ليس لديها قانون يوضح سلطاتها واختصاصاتها مثل ما هو موجود فعليا بوزارات الزراعة والثروة الحيوانية والسمكية والنقل والصحة والسياحة وباقي القطاعات الاقتصادية !! ٭ يتبع اصدار قانون التنمية الصناعية اصدار هيكل وظيفي حسب سلطات الوزارة التي يحددها ذلك القانون وتحديد وصف وظيفي لكافة الوظائف الواردة به.. ثم يتبع ذلك ملء وشغل كافة الوظائف الواردة بذلك الهيكل بأشخاص مؤهلين اكاديميا وللوظائف الوسيطة والعليا تكون لهم الخبرة والكفاءة.. ٭ ويتبع ذلك ايضا ان يكون لوزارة الصناعة التمثيل الواضح بثقلها في السياسات المالية والنقدية عندما كان يمثلها في مجلس ادارة بنك السودان رجال اعمال في ثقل ووزن المرحومين سعد مصطفى أبو العلا وعمر عثمان محمد صالح رحمهما الله. - نواصل إن شاء الله في الحلقة القادمة.. الصحافة