أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    مليشيا التمرد تواجه نقصاً حاداً في الوقود في مواقعها حول مدينة الفاشر    ضربة موجعة لمليشيا التمرد داخل معسكر كشلنقو جنوب مدينة نيالا    مدير مستشفي الشرطة دنقلا يلتقي وزير الصحة المكلف بالولاية الشمالية    شاهد بالفيديو.. شاعرة سودانية ترد على فتيات الدعم السريع وتقود "تاتشر" للجيش: (سودانا جاري في الوريد وجيشنا صامد جيش حديد دبل ليهو في يوم العيد قول ليهو نقطة سطر جديد)    ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك        أقرع: مزايدات و"مطاعنات" ذكورية من نساء    بالصور.. اجتماع الفريق أول ياسر العطا مساعد القائد العام للقوات المسلحة و عضو مجلس السيادة بقيادات القوة المشتركة    وزير خارجية السودان الأسبق: علي ماذا يتفاوض الجيش والدعم السريع    محلية حلفا توكد على زيادة الايرادات لتقديم خدمات جيدة    شاهد بالفيديو.. خلال حفل حاشد بجوبا.. الفنانة عشة الجبل تغني لقادة الجيش (البرهان والعطا وكباشي) وتحذر الجمهور الكبير الحاضر: (مافي زول يقول لي أرفعي بلاغ دعم سريع)    شاهد بالفيديو.. سودانيون في فرنسا يحاصرون مريم الصادق المهدي ويهتفون في وجهها بعد خروجها من مؤتمر باريس والقيادية بحزب الأمة ترد عليهم: (والله ما بعتكم)    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    سوداني أضرم النار بمسلمين في بريطانيا يحتجز لأجل غير مسمى بمستشفى    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    العليقي وماادراك ماالعليقي!!؟؟    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن التقري والهوية البجاوية : ردا على د. أبو محمد أبو آمنة
نشر في الراكوبة يوم 18 - 12 - 2012


[email protected]
نشر د. أبو محمد أبو آمنة مقالا بعنوان (في رد علي محمد جميل أحمد
وهل البني عامر والحباب الا البجا الاصليون؟) . بكل من صحيفة الراكوبة ، وموقع سودانيز أون لاين ، وموقع حريات ردا على مقالي المنشور بالصحافة في يوم الثلاثاء 11/12/ 2012م بعنوان (قومية التقري وسياسات الإقصاء بشرق السودان) بداية لابد من شكر الدكتور على كلامه الجميل في حق كاتب هذه السطور فهذا من حسن ظنه وتقديره الذي أكن له مثله بالطبع . فالدكتور أبو آمنة هو أحد النخب المستنيرة بين أبناء البجا ، وممن يدركون المعنى الحقيقي للهوية البجاوية عبر تمثلها التاريخي بين التقري والبداوييت . وهو بلا شك من المؤمنين بالمصير البجاوي الواحد لاسيما من خلال مقاله هذا الذي نحن بصدد مناقشته ، حيث ذكر فيه بعض أعلام البجا في مدينة بورتسودان التي عاشت في العام 1958م هبة بجاوية كان يمكن أن تسفر عن حركة أكثر تأثيرا في مستقبل البجا بقيام مؤتمر البجا ، على يد طائفة من أ رموز البجا بكافة قبائلهم ، كان منهم الدكتور طه بليه ، والمؤرخ محمد صالح ضرار والمناضل والروائي محمد سعيد ناود وغيرهم كثير .
وفي ظني أنه ليس هناك خلاف فيما بيني وبين د. أبو محمد أبو آمنة ، إلا في ما يمكن أن نصنفه باختلاف التأويل ، أو الذهاب إلى فهم آخر بخلاف ما قصدته أنا في مقالي المذكور . وسألخص ردي في النقاط التالية :
1 لست حزينا فقط لذلك التهميش الذي لم يكن مبررا في الحقوق الرمزية للتقري في المواضع التي ذكرتها في المقال ؛ فأنا أصلا حزين على مجمل الظروف الكارثية التي آل إليها الوضع في السودان في ظل نظام الإنقاذ الذي سمم الوجود الوطني برمته في السودان وفجر تناقضاته في مختلف بقاع الوطن من خلال النزاعات والحروب الأهلية وصولا إلى تقسيم للسودان. وذلك التهميش الذي ذكرته في مقالي حيال الوجود الرمزي لقومية التقري من قبل بعض متنفذي ولاية البحر الأحمر ، ماهو إلا عرض لمرض مزمن أصاب السودان نتيجة لسياسات نظام الإنقاذ.
2 حين أطلقت كلمة (تقري) فأنا أقصد بها تحديدا : المسمى القومي لقبائل بني عامر والحباب وغيرهم من الناطقين بلغة (التقرايت) والسبب في ذلك هو أنهم لايمكن أن يحملوا اسما يدل على المسمى القومي لهم لا المسمى القبائلي إلا اسم (التقري) ليس فقط كهوية لغوية ، وإنما أيضا كهوية ثقافية تتجاوز المعنى القبائلي . وذلك ببساطة لأنهم يتحدثون لغة التقراييت في أغلبيتهم الكاسحة ، وحتى من يجيدون منهم اللسان التبداوي القبائل التي ذكرها د. أبو آمنة مثل اللبت وبيت موسى والسبدرات وغيرهم الذين ينتمون لنظارة البني عامر هم أيضا يتحدثون لغة التقراييت . وهذه المجموعات هي من أقدم وأعرق القبائل البجاوية المتجذرة منذ القدم في منطقة الحدود الإرترية السودانية , وإتقانها للغتين البجاويتين (التبداوي ، والتقراييت) هو دليل هويتها البجاوية الحقيقية في كونها تدل على البجا بإتقانها للساني البجا (التقراييت والتبداوي) . لكن السؤال الذي يفرض نفسه هو : كيف يستنتج د. أبو آمنة أننا حين نصف وصفا قوميا لقبائل بني عامر والحباب وغيرهم من خلال دلالة اللغة أن ذلك الوصف يخرجهم من مسمى البجا ، حين يقول في مقاله (لا يمكن باي حال من الاحوال فصل الحباب والبني عامر من بقية البجا علي اساس انهم مجموعة لغوية مختلفة. كل المراجع العلمية والتاريخية, الاوروبية منها والعربية, تعتبرهمجزء من البجا الي جانب الأمرار والهدندوة والحلنقة والبشاريين والعبابدة والكميلاب والاشراف والارتيقة) هذا استنتاج غير موفق ، لأننا حين نطلق اسم التقري فإنما نقصد فقط المسمى القومي للقبائل المذكورة استناد إلى لغتها . تماما كما يطلق لفظ (البداوييت) كمسمى قومي على قبائل : الهدندوة والأتمن وغيرهم من الناطقين باللسان التبداوي . وهل يمكن استنتاج أن التقري ليسو من البجا في مقالي ، إذا كنت أعني بالتقري تحديدا المسمى القومي لقبائل بني عامر والحباب وغيرهم من الناطقين بلسان التقراييت ؟ وعليه بهذا المعنى أنا لم أعتبر أن قومية التقري منفصلة عن الهوية البجاوية كما ذهب إلى ذلك د. أبو آمنة في قوله (وعندما يعتبر الاستاذ جميل البني عامر والحباب انهم قومية منفصلة هي التقري) ومن ثم كذلك ليس في مقالي دعوة إلى تفريق البجا كما تساءل د. أبو آمنة في مقاله (هل يسعي الاستاذ الي تفريق قومية البجا الي فريقين علي الاساس اللغوي الي تقري وبجا من ناحية, ومن ناحية اخري يسعي لتشتيت البني عامر والحباب الي فريقين: فريق يتحدث بالبداوييت والفريق الآخر بالتقري؟) وبطبيعة الحال لا يستدعي التمييز اللغوي بين المجموعتين تفريقا أو تشتيتا للبجا . فهم فعلا كذلك أي مجموعتين لغويتين تتمثلان هوية واحدة وتعيشان في إقليم واحد معروف ، كما أنني لا أسعى إلى التفريق بين الحباب والبني عامر على أساس لغوي ، بل بالعكس كلمة التقري مهما ظن البعض من أنها تحمل دلالات أخرى سواء تلك التي تتصل بوضع طبقي منقرض ، أو تلك التي تتصل بنظام القوميات في إرتريا هي في حقيقتها كلمة تدل على التعريف القومي أي التعريف الجمعي للبني عامر والحباب وغيرهم بوصفهم أمة وقومية . وبما أن مفهوم الأمة يختلف عن مفهوم القبائل في كونه مفهوم حديث ذي دلالة أكثر عمقا وشمولا في التعبير عن تلك القبائل كمجموعة متجانسة لغويا من ناحية ، وفي قدرته أي مفهوم الأمة على تحديد الحقوق المشروعة لكل فرد في هذه الأمة بعيدا عن التعريف القبلي فإن هذا المسمى لقومية (التقري) لا يدعو إلى التفريق والتشتيت كما ذهب د. أبو آمنة بل هو دعوة للوحدة والعمل المشترك والمفتوح في إطار الهوية البجاوية . ولتوضيح فكرتي بصورة أكثر عمقا سأضرب مثلا بالهوية النوبية في شمال السودان ؛ فالهوية النوبية في شمال السودان تحتوي على أكثر من لغة مختلفة فهل كان ذلك سببا لتفرق النوبة ؟
أرجو من د. أبو آمنة أن لايستنتج من كلامي في المقال تأويلات بعيدة لاعلاقة لها بما عنيته في ذلك المقال من كلمة (قومية تقري) .
علينا أن نعرف ان كلمة (تقري) في معناها اللغوي الصحيح تعني عامة الناس . وأما ما ارتبط بها من مسميات سالبة سواء في العصور القديمة ، أو ماارتبط بها من تنظيم قومي في نظام الجبهة الشعبية بإرتريا المتصل بقوميات إرتريا ، لايمكن أن يصرفنا عن معناها الصحيح ، وعن دلالتها القومية المحايدة والمنطبقة على المسمى القومي لقبائل بني عامر والحباب وغيرهم . وعليه في كلامنا هذا رد على (ود شارف) الذي استشهد د. أبو آمنة في مقاله .
ثم حين يقول د. أبو آمنة (كما يعلم الاستاذ جميل, فان لفظ تقري عرف كلغة, وليس كقومية, يتحدث بها بعض قبائل شرق السودان كالبني عامر والحباب) كيف يمكنه الفصل بين اللغة والناطقين بها . فالعرب مثلا يتحدثون العربية ، والنوبة يتحدثون النوبية ، والبداوييت يتحدثون التبداوي ، وعلى هذا القياس فإن التقري يتحدثون التقراييت . فمن يقول بأن اللغة هي التقرايت أما الذين يتحدثون بها فهم من غير التقري سنجد أن كلامه غير صحيح وغير دقيق .
والحقيقة حين نناقش هذا الرأي سنجده يمارس فصلا تعسفيا وغير علمي بين التقري والتقرايت . فاللغة تقرايت تعني الكلام ، والكلام صفة للمتكلم ، والصفة لاوجود لها بدون وجود الموصوف(المتكلم) والياء في تقرايت هي ياء النسب أي أنها منسوبة للمتكلم بها وتأخذ اسمها من اسمه ؛ وفي هذه الحال سيكون اسم المتكلم الجمعي بهذه اللغة هم التقرى بالضرورة . واللغة التي يتكلمون بها منسوبة إليهم ، وليس العكس ، لأنه لاوجود للغة إلا من خلال المتكلم بها وهم هنا التقري . وعلى هذا فإن كل الناطقين بالتقري سواء أكانوا في إرتريا أو السودان هم من البجا ولا هوية لهم غير الهوية البجاوية ، مهما ظن البعض خلاف ذلك أو توهموا .
3 حين يفهم د. أبو آمنة من كلامي التالي في مقالي (وهكذا يمكننا فهم التناقض الذي يقع فيه بعض مثقفي البداويت حين يخضعون لبعض الأوهام الشعبوية في تمرير ذلك الفرز الذي يتوهمون من خلاله قيمة مضافة في استحقاق المواطنة على قومية التقري، بناءً على فكرة الحيازة التاريخية للأرض المحلية، دون أن يدركوا أن الجغرافيا السياسية هي ملك سيادي للدولة ضمن حدودها في خريطة العالم) نفيا لامتلاك البداويت التاريخي للأرض بشرق السودان بقوله (يتعرض الاستاذ جميل لموضوع حساس للغاية وهو ملكية الارض, واراه ينحاز لجانب السلطة المركزية حين يقول: فكرة الحيازة التاريخية للأرض المحلية هي ملك سيادي للدولة!لا يا محمد, هذا لا يجوز! الارض هي ملك لاصحابها من السكان الاصليين الذين يعيشون فيها منذ القدم)، فهذه مشكلة في التأويل والفهم فقط . أنا لم أنفي الحيازة التاريخية بل أثبتها للبداويت ، في كلامي أعلاه ، لكن مانفيته هو : بناء قيمة مضافة في استحقاق المواطنة على التقري نتيجة لتلك الحيازة التاريخية . فقيمة المواطنة لا ترتبط بملكية الأرض المحلية ، بل ترتبط بالجغرافيا السياسية للدولة أي بسيادة الدولة على حدودها السياسية المتعارف عليها دوليا . والأسوأ من ذلك أن يفهم د. أبو آمنة أنني بذلك انحاز للسلطة حين يقول عني (وأراه ينحاز لجانب السلطة المركزية(؟! كيف أكون بكلامي أعلاه منحازا للسلطة التي فرطت في حلايب والفشقة ؟!
أنا لم أذكر السلطة مطلقا في مقالي وإنما ذكرت الدولة ، والدولة شخصية اعتبارية وسيادية لا علاقة لها بالسلطة ، لأن السلطة تمثيل حكومي مؤقت فقط .
وإلا كيف يمكننا أن نفهم حق جميع المواطنين من مختلف أنحاء السودان في شرعية حيازة التملك الخاص في مدن الشرق وقراه بغير حق المواطنة الذي يسمح لكل من له شبر واحد في أرض الوطن من مختلف القوميات أن يستمتع بكل شبر فيه داخل تلك الحدود السياسية ؟ هنا يتجلى لنا خطأ فهم د. أبو آمنة لكلامي ، وخلطه بين مفهوم سيادة الدولة على حدودها الذي يمنحها إعطاء حق لملكية المواطن لأي أرض في تلك الدولة سواء أكانت أرض البجا أم أرض الفور أم أرض النوبة أو غيرها من قوميات السودان ، وبين فهمه للحيازة المحلية للبجا على أراضيهم .
وأخير أقول للدكتور الفاضل أبو محمد أبو آمنة أن كل مشكلاتنا نابعة أصلا من عدم تحقيق مبدأ المواطنة كحق شامل لكل السودانيين . فالمواطنة تعني في الدستور : مساواة جميع المواطنين في الحقوق والواجبات أمام القانون بعيدا عن أعراقهم ولغاتهم وألوانهم وطوائفهم ؛ هذه المواطنة لم تتحقق أبدا بمعناها الكامل لا في حكومات مابعد الاستقلال ولا في ظل نظام الإنقاذ الذي فرغ الهوية الوطنية من معناها ناهيك عن المواطنة . ولو كنا مواطنين حقيقيين في وطن يحترم قيمة المواطنة ويحقق مفهومها الشامل والعادل في جميع مواطنيه ، لما ظهرت كل تلك الدعوات المشوشة إلى الهويات المحلية كالبجا والنوبة والفور ....ألخ لأن المواطنة هي الوجه الآخر لتحقق الهوية في مسألة الحقوق والتعدد الثقافي المعبر عن نسيج الوطن . وعليه فإن قضيتنا الأولى هي قضية تحقيق المواطنة كشرط شارط لحل كل المشكلات والأزمات التي تأخذ بخناق السودان .
وحتى لو تعذرت وحدة البجا في ظل التجارب الهشة التي افضت إلى اتفاقية أسمرا ، ونتج عنه تذويب الحراك السياسي للبجا من الفضاء العام وتقسيمه ، فعلينا أن نعمل بما تيسر في وجه هذا النظام الذي يريد تدمير الوجود الوطني والقومي للبجا وإزاحته من الفضاء العام والشأن السياسي ليتسنى له التحكم بالمواطنين من خلال ولاءاتهم القبلية وعبر تفخيخ نظام الإدارة الأهلية والزج بالنظار والعمد والمشايخ في قضايا الشأن العام . للأسف ليس لدينا اليوم كيان حي وقوي له رؤية سياسية متمكنة وقادرة على قراءة الواقع الاستراتيجي لمسار التحولات المستقبلية على حياة البجا . وفي ظل مثل هذه الحالات ينبغي للمجموعتين البجاويتين (البداوييت والتقري) العمل من أجل إطارهما القومي بأفق مفتوح على الوحدة والمواطنة والتعايش المشترك ، عمل يبدأ من الذات أي من ترتيب كل منهما لبيته الداخلي تمهيدا لتحقيق استحقاقات الوحدة حتى تنضج الشروط لتأسيس وحدة استراتيجية بين البجا . وهذا بالطبع ما يمكن أن يتحقق في المستقبل.
ملاحظة أخيرة : بخصوص إيراد د. أبو آمنة نقلا عن ابن حوقل في قوله (سمي ابن حوقل أيضا قبائل الخاسة، وهي حينذاك كانت تعيش علي طول التلال والسهول الساحلية علي مصب خور بركة) فهذا غير دقيق لأن ابن حوقل لم يطلق لفظ (خاسا) وإنما ذكرلفظ (جاسة) ومن أراد التحقق فليرجع إلى كتاب ابن حوقل (صورة الأرض) صفحة 59 طبعة منشورات دارمكتبة الحياة عام 1979م حيث يقول ابن حوقل مانصه (وبنواحي بركة بطون كديم وهي المعروفة بعجات من البجة ، ويتصل بها ممايلي سواحل البحر الجاسة بطون كثيرة في السهل والجبل) ومن المعروف أن أول من أطلق هذا الاسم في العصر الحديث هو المؤرخ السوري نعوم شقير عميل قلم المخابرات البريطانية في كتابه (جغرافية وتاريخ السودان) ونعوم شقير لمن لايعرف هو أحد ال 250 الناجين من حملة هكس باشا التي كان قوامها 12 ألف في معركة شيكان مع جيش المهدي (كان من ضمنهم الروائي والمؤرخ جرجي زيدان) .
أما شيخ مؤرخي شرق السودان الأستاذ محمد صالح ضرار فقد وصف قبيلة (هاسا طوكر) بأنها قبيلة شبه منقرضة ولم يتبق منها إلا أعداد قليلة في مدينة طوكر في خمسينات القرن الماضي تسمى (هاسا طوكر) .
وبمناسبة الحديث عن البجا الأصليين كما جاء في عنوان مقال الدكتور أبو آمنة من المهم جدا أن نختم مقالنا بحقيقة كثيرا ما تغيب عن البعض بخصوص من ينطبق عليهم لفظ البجا اليوم حيث أن لفظ البجا اليوم يدل على معنيين فقط :
الأول معنى يعرفه الجميع وهو الاسم الذي يطلق على القبائل التي تعيش في أرض البجا الواقعة بين حلايب ومصوع .
المعنى الثاني هو ويطلق على قبيلة صغيرة محدودة اسمها (البجا) أو (إبداوي) وهي القبيلة التي لا تزال تحتفظ بخصائص البجا الأقدمين وتعيش كلها في منطقة خور بركة بإرتريا وتتبع لنظارة البني عامر . وعن هذه القبيلة يقول المؤرخ الأستاذ محمود أبو عائشة في كتابه تاريخ سواكن (البجه " إبداوي " الاسم هنا لقبيلة صغيرة محدودة موجودة في خور بركه وتتبع إدارياً لمجموعة البني عامر. وهي في الواقع تعتبر من أكثر القبائل في شرق السودان وإرتريا محافظة على الأصول القديمة للبجة الذين كانوا في مرحلة ما قبل الإسلام.وتحتفظ هذه القبيلة بكثير من الخصائص البدوية المحضة التي كانت طابع البجة القدامى فهم قوم يحبون رعى الأغنام ويعيشون على ألبانها ولحومها ولحوم الصيد البرى ولا يحبون المدن ، واغلب وجودهم في الجبال حول مناطق خور بركه وساوه وجميل وغيرها من مناطق المنطقة الغربية من إرتريا ... والمتحدثون (بالبداوييت) يعرفون أنفسهم عند الجمع (بالبداوييت) مع اعترافهم بوجود قبيلة (إب داوى) بعنصرها الحالي في أعالي خور بركه) انتهى
هذا ما أردت توضيحه في مجمل النقاط التي أثارها الدكتور الفاضل أبو محمد ابو آمنة . ويبدو من خلال هذا الرد أنه ليس هناك اختلاف في المعنى والمقصد ، بقدر ما هو اختلاف في تأويل وفهم طبيعة مقالي المذكور .
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.