[email protected] بعد سنين حرب طويلة سقط خلالها الملايين من ابناء الشعب السوداني، اكتشفت الحكومة بأن حشر الدين في قضية الجنوب كان خطئاً فادحاً، اذ ان الحوار مكن من كانوا يصفون بالكفار ان يتقلدوا منصب نائب رئيس حكومة السودان، وعدد من المناصب المهمة في الدولة، ثم اوصلتهم تبعات هذه الحرب الدينية وما خلفته من تراكم في نفوس ابناء الجنوب الى ان يقطتع الجنوبيين ثلث اراضي السودان ليعيشو في سلام وامان بعيداً عن الهوس الديني للمؤتمر الوطني. وقبل ان تنتهي حرب الجنوب اتجه اسلاميو السودان لدارفور، فقرروا تغيير موازين القوى فيها عبر منح العرب الذين تم استجلابهم من النيجر ومالي وافريقيا الوسطي "الجنجويد" المساحات والاراضي الاستراتيجية، اضافة الى تزويدهم بالعدة والعتاد والسلاح وتمليكهم وسائل الانتاج حتى يعلو كعبهم ومن ثم تصبح احلام دولة الزغاوة التى يتوهمها الاسلامييون العرب في السودان سراباً تذروه الرياح، فقادوا عبر العرب المستجلبة الى دارفور حملة تطهير عرقي لم يشهد مثلها التاريخ الحديث في اي بلد في العالم، تقذق طائرات الجيش "الحكومي" القرى ويتبعها الجنجويد بقتل من تبقى من الذكور واغتصاب كل الاناث بشكل وحشي ومذل، ثم نهب جميع الممتلكات لياتي خلفهم الجيش السوداني ويقوم بدفن الموتى في مقابر جماعية وسحب من في جسده بعض الروح الى معسكرات اللجوء، ومن ثم تنفيذ المخطط الاعلامي واستقبال مبعوثي المنظمات العاملة في المجالات الانسانية، لتأكد لها ان الجيش وصل بعد أن تم ابلاغهم بان القرية تم غزوها من قبل الجنجويد، وعند وصولهم وجدوها رماداً تحت النار، لكن العالم كان يرصد عبر اقماره الصناعية وشهادات الشهود والتحليل المنطقي للوقائع، فكانت النهاية ان اصبح كل اقطاب الحكومة من رئيسها الى اصغر مسؤولي الجيش والامن "مجرمي حرب" مطلوبون لمحكمة الجنايات الدولية في لاهاي كسابقة لم تحدث في العالم أن يصبح رئيس دولة مطارداً من قبل المحكمة الجنائية. الحكومة تعتقد انها نفذت اجندتها بنسبة كبيرة تجاوزت ال80%، اذ تمكنت من فرض تواجد العرب المستجلبة من دول الجوار "الجنجويد" في دارفور وامتلاكهم للعديد من المواقع الاستراتيجية، كما انها تمكنت من قتل اكبر عدد ممكن من الدارفوريين الاصليين، ولو كان الثمن المطاردة من قبل محاكم الجرائم العالمية، لكنها تفاجأت في جلسات حوارات السلام التى تعقدها مجبرة مع الحركات المسلحة في دارفور، انهم يطالبون بكافة حقوقهم وانهم يعرفون جيداً اهداف حملاتهم التطهيرية، وان قضية الحواكير والمواقع الاصلية خط أحمر، اضافة الى ان كل كل قيادات تلك الحركات هم من الوطنيين الذي يعرفون جيداً حقوق الدارفورين من العرب والزرقة، وكلما عقدت اتفاقاً تجبر الحكومة عن التنازل عن جزء من ما كانت تعتبره مكسباً وهدفاً خلال حملة التطهير التى قادتها في دارفور، لذلك مواقفها متباينة ومتناقضة تماماً فهي تهرول لحضور جلسات التفاوض وعندما تصل الى اتفاق تضرب الطبول وتعزف الموسيقى في القصر الجمهوري وشاشات الاجهزة الاعلامية الحكومية، وخلال فترة قصيرة اما يفشل الاتفاق نهائياً كما حدث مع مني اركو مناوي او يفشل تدريجياً كما هو الحال الان مع السيسي "اتفاق الدوحة" ذلك ان الحكومة تواجه بضغوط من منظري سياساتها ومخططي استراتيجاتها وكذلك الجماعات المتحالفة معها، بأن تنفيذ بنود الاتفاق كاملاً يعني " كانك يا ابوزيد ماغزيت" وان سياساتهم وخسائرهم الغير محدودة في دارفور تطبيق الاتفاقية تجعلهم يخرجون من دون حمص من مولد دارفور كله، فتتعثر الاتفاقية ويعود كل طرف الى حيث كان في موقع الحرب. هذه المواقف المتناقضه ساهم في اتساع دائرة الخلاف بين جناحي المؤتمر الوطني، فمنهم من يرى انهم خسروا الكثير في دارفور وفي مقدمته رفاقهم من من من يدعون بانهم شهداء، وان دمائهم دين في اعناقهم، فيقودون كما الاطفال كلما اتيحت لهم الفرصة حملات القتل والتشريد لابناء دارفور، ان كان في الخرطوم او في دارفور نفسها، فلا يتواني منسوبي المؤتمر الوطني المؤمنين بهذا النهج من قتل الدارفوريين اينما وجودوهم، في جامعة الجزيرة او داخلية امدرمان الاسلامية، او شوارع الخرطوم او الاسواق، وجناحهم في مليشيا الحكومة العكسري المسمى جزافاً ب"الجيش السوداني" لا يتاخر في انتهاز فرصة لضرب مجموعة صغيرة من قوات السيسي الموقعة على اتفاق في اطراف مدينة نيالا، رغم علمهم التام بانها قوات صديقة وتُركت في حمايتهم بعد رفض لجنة الامن في نيالا دخول الجيش بالياته الثقيلة الى داخل المدينة، وهكذا فقدت الحكومة السيطرة على دارفور كما فقدت من قبل السيطرة على جنوب السودان، ومن دون حياء يخرج وزير العدل دوسه في مؤتمر صحافي اليوم ليعلن ان حكومته سترسل قوات خاصة الى دارفور لفرض هيبة الدولة. وهو لا يعلم ان ابناء دارفور فقدوا ثقتهم تماماً في دولتهم وان كل بيت في دارفور به ما يذكرهم صباح مساء بممارسات الحكومة، اذ ان جيل كامل من الاطفال الان ابائهم من الجنجويد، كما ان في كل اسرة دارفورية على الاقل اثنين من الشهداء التى تملا ذكرياتهم ومواقفهم فراغات المنزل، وما علق في صدورهم تجاه هذه الحكومة لن يعيدها قوات خاصة، او حتى سياسات خاصة، فالامر وصل حداً افقد ثقة الدارفوريين في كل ابناء الشمال، لذلك لم يكن مستغرباً ان نشاهد اليوم في جامعة الخرطوم الدارفوريين والدارفوريات يعانقون الوطنيين من ابناء الشمال ويبكون شهداؤهم في جامعة الجزيرة وكل مواقع الاستشهاد الاخرى، اذ انهم شعروا لاول مرة أن في الشمال هنالك من يشعر بماساتهم ويتعاطف معهم.